العدوان البري على لبنان يراوح لصيقاً بـ«الحدود» وتحذيرات للكيان من عواقب مسار طويل لمعادلة «الردود الصاروخية».. إيران تختبر «وضعية» المنطقة بجولة سياسية باتجاه إمكانية التهدئة
تشرين- هبا علي أحمد:
تراوح العملية العسكرية الإسرائيلية البرّية ضد لبنان مكانها منذ أسبوع، ويحاول كيان الاحتلال إشاعة أنباء حول دخول بري محدود، وعندما يتحدث العدو عن دخول محدود، في حين كان قبل ذلك يحشد ويتوعد، فهذا مرده إلى عجز الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن عن الدخول الفعلي الحقيقي، وكما يشير محللون إلى أنه مادام العدو لم يدخل إلى ما بعد الحدود بعدة أمتار ولا يمتلك أي سيطرة على الأرض فلا يمكن التسليم بأن العملية وقعت وتحققت.
عندما يتحدث العدو عن دخول بري محدود في حين كان قبل ذلك يحشد ويتوعد فهذا مرده إلى عجزه حتى الآن عن تحقيق دخول فعلي
بالتزامن يُشيع الكيان عن عملية بحرية سيشنها قريباً، لكن في سرديات الميدان فإن الحقيقة مغايرة تماماً لما يُشاع، إذ تتصدى المقاومة اللبنانية لمحاولات التوغل الإسرائيلية جنوب البلاد، ما يُكبّد الاحتلال خسائر كبيرة ومؤكّدة في صفوفه، أما في السياسة فتبدو مساعي وقف إطلاق النار في لبنان متعثرة حالياً خارجياً وداخلياً في ظل التجاذبات اللبنانية القائمة حالياً حول ترتيب مجمل الملفات مع بعضها وعلى رأسها انتخاب رئيس الجمهورية، إذا ترى بعض الأطراف أن الظروف غير مهيأة لذلك قبل وقف إطلاق النار، في حين تدعو أطرف أخرى إلى الانتخاب تحت النار.
في الأثناء، فإن انتظار الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني لايزال قائماً، من دون التأكد من طبيعته ومداه، في ظل تحذير إيراني من التداعيات والتأكيد على الجهوزية التامة للرد على الرد وبطريقة أكثر إيلاماً من سابقتها، بالتوازي مع تلك التحذيرات تخط إيران مساراً سياسياً يبدؤه وزير خارجيتها عباس عراقجي في جولة إقليمية لبحث تطورات المنطقة وإمكانية التهدئة وسد الذرائع أمام الكيان ومن خلفه واشنطن، في المقابل تواصل جبهات الإسناد لغزة عملياتها العسكرية التي طالت أمس «تل أبيب» كافتتاحية العام الثاني للطوفان بما يتضمنه ذلك من رسائل عسكرية.
الاستعداد الإيراني
وقبيل جولته الإقليمية التي يبدؤها اليوم من السعودية، أكّد عراقجي أنّ أي خطأ من جانب الأعداء سيقابله رد قوي، بحيث إنّ إيران لن تتسرع أو تتهاون أو تتردد فيه، مشدداً على أن بلاده ستردّ على أي هجوم على مؤسساتها أو بناها التحتية، مضيفاً: الأعداء يعلمون أنّ صواريخنا يمكنها الوصول إلى كل أهدافها، وعلى الكيان الإسرائيلي ألّا يعبث مع قدراتنا.
وعن خيارات الرد، نقلت وسائل إعلام إيرانية، أمس، عن مصادر عسكرية، قولها: إن طهران سترد بجدية في حال قامت «إسرائيل» بأي إجراء عسكري ضدها، مضيفة: وحدة التخطيط بالقوات المسلحة الإيرانية أعدت نحو 10 سيناريوهات للرد على الإجراء المحتمل لـ«إسرائيل»، وأن رد إيران قد يكون أكثر شدة من أي هجوم إسرائيلي، مشيرة إلى أن العديد من الدول أخطرت طهران بأنها لن تشارك «إسرائيل» في ردها المحتمل.
وأكدت المصادر أن أي دولة ستساعد «إسرائيل» في عمل محتمل ضد إيران ستكون قد تجاوزت الخط الأحمر الإيراني، مشددة على أن رد طهران لن يكون بالضرورة رداً بالمثل وعلى مستوى الرد الإسرائيلي، لكن يمكن أن يكون أكثر شدة وعلى أهداف مختلفة.
حسابات الردود
تأخر الرد الإسرائيلي لا يعني أن الاحتلال انكفأ بعد سيل التهديدات والوعيد، بل هو متوقع في أي لحظة، وقالت صحيفة «أوبزيرفر» البريطانيّة: يعتقد المحللون أنّ هذه التقارير الأولية يمكن أنْ تكون مضللة، ويمكن أنْ تُغيِّر حسابات ردّ «إسرائيل» إذا كانت تخشى من الدخول في نوبةٍ من كرة الطاولة الصاروخيّة المطولة مع إيران، خاصّةً إذا اختارت طهران أهدافاً أكثر ليونة في المستقبل.
حسابات «إسرائيل» قد تتغير إذا كانت تخشى من الدخول في «نوبة من كرة الطاولة الصاروخيّة المطولة» مع إيران التي أثبتت أنّها تستطيع ضرب الاحتلال بقوّة
وتابعت: أظهرت لقطات الأقمار الصناعية ووسائل التواصل الاجتماعي صاروخاً تلو الآخر يضرب قاعدة «نيفاتيم» الجويّة في صحراء النقب، ويؤدي إلى بعض الانفجارات الثانوية على الأقل، ما يشير إلى أنّه على الرغم من الفاعلية التي تمّ الترويج لها بشدة للدفاعات الجوية الإسرائيليّة «القبة الحديدية» و«السهم» إلّا أنّ ضربات إيران كانت أكثر فاعلية ممّا كان معترفاً به سابقاً، لافتة إلى أنه في حين يبدو أنّ هذه الصواريخ لا تصيب الطائرات على الأرض، إلّا أنّه سيكون لها تأثير مميت إذا أطلقت على «تل أبيب» مثلاً أو إذا تمّ توجيهها إلى أهداف أخرى عالية القيمة مثل مصافي النفط بالقرب من حيفا، ما قد يخلق كارثة بيئية بجوار «مدينةٍ إسرائيليّةٍ» كبيرةٍ.
تبقى الحقيقة الأساسية هي أنّ إيران أثبتت أنّها تستطيع ضرب «إسرائيل» بقوّةٍ إذا رغبت في ذلك، وهنا يشير مراقبون إلى أن طهران تتعمد في سياستها التحكم بفاعلية الصواريخ، لتكون بفاعلية محدودة مع رسالة واضحة، على أن هذه الفاعلية يمكن أن تتغير باتجاه قوة مدمرة إذا اختارت إيران ذلك، وهذا يتوقف على الرد الإسرائيلي المرتقب.
وفي السياق، لفت المراقبون أيضاً إلى أنه يمكن لإيران أنْ تختار هدفاً مختلفاً، على سبيل المثال، قاعدة مكتظة بالقوات البرية للجيش الإسرائيليّ، أو هدفاً داخل منطقة مدنية، ومن شأن ضربةٍ صاروخيّةٍ هناك أنْ تُسفِر عن عددٍ كبيرٍ من القتلى، وبالنظر إلى أنّ «إسرائيل» يبدو أنّها التزمت علناً بضرب إيران، فمن المحتمل ألّا تكون هذه هي المرّة الأخيرة التي نشهد فيها تبادل الصواريخ على المدى الطويل، بتبادل لن تتمكن «إسرائيل» من تحمله إذا أصبح صراعاً طويل الأمد.
مقاومة مستمرة
في الميدان، تواصل المقاومة اللبنانية عملياتها النوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي، موسّعةً دائرة نيرانها شمال فلسطين المحتلة، ومتصديةً لمحاولات التوغل الإسرائيلية جنوب البلاد، ما يُكبّد الاحتلال خسائر كبيرة ومؤكّدةً في صفوفه، وذلك دعماً لغزة ومقاومتها، ودفاعاً عن لبنان وشعبه، ورداً على الاستباحة الهمجية الإسرائيلية للمدن والقرى والمدنيين.
المقاومة توسّع عملياتها النوعية شمال الكيان وتتصدى لمحاولات التوغل البري جنوباً وتكبد الاحتلال خسائر كبيرة ومؤكدة
وفي الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة جبهة الإسناد اللبنانية في 8 تشرين الأول، رُصد إطلاق نحو 100 صاروخ من لبنان باتجاه حيفا وعكا بعد نهاية خطاب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم وهو الأكبر منذ بداية الحرب، إلى جانب استهداف تجمعات لقوات الاحتلال في مستوطنات «شلومي» و«حانيتا» و«يرؤون» بصليات صاروخية، إضافة إلى استهداف تجمعات أخرى لقوات الاحتلال محيط موقع المرج و مرابض مدفعية الاحتلال في «ديشون» و«دلتون».
ومساء أمس الإثنين، أعلنت المقاومة إطلاقها صليةً صاروخية على قاعدة «غليلوت» التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية «8200» التي تقع في ضواحي «تل أبيب».
وعلى جبهة العراق، استهدفت المقاومة العراقية 5 أهداف بـ 5 عمليات منفصلة وسط وشمال الأراضي الفلسطينية المحتلة بوساطة صواريخ الأرقب «كروز مطور» والطائرات المسيّرة.
غزة وأهلها
إلى ذلك، صرّح المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» فيليب لازاريني بأن عاماً من العنف الشديد ضد قطاع غزة أدّى إلى جعله مقبرةً لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، بينهم عدد كبير من الأطفال، مشيراً إلى أن عاماً كاملاً مرَّ والعائلات في غزّة تواجه معاناة يومية لا توصف، حيث أصبحت المعاناة من النزوح القسري، الأمراض، الجوع والموت واقعاً يومياً لمليوني شخص محاصرين في منطقة منكوبة.
بالتزامن، أكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في الصحة، تلالينج موفوكينج، اليوم الثلاثاء أنّ ما يجري في قطاع غزّة من هجماتٍ وجرائم إسرائيلية يُعدّ إرهاباً نفسياً وجزءاً من خطّة إبادة جماعية ترتكبها «إسرائيل»، مشيرة إلى أنّ الصحة النفسية لسكان قطاع غزّة تدهورت نتيجة استمرار العدوان على القطاع.