تنبذه مجتمعات وتتقبله أخرى.. الوشم وسيلة للعلاج مع وجود إجماع على مخاطره
تشرين- إلهام عثمان:
بقعة أو ندبة في مكان ما لدى أحدهم، والتي قد يخلفها ماضيهم نتيجة تعرضه لحادثة ما، قد تكون كفيلة بترك آثار سلبية ونفسية عميقة، إلّا أنه مع تقدم العلم والتقنيات الطبية والتجميلية برز “الوشم العلاجي”، والذي بات بوابة وجسراً يعبر من خلالها بعض من فقد الأمل نحو التعافي، إلى استعادة الثقة بالنفس بمسح تلك البصمة، من خلال رؤية جديدة في عالم العلاج بالفن، لتعزيز الثقة بالنفس لمن فقد الأمل، فبينما تنظر بعض الثقافات إلى الوشم كوسيلة للتزيين، و أخرى تنظر له نظرة سلبية، بدأ الكثيرون يرون في هذا الفن علاجاً ودوراً حيوياً في إعادة بناء هويتهم وإخفاء ندوبهم، إنه ليس مجرد شكل على الجلد، بل عملية تعبير وتغيير، إلّا أن السؤال يبقى: هل يمكن أن نعدّ الوشم العلاجي أداة حقيقية للشفاء، أم إنه مجرد تجميل خارجي؟
أم أحمد ذات الـ٣٦ عام تقول: أعاني من الوحمة البيضاء، لكن أكثر ما يشعرني بالخجل أن تلك البقعة الصغيرة في وجهي أول ما تسقط عليها الأعين وذلك يشعرني بالنقص وعدم الثقة.
بينما أضاف شادي وهو شاب في مقتبل العمر قائلاً: عرضت في الصغر لحادث حريق، و قد تركت لي تلك الحادثة ندبة في الرسغ، وبالرغم من تجاهلي لنظرات بعضهم وتظاهري باللامبالاة.. إلّا أنني أحياناً أشعر بالحرج.
حمادي: يستخدم الوشم لدى الأشخاص الذين لديهم الوحمة البيضاء والبهاق المستقر حيث تكون لديهم بقعة وحيدة
“تمويه الجلد”
ومن هنا كشف رئيس قسم الأمراض الجلدية والزهرية في جامعة دمشق الدكتور نضال حمادي في تصريحه لـ” تشرين”، أنّ الوشم يستخدم في بعض الأحيان كوسيلة علاجية لدى الأشخاص الذين لديهم مشاكل جلدية، ومنها “الوحمة البيضاء والبهاق المستقر”، حيث تكون لديهم بقعة “وحيدة”, وهنا يقوم هؤلاء الأشخاص بوشم الجلد بحبر من نفس لون بشرتهم، لتوحيد لونها ولإجراء التغطية اللازمة, وهنا ينوه حمادي بأن العلاج بهذه الطريقة صعب وتمّ التخلي عنه تزامناً مع تركيب كريم جديد للبهاق وهوCaver Dearm.
مصادر مرعبة
هذا و قد أوضح حمادي وجود مصدرين للأوشام والألوان المستخدمة، أحدهما حيواني والثاني معدني” صناعي”, وأكثرهما خطورة المعدني، وتعود أسباب خطورته لأنه يسبب “إنسماماً”، مثل الرصاص والزئبق أو الحاوي على الزئبق والفيول، هذه المواد تسبب حساسية شديدة أو إنسماماً بالمعادن، خاصة إذا كان الوشم كبيراً, مشيراً إلى أن الملون الحيواني أوقف عالمياً لفترة طويلة تزامناً مع ظهور الأمراض المعدية المنتقلة عن طريق الحيوانات، كإنفلونزا الطيور والخنازير وجنون البقر، مضيفاً: حالياً يتم تصنيعه من مواد عضوية نباتية، ورغم ذلك يتم تغييرها من فترة لأخرى، لما تسببه من أضرار.
حمادي: مصدر الوشم والألوان المستخدمة حيواني ومعدني “صناعي” والثاني أكثر خطورة
مخاطر
وعن المخاطر المحتملة التي يسببها الوشم، يردف حمادي: إن الخطورة تكمن في الإبرة المستخدمة في دق الوشم، لكونها على احتكاك مباشر بالدم والتي يمكن أن تنقل العديد من الأمراض المعدية مثل الإيدز، والتهاب الكبد B-C الفيروسي، وذلك في حال لم يتم تغيرها، واستخدمت لأكثر من شخص، أيضاً المواد والأبر المستخدمة في الوشم قد تسبب حساسية لبعض الأشخاص، بينما تقل تلك المخاطر في الوشم المؤقت لكونها على سطح الجلد فقط.
إزالة الوشم
كما شدد حمادي على أهمية إزالة الوشم عند إجراء أي عمل جراحي، إن لم تكن هناك حالة إسعافية، وذلك تجنباً لتداخل مواد الوشم مع مواد العمل الجراحي مثل المعقمات وغيرها، وهذا طبعاً ينطبق على الوشم بكافة أشكاله وألوانه وأماكن تواجده مهما كان، بما فيه الحاجبان والشفتان، مضيفاً: إن (حجم الوشم) له دور كبير أيضاً في تزايد تلك المخاطر، فكلما زاد حجمه، زادت مخاطره, فالكبير يسبب إرباكاً للطبيب الجراح.
وأكد حمادي أن الأمراض التي يسببها الوشم مختلفة ومنها: العقيدات -إحمرار – الحكة- العقد- التقرحات- الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس “دموياً” تشوهات الجنين – يسبب حساسية وارتكاساً مناعياً- مرضاً جلدياً- سرطانات- وأمراض المناعة الذاتية, لأنه يمكن أن يحرض المناعات بالحمل والإرضاع، لذا لابدّ أولاً من إجراء التحاليل الطبية، والتأكد من تعقيم الإبرة جيداً ورميها بعد الاستخدام مباشرة.
إزالة الوشم بين الحاضر والماضي
هذا وقد بين حمادي، وجود طريقتين لإزالة الوشم، أولهما بطريقة ميكانيكية” ضوئية” أي عن طريق الليزر، وهنا المقصود “إزالة اللون فقط وليس المادة” الموجودة في الجلد, وثانيها إزالة مادة الوشم من الجلد، وهنا لابدّ من التدخل جراحي، كما أشار إلى أنه من الطرق القديمة المتبعة لإزالة الوشم الدائم، هي الحرق بالآزوت مع حقن الملح لامتصاص المادة، ومن مساوئ هذه الطريقة أنها تسبب التشوهات، خصوصاً إذا كان الوشم كبير الحجم ويقع في مناطق حساسة كالأجفان والحواجب.
وختم حمادي: أنه وكرأي شخصي لا يحبذ الوشم لما يتركه من آثار سلبية ناجمة عنه، ويقول: قديماً كان الكهنة يتباركون بالوشم، وفي الحرب العالمية الأولى استخدمته روسيا وبولونيا، وفي ألمانيا استخدمه “هتلر” للتمييز بين المساجين حسب عرقهم ودينهم، أما حالياً فأكثر مستخدميه من المشاهير وخاصة لاعبي كرة القدم، بالرغم من تعرضهم للكثير من الرضوض والكسور، وقد بات محبوهم من المتابعين يقومون بتقليدهم.
فرحات: تغطية وإخفاء الندوب تساهم في استعادة ثقة الأشخاص بأنفسهم فيشعرون بأنهم أكثر قبولاً في المجتمع
تغطية تجميلية
من جانبه أكد د.علي فرحات اختصاصي تجميل لـ”تشرين”، أن استخدام الوشم الطبي لتغطية الحروق والندب والجروح، هي تغطية تجميلية إيجابية وفعالة، وتعود إيجابيتها لكونها تساعد الأشخاص على استعادة ثقتهم بأنفسهم عند إخفائها، فيشعرون بأنهم أكثر قبولاً في المجتمع بسبب تحسين مظهرهم ما يجعلهم يشعرون بالرضا، ويستخدم أيضاً في تغطية ندوب حب الشباب، وبعض الأمراض الجلدية، مثل مرض بيرونيس (Peyronie’s disease) أو بعض أشكال “الأكزيما”، وذلك بتخفيف من وضوح العلامات المرتبطة بهذه الحالات، وأيضاً في حالة فقدان الشعر مثل الثعلبة، وهنا يشدد فرحات على أهمية ودور العلاقة الإنسانية مع المرضى، وقدرتهم على استيعاب تجربتهم ومعاناتهم مع ضرورة استشارتهم بخصوص توقعاتهم وضمان الحصول على النتائج المرجوة من دون إحداث أي ضرر، بشكل عام، ووفقاً لرؤية فرحات: تعد تغطية الحروق بالوشم الطبي طريقة مبتكرة، ولاسيما أنها تساعد في تحسين مظهر الجلد وتعزيز الثقة بالنفس.
التكيف مع العواطف
وبيّن فرحات أنه من إيجابيات الوشم الطبي أنه عند تغطية الندبات والحروق السابقة برسومات جميلة، ما يساهم في التقليل من مشاعر الخجل أو التوتر الاجتماعي، وتعد هذه العملية أقل تدخلاً مقارنةً بالعمليات الجراحية الأخرى، ما يقلل من خطر المضاعفات، كما يعد وسيلة للتعبير عن الشفاء والتغلب على تجربة مؤلمة، بالتالي يعزز الجانب العاطفي للشفاء وهذا ما يسمى “بالتكيف مع العواطف”.
سلبيات الوشم الطبي
أما عن السلبيات الوشم الطبي وحسب رأي فرحات، فإن عملية الوشم قد تكون مؤلمة خاصةً إذا كان الوشم كبيراً ويقع في منطقة حساسة، وقد يحدث أن تكون النتائج النهائية غير مرضية ومتوقعة، ما يؤدي إلى إحباط المريض، ولاسيما إذا كانت تكلفة جراء الوشم الطبي مرتفعة أو غير مغطاة بالتأمين الطبي، كما بين أنه يجب إدراك أن مظهر الوشم قد يتغير مع مرور الوقت، وبالتالي قد يستلزم تعديلات أو عمليات تجميل إضافية في المستقبل، كاشفاً أن ليس كل شخص مرشح لتقبل لوشم الطبي؛ فمثلاً، الأفراد المصابون ببعض الحالات الصحية، مثل مشاكل المناعة أو الأمراض الجلدية، قد يحتاجون إلى تقييم دقيق من قبل الطبيب، وأن الحبر المستخدم يجب أن يكون ذا جودة عالية وخالياً من المواد الضارة.
وختم فرحات: تختلف وتتباين نظرة المجتمعات تجاه الوشم، فبعض الثقافات تعدّه علامة جمالية، بينما في ثقافة أخرى تعده العكس، لذا، قد يكون من المفيد أخذ السياق الثقافي في الاعتبار، موضحاً أنه ينبغي على الأشخاص الراغبين في إجراء هذا النوع من الوشم استشارة أطباء مختصين وإجراء التحاليل اللازمة، لتحديد ما إذا كان هذا الخيار مناسباً لحالتهم ولضمان تحقيق أفضل النتائج.