الوطنية تضامن ‏

تشرين- ادريس هاني:
الارتداد عن ثوابت القيم الإنسانية هو أصل الارتداد عن القيم الوطنية، ذلك لأنّ مفهوم الوطنية ‏لا يقوم من دون أساس من ذلك المشترك الإنساني، قد تكون تلك هي إشكالية تثيرها ماهية ‏الإنسان باعتباره كائناً متعدّيّاً، وحيث هو بخلاف الخراف لا توجد نفسه حيث يربض جسده، ‏بل هو كائن متعدٍّ بمشاعره وقلقه، الوطن ليس مساحة جغرافية ماديّة صرف، بل هو نسق ‏دلالي، أحيانا تسكن الأوطان في القلوب، في المهاجر، حتى حينما بدت الجغرافيا تحت هيمنة ‏الاستعمار، كانت الوطنية محمولة في وجدان المقاومين، إنّ الوطني مدفوع بغريزة الوفاء ‏لتقدير الفعل الوطني حيثما كان، الوطنية، تبحث الأوطان عن الآخر جذباً وشراكة، الأوطان ‏ليست اصطبلاً شوفينياً ينزع مشاعر التّضامن مع القضايا العادلة، ثم متى كان أولاد الخونة ‏يعلّمون أبناء المقاومين أصول الوطنية؟
لقد تضامن معنا أقوام كثر، في محنة مقاومة الاستعمار، كما تضامنا بلهفة مع أمم وشعوب في ‏الخافقين، ثقافة لا تهتم بالآخر أو مغالطة منح التضامن الإنساني عنوان الولاء، مغالطة دخيلة ‏على الوطن، محاولة لجعل الوطنية نسقاً أنانياً وحالة عنصرية وفاشية معلنة بزهو وبألف ليلة ‏وليلة من التغليط، لأنّ مؤشرات الوطنية تتجلّى في هذا الفيض من مشاعر التضامن مع ‏الإنسان، ولا حاجة لتبرير وجه الإنسانية فيما يشهده الإقليم من خرق سافر لما يتهدد الإنسانية ‏وأعرافها.‏
من يرى التضامن الإنساني ولاءً للغير، يعيش هذه الإمكانية من فكاك الأشياء، هي كلّها ‏عمليات إسقاطيّة هدفها الترهيب وأصلها العميق: الوشاية، إنّ الوطنية مفهوم محدد ومبدأ ‏مقرر، ولقد فصلت ورفع القلم وجفت الصحف ولا مجال لعزف نشيد خلط الأوراق.‏
إنّ الوطنية التي نعرفها ونشأنا عليها، مدوّنة في سجلّ التحرر الوطني، في الميثاق العربي ‏الذي جعل التضامن جزءاً من ثقافتنا الوطنية بعيداً عن لعبة الشوفينية إنّ صح الوصف، لأنّ ‏الشوفينية عندما تكون شعوراً صادقاً على تطرفه يمكن تفهُّمها، أما عندما تكون خداعاً ومغالطة ‏وولاءً خفيّاً هنا وهنا لمن هم خطر على الإنسانية، فهي شوفينية وظيفية زائفة، فببعض ‏المفاهيم التي باتت أشبه بأعقاب السجائر يتعلّم الأونطة أساليب التدخين الصبياني تهيُّؤاً ‏للشمكرة التنظيرية، إنّهم ينفثون دخان أعقاب المفاهيم: مفاهيم طابا نوار.‏
إنّ الإدمان على صناعة المغالطة مضرّ بالصحة النفسية، وقد يؤدّي إلى تدهور الصحة ‏البيولوجية، لأنّ المغالطة تعطّل جزءاً مهماً من الدّماغ، ومع تراكم المغالطة ومرور الزمن ‏يصبح المغالط معرّضاً للإصابة في الغدة الدرقية، وبالتّالي النسيان والزهايمر، تقوم صناعة ‏المغالطة على فعل الإنساء، حتى يصبح المغالط متصالحاً مع فعل النسيان لِما ينبغي له ‏استذكاره ككائن ناطق متمنطق.‏
خلط الولاء بالتضامن حيلة بليدة، لأنّها تسعى لخرق أسس التربية التي تلقّاها المواطنون، في ‏المقرر التعليمي لأجيال: البؤساء، بلا عائلة، جيل الضّما، وانظر: رفقة السلاح والقمر… فمن ‏أي غاب أتت مغالطات: مو شغلنا، لا يخصنا.. وهل نحن أمام محاولة لتغيير الطبيعة البشرية؟ ‏ليس لدينا من الوقت والمزاج لكي نقف على عُثار هذه المغالطات، وعلى تناقضاتها المهولة، ‏لأنّ التّاريخ كفيل بذلك.‏

كاتب من المغرب العربي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار