الحرب التي أردناها مفترقاً تاريخياً

51 عاماً مرت ولا زالت حرب تشرين التحريرية قائمة ماثلة، بل هي اليوم تبدو أكثر بروزاً، ‏بل أشد سطوعاً في أحلك ظروف الأمة، وفي أشد حاجتها إلى روح تشرين، ليس كذكرى ‏نحتفي بها ونتمثل أمجادها وبطولاتها، ونصرها، بل كروح حيّة تقودنا إلى نصر جديد، في ‏حرب مصيرية أخرى، لا خيار ولا مناص من خوضها. ‏

في هذا اليوم- 6 تشرين الأول- نحتفي بحرب تشرين ونصرها، تلك الحرب التي كانت قمم ‏جبل الشيخ، الجولان، وتراب القنيطرة، ميداناً خلد بسالة الجندي السوري الذي كتب سفر العزة ‏والكرامة بمداد دم وروح، وبعنفوان وطن أرادها حرب عزة وكرامة لكل الأمة، ومحطة ‏مفصلية حاسمة حاكمة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، وفي كل ميادين المواجهة مع ‏العدو.‏

وفي وصف هذه المعركة هناك الكثير الذي يقال، فقد كانت معركة الدفاع عن الأمة العربية ‏وكيانها ووجودها وما زالت مستمرة منذ بدء ساعة الصفر ظهيرة يوم 6 تشرين الأول من عام ‌‏1973. معركة وإن اختلفت الأسلحة وتلون الأعداء وتنوعت طرق القتال، لكن الروح ‏والوطنية والانتماء للأرض لا تزال هي ذاتها عند السوريين والشرفاء من أبناء الأمة العربية، ‏ولم تكن هذه الملحمة مجرّد جولة من جولات الصراع مع العدو الذي يحتل فلسطين وأجزاء ‏من سورية، بل كانت، ولا تزال، نقطة انطلاق في تاريخ العرب ومستقبلهم، نقطة علاّم ‏ساطعة على ساحة الأمة التي تستطيع متى أرادات أن تكون على مستوى القرار والفعل.. على ‏مستوى الحرب وكل ما يتطلبه الانتصار فيها.‏

في ذكراها الـ 51 لا بدّ من استذكار المعاني والدلالات التي زخرت بها حرب تشرين ‏التحريرية، وما زال أثرها وتأثيرها حاضراً وفاعلاً في التطورات السياسية التي تشهدها ‏المنطقة العربية، فقد أحدثت آثاراً ونتائج كبيرة للغاية، هزت العالم أجمع، وأصبحت نظرة ‏المجتمع الدولي إلى العرب بعد الحرب المجيدة، تختلف عن نظرته السابقة إليهم، لاسيما تلك ‏التي خلفتها نكسة حزيران عام 1967، فكانت حرب تشرين حرباً خالدة وصفحة مشرقة في ‏تاريخ الأمة العربية، وحدثاً فريداً، وستبقى الأهداف التي قامت من أجلها محركاً قوياً للنضال ‏العربي, ومن هنا عندما نستعيد الماضي لا نفعل ذلك لمجرد الحديث عن ذكريات جميلة، وأيام ‏مليئة بالانتصارات، ولكن لدروس عميقة وعِبرٍ مهمة يحملها في صفحاته المشرقة، حين ولدت ‏الكرامة فيها بأيام مشرفة من تاريخ سورية.‏

وخلال هذه الملحمة العظيمة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد لم يدخر أي جهد لمحو آثار ‏نكسة حزيران، فأعلن حرباً وانتصر فيها، وتحولت إلى عنوان عريض لسجل وطني كتبت ‏ملاحمه بدماء الشهداء الطاهرة، فحرب تشرين كسرت جدار اليأس بعد النكسة، وكرست ‏حقيقة أن سورية قلعة الأمة العربية الصامدة التي تدافع عن وجودها ومستقبلها.‏

إذاً القضية الأساسية في حرب تشرين التحريرية هي أن زمام المبادرة قد انتزع من يد العدو ‏الإسرائيلي ـ ولأول مرة في تاريخ العرب الحديث ـ فالقرار التاريخي بشن حرب التحرير الذي ‏جسده القائد المؤسس حافظ الأسد في السادس من تشرين الأول يعتبر القرار الأكبر، والأهم ‏شأناً في تاريخ العرب المعاصر.‏

لقد كان لهذه الحرب تأثيراتها على «إسرائيل» ففي ظل الأفكار والمعتقدات التي سيطرت ‏على عقلية الكيان الإسرائيلي وتصرفاته واطمئنان المؤسسة العسكرية إلى عدم تجرؤ الجيوش ‏العربية على مهاجمته، نشبت حرب تشرين التحريرية، فكانت المفاجأة الكبرى حين حطّم ‏الجيشان السوري والمصري هذا الاعتقاد الخاطئ في قيامهما بتنفيذ العملية الهجومية بوقت ‏واحد وبتخطيط واحد وبتعاون كامل.‏

وهكذا كانت هذه الحرب حرب العزة والكرامة ومن بوابتها الواسعة نهضت الأمة العربية ‏على قدميها، فكانت أول قدم في مرتفعات الجولان، والأخرى في شبه جزيرة سيناء لتوجه ‏للصهاينة ضربتين متزامنتين، وتنبه الرأي العام العالمي إلى أن العرب هم أصحاب الأرض، ‏والحق وما كيان العدو إلا غاصب ومحتل.‏

كانت حرب تشرين الأول عام 1973 من أبرز الأحداث التاريخية في التاريخ العربي ‏المعاصر نظراً لمنعكساتها ونتائجها العسكرية والاقتصادية والسياسية، ولما حملته من نتائج ‏لعل أهمها تحطيم مبدأ التفوق العسكري الإسرائيلي، وانتزاع العرب زمام المبادرة من العدو ‏باتخاذ قرار شن الحرب المفاجئة، وانهيار أسطورة الطيران الإسرائيلي كسلاح فعال في ‏الحرب، ناهيك عن انعكاساتها النفسية والسياسية السلبية على الكيان الصهيوني.‏

بالنتيجة، إن الذين خاضوا حرب تشرين من أجل الكرامة والحقوق، يستطيعون خوض أكثر ‏من حرب حتى يستعيدوا حقوقهم كاملة غير منقوصة.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار