تشرين أو الذاكرة المشتركة
تشرين- ادريس هاني:
كنت أجوب عنوة شارع سبع بحرات بدمشق المحروسة، كنت أبحث عن جواب عن سؤال: «شو جاب الشامي على المغربي؟» كان الشارع إياه هو نفسه شارع التجريدة المغربية، تلك التي تحفر عميقاً في جسد الذاكرة الجريح، زمن التضامن العربي والميثاق القومي الغليظ، من هنا، من شعرية المكان الطافح بالوفاء للميثاق العربي الجريح، تنتعش الذاكرة المشتركة، وقد التصقت عيوننا بالشاشة متابعين استعراض التجريدة المغربية وهي تجوب شوارع الرباط، كان مطلع نشيدة التجريدة المغربية آنذاك:
باسم العروبة والإسلام
والقدس وسينا والجولان
وهو من كلمات علي الحداني وأحمد الطيب العلج وألحان العربي الكواكبي، وقيل إنه من ألحان عبد السلام عامر، مضمون هذا النشيد الذي دمغ ذاكرة جيل كامل، وهو لا يزال نشيداً يسكن ضلوعي، لأنني عايشت تلك اللحظة، بل ولأنني عزفته في مناسبات كثيرة وأنا عضو صغير في فرقة نحاسية، كانت التجريدة المغربية بقيادة الجنرال عبد السلام الصفريوي رفقة الكولونيل عبد القادر العلام، وحيث سيصدر مرسوم رئاسي يومه السبت 9 تشرين الثاني عام 1973 بموجبه تم منح لقب بطل الجمهورية العربية السورية إلى كل منهما، فكان كلاً من الجنرال الصفريوي والكولونيل العلام أول الضباط غير السوريين الذين منحوا هذا اللقب، وكان ذلك وفاءً سورياً لما أبلته التجريدة المغربية في حرب تشرين المجيدة، وفي ذلك تفاصيل لا يتسع لها المقام، كان عديد جنود التجريدة مؤلفاً من 5450 جندياً و30 دبابة و12 طائرة و4 طائرات ف- 5، وهناك أرقام أخرى، قاتل المغاربة إلى جانب إخوانهم من الجيش العربي السوري وجنود من الوطن العربي، بجبل الشيخ، بالقنيطرة، كانت مقبرة الجندي المجهول شاهدة على أمجاد البطولات والتضحية، وكان عدد الشهداء المغاربة بحرب تشرين 170 شهيداً، صنعوا بالدم الذاكرة المشتركة السورية_ المغربية، تلك وحدها التجريدة التي تمثلنا، وهي كذلك حرب يوم الغفران التي أرست قواعد الصمود والردع العربيين، بل شكلت في وجداننا الحرب النظيفة التي تستحق التضحية، وهي كذلك كما عبرت عنها الرواية التي ستصبح ضمن المقرر الرسمي لوزارة التعليم: رفقة السلاح والقمر لمبارك ربيع.
في هذا السياق، كنا نحن الذين أدركنا بعد كل هذه السنوات، قيمة الذاكرة المشتركة، وكانت تشرين هي المنقذ من الضلال، يوم تعرضت سورية للعدوان والمؤامرة، كنا نقارن بين ذاكرة تشرين المجيدة ومشهد العدوان الذي سعى لطمس كل معالم ومكتسبات تشرين، جاء ليكمل ما لم يكمله الاحتلال، كان الجولان المحتل شاغلاً أساسياً قبل أن يحل الخراب.
ستنتصر سورية على الإرهاب الغادر، وستظل وفية لتشرين على الرغم من كل مواجعها، ويا لها من مواجع.
اليوم تحل ذكرى السادس من تشرين، لتعيد تموضع البوصلة كما يجب، ذكرى في سياق حرب إبادة على الشعبين الفلسطيني واللبناني، وقصف عدواني على سورية إكمالاً لمشروع الدواعش. هذا وحده يؤكد على وحدة المسار والمصير، كما يكشف عن أن استهداف سورية بالخراب كان ولا يزال بسبب صمودها الكبير، بسبب إسنادها للقضية الفلسطينية، احتضانها للمقاومة، ولأنها ظلت وفية لعهد حرب تشرين المجيدة، فلم توقع، وهي لذلك ما زالت مستهدفة.
حرب تشرين التحريرية وحدها تخلد واحدة من أهم انتصاراتنا الملهمة، والتي أنقذت الحلم العربي من زمن النكسة، وكانت سورية بوفائها لمخرجات تشرين، لا تحمي مكتسبات الانتصار فحسب، بل تحمي شعلة التحدي وتنقذ الذاكرة والهوية من خطر الهزيمة وثقافتها، العرب مدينون جميعاً لهذا الصمود، ولئن استطاعت سورية الصمود كل هذه السنوات العجاف من العدوان، فذلك بسبب الوفاء لحرب تشرين المجيدة.
كاتب من المغرب العربي