جذوة الدور
يكاد لا يخبو الاختلاف في الآراء حول العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وقد تتلاقى في بعض الأحيان تلك الآراء في حال كانت أطراف الحوار على سوية ثقافية متقاربة ومن نفس التوجه إزاء ما يعصف حولنا.
أما في حال صادف وجود أشخاص لهم مشارب متعددة، وبعضهم يطغى العناد على سلوكه وتفاعله مع الآخر ويتلذذ بالمناكفة وعدم تقبّل وجهات النظر المغايرة أو مقاربتها من بعض للتوافق بشأنها، فإن النقاش يبقى يدور مهما طال في حلقة مفرغة، وقد ينتج عنه تصادم إلى حدّ الاشتباك.
ولو حصل وتدخلت أطراف وسط، لها حضورها الاجتماعي في فض بعض الاختلافات في الرأي أو النزاعات الاجتماعية والمادية وغيرها، تجد أن جانبي الخلاف يتعنّتان ولا يستجيبان للتحكيم الاجتماعي، علماً أن مثل هذا الفعل يعد من الأعراف والعادات المعمول بها منذ زمن بعيد، ولطالما كانت له نتائج تصالحية محمودة، وعلى ما يبدو إن مفرزات الحرب وما خلّفته من شرخ وتطاول من بعض الصغار سنّاً وقدراً أخمدت من جذوة الدور.
في السياق، يلاحظ أنه وبسبب تنصل البعض من سداد الحقوق أيّاً كان نوعها، يغدو اللجوء للمحاكم هو المآل المحتم، ولو كان أخذ الاعتبار لمثل تلك الوساطات التصالحية، لما كنا نرى المحاكم تعجّ بالدعاوى بشتى قضاياها.
إن حضور أولي الأمر الفاعلين، هو بمنزلة نظام اجتماعي نأمل معاودة تعزيزه، لكونه يُقوّم إلى حدٍّ ما السلوكيات الخاطئة ويسهم بفض الخلافات والنزاعات، ويخفف بالتالي من الحالات التي تنتهي بالمحاكم، فهل من أمل بتكاتف أهلي يعيد لهذا النظام هيبته وفاعليته التي لطالما عهدناها قبل الحرب؟ .. نأمل ذلك.