صراع الدم وجرائم قتل الأقارب.. تصاعد ظاهرة يمكن وصفها بـ”الاستثنائية”

تشرين- إلهام عثمان:

تتعدد الأسباب والموت واحد، لكن.. عندما يكون الموت بأيدي من أحببناهم يوماً، فذلك هو الموت الحقيقي، قتل الأقارب ظاهرة غريبة شاعت في الآونة الأخيرة وعلى المستوى العربي، وتعد هذه الظاهرة من أسوأ الجرائم وأبشعها، حيث تمتزج العواطف بالجنون وتتجاوز قسوتها الحدود الإنسانية، ويمكننا وصفها بـ”الإستثنائية”، لا سيما أنها تعيد إلى مخيلتنا قصة قابيل وهابيل، لتتكرر هذه القصة بأشكال مختلفة، ولكن بأبعاد أكثر قسوة و وحشية، فهل نبرر لأنفسنا أفعالنا بقتل من نحب، في حين حرم الله قتل النفس إلا بالحق.

الجريمة حقيقة موجودة منذ الأزل
يؤكد لؤي جلجوقة الباحث الاقتصادي من خلال تصريحه لـ”تشرين”، أن عالم الجريمة ليس مجرد ظاهرة حديثة تنتمي إلى مكان أو ثقافة معينة, بل هو واقع موجود منذ قديم الأزل، وهي جرائم حاضرة مع فارق تغير الزمان والمكان، إلا أن تفاصيل الجرائم تتنوع في الآونة الأخيرة، حيث تصدرت وسائل التواصل الاجتماعي حالات مروعة لقتل الأقارب، من الأصول أو الفروع، ليكون بوابة للعنف الذي ينمو كالفطر مع كل اختلاف أو خلاف.

خير بك: في ظروف الحرب والتوتر الاجتماعي الأسر مهيأة لظهور أفكار غير سليمة

جرائم تصدم المجتمع
تتجلى هذه الظاهرة بأبشع صورها في العديد من الحوادث، أحدثها (سلوى)، المرأة التي كانت في عقدها الرابع، والتي قتلت بعشر طعنات من دون رحمة على يد فلذة كبدها ابنتها (تسنيم)، وصديقها (حمزة) بعد خلافات شخصية, في مبنى نقابة المحامين في عين الكرش بدمشق، لنرى حوادث لا تصدق وانتهاكات لمبادئ الإنسانية، متجسدة بحوادث مؤلمة، مثل حادثة الطبيب “المثقف”، الذي أطلق النار على أفراد عائلته، أما الزوج الذي أقدم على قتل ٣ أفراد من عائلة زوجته بتسميمهم، لينتهي به المطاف برمي ابنته على أزقة الطرقات، وهنا يوضح جلجوقة أن العوامل والدوافع وراء تلك الجرائم متنوعة، وتعتمد بشكل كبير على الظروف المحيطة بالفاعل.

حجر الزاوية في التكوين الشخصي
وهنا تصرح الاختصاصية النفسية رغداء خير بك لـ”تشرين” بأن للبيئة دوراً مهماً وأساسياً في تشكيل وصقل شخصية الفرد، فالتجارب العائلية مثل انفصال الوالدين أو وفاة أحدهما إضافة للمحيط العام, تلعب دوراً كبيراً في توجيه سلوك الأبناء، كما أن رفقة السوء يمكن أن تجر الشخص إلى سلوكيات مرفوضة، تبدأ من التدخين وتعاطي المخدرات والترويج لها والسرقة وغيرها لينتهي بهم المطاف الى القتل، كما بينت أن الصراعات الأسرية المستمرة وغياب الحوار الفعال يؤديان بالنتيجة إلى تصاعد العنف الأسري، خصوصاً في ظل ظروف الحرب والتوتر الاجتماعي، حيث تصبح الأسر مهيأة لظهور أفكار غير سليمة، وكيف لا.. فغياب التواصل والتفاهم يفتح باب الانحراف، ما يترك عواقب وخيمة على الأبناء.

محمدي: المثقفون غالباً ما يكونون تحت ضغط نفسي ومجتمعي عالٍ لتحقيق توقعات المجتمع وهذا الضغط يمكن أن يؤدي إلى توترات نفسية حادة

الحلول ببناء إنسان سليم
وأشارت خير بك إلى أهمية بناء الإنسان بناءً سليماً على الصعد النفسية والفكرية والجسدية، من خلال توجيه الأهل لأبنائهم وتعزيز القيم الأخلاقية والإنسانية منذ الصغر، وتوفير الرعاية والحوار المستمر، كما ينبغي نشر الوعي في المجتمع لتعزيز القيم الإنسانية من خلال وسائل الإعلام وحملات التوعية الثقافية, منوهة إلى أهمية صلة الرحم التي بدورها تعزز العلاقات وتسهم في تكوين أجواء أسرية مملوءة بالمحبة والدعم, وهنا تكمن أهمية الحوار وصلة الرحم في نشر قيم التفاهم والمحبة، ما يسهم في تقليل جريمة قتل الأقارب.

مثقفون ملوثون
المفجع في ظاهرة قتل الأقارب، أن بعض الجرائم فاعلوها من فئة “المثقفين” ما الاسباب؟ سؤال وجهته «تشرين» ليجيب الخبير الاجتماعي والأسري طه محمدي، مشيراً إلى أن المثقفين غالباً ما يكونون تحت ضغط نفسي ومجتمعي عالٍ لتحقيق توقعات المجتمع، سواء كانت مهنية أو شخصية، هذا الضغط يمكن أن يؤدي إلى توترات نفسية حادة، والتي قد تنفجر في بعض الأحيان بشكل عنيف، وأيضاً قد يعاني الأفراد المثقفون من صراعات داخلية تتعلق بالهوية أو المكانة الاجتماعية، فإذا شعر المثقف بعدم القدرة على الارتقاء بتوقعاته الشخصية أو المجتمعية، فقد يقوم بتوجيه غضبه نحو أقرب الناس إليه هرباً من واقعه، كما يمكن أن تلعب الأفكار السلبية أو القيود الثقافية دوراً في كيفية تعبير الأفراد عن غضبهم أو إحباطاتهم، مضيفاً: إن بعضهم قد ينظر إلى العنف كوسيلة لحل الصراعات أو المشكلات الأسرية، ناهيك بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب أو اضطرابات الشخصية، التي قد تؤدي إلى العنف، وهنا ينوه محمدي إلى أن العنف ليس حلاً، وأن الحوار والود هما السبيل للعيش بسلام، لافتاً إلى أن بعض المثقفين قد يشعرون بالعزلة أو عدم الفهم من قبل المجتمع، نتيجة ضغط العمل، ما يزيد من توترهم مع أقاربهم، وهذه العزلة يمكن أن توفر بيئة تحتوي على العدوانية والتوتر.

محمدي: تلعب الأفكار السلبية أو القيود الثقافية دوراً في كيفية تعبير الأفراد عن غضبهم وإحباطاتهم

خطوات وقائية
وهنا يوضح محمدي أن التعليم يعمل على تقليل النزاعات العائلية من خلال برامج تعليمية، والتركيز على حل النزاعات للحد من العنف، مشيراً إلى أهمية العلاج النفسي والدعم النفسي الاجتماعي بتوفير خدمات الدعم النفسي للأفراد تحت الضغط، ما يساعد في معالجة المشكلات قبل تفاقمها، وأن التعاون بين الاختصاصيين والأسرة يسهم في إيجاد بيئة أسرية آمنة، ويجب التأكيد على دعم السياسات الاجتماعية بتعزيز البرامج التوعوية المبنية على الأدلة للتصدي لعنف الأسر من خلال الاستثمار في الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، ما يقلل من الشعور بالاستياء والعزلة.

محمدي: بعض المثقفين قد يشعرون بالعزلة أو عدم الفهم من المجتمع نتيجة ضغط العمل ما يزيد من توترهم مع أقاربهم وهذه العزلة يمكن أن توفر بيئة تحتوي على العدوانية والتوتر

للقانون رأيه
وأشار المحامي إسماعيل شعبو من خلال حديثه لـ” تشرين” إلى أن معدلات الجرائم تختلف وفقاً للمراحل والأزمات التي تمر بها البلاد، لذا فإن نسبة العنف الأسري تتزايد بشكل كبير خاصة في فترة الضغوط النفسية وعدم الاستقرار الاقتصادي والتغيرات الطارئة التي فرضت على نواة المجتمع، بسبب ما خلفته مفرزات الحرب على سورية من إرهاب، أما عن دوافع القتل أو السرقة، فكشف شعبو أن الفقر – البطالة – الديون – الجهل – تناول المسكرات- تعاطي المخدرات والأمراض والاضطرابات النفسية ووسائل التواصل الاجتماعي هي أهم الدوافع، إلا أن العنف له أشكال مختلفة ” كالعنف الجسدي والعاطفي والجنسي” وهذا العنف قد يمارس من الجاني على (الزوجة – الأطفال – العاجزين – المسنين وباستخدام أدوات عديدة، والتي تؤدي إلى ضرر واضطراب نفسي واجتماعي وتشرد الأطفال أحياناً، لكن.. الخطورة الحقيقية عندما يتحول العنف الأسري إلى جريمة قتل، تسببها آثار معينة على جسم المجني عليه، والتي قد تؤدي فيما بعد إلى وفاة المجني عليه، كما أضاف شعبو: إنه للأسف قد يستغل الجاني حالات “موانع” العقاب للإفلات من العقوبة في حال توافرها، والتي حددها القانون على سبيل الحصر في المواد بين”222 – 235″، وهي “القوة القاهرة- الغلط المادي والقانوني في انتفاء المسؤولية عنه وفي المسؤولية الناقصة” كالجنون، العته، السكر، والتسمم بالمخدرات” .

شعبو: معدلات الجرائم تختلف وفقاً للمراحل والأزمات التي تمر بها البلاد لذا فإن نسبة العنف الأسري تتزايد بشكل كبير

وعن سؤال «تشرين» حول عقوبة القاتل، هل تطبق ذاتها في حال كان الجاني من أحد الفروع أو الأصول أم تختلف؟ يؤكد شعبو أنه وفق المادة 535 الفقرة 3، فإن القانون لا يفرق بين القتل القصد والعمد، في حال قتل الأصول للفروع وشددها للإعدام واعتبرها كالقتل العمد.
وبشكل عام، وفق رأي محمدي، من المهم أن نفهم أن العنف ليس ناتجاً عن الثقافة أو التعليم وحده، بل هو نتيجة لتفاعل معقد من العوامل النفسية والاجتماعية، ولذلك يتطلب التعامل مع هذه الظواهر تحليلاً دقيقاً وفهماُ للسياقات المحيطة من أجل إيجاد حلول فاعلة للحد منها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار