أين غابت نماذج النساء المناضلات عن الشاشات واللوحات والحكايات؟
تشرين-جواد ديوب:
كان يا ما كان، كما تقول الأسطورة امرأة ٌ علمت الرجل الحب وساقته إلى ينابيع المعرفةِ بذاته وبالكون.. اكتشفت الزراعة، أو ربما ابتكرت طريقة زراعة القمح فخلقت بذلك أول انقلاب حضاري وثقافي في تاريخ البشرية، فبعد أن زرعت، أوجدت المسكن كموطن استقرار قرب الزرع والمياه.. واخترعت بذلك فكرة البيت ودافعت بشراسة اللبؤات عما في داخله من طمأنينة وضحكات.
في التشكيل
أكتب هذه المقدمة وأنا أستعيدُ ما شاهدته في طفولتي أيام الثمانينيات من لوحات تشكيلية تصور لنا عظمة الأمهات عموماَ؛ الفلسطينيات واللبنانيات والسوريات… وكل النساء القديسات اللواتي قدمن وما زلن يقدمن قلوبهن وأولادهن الأقمار فداءً لأوطانهن المصغرة: البيوت، وقرباناً لأوطانهن الكبيرة: بلادهن!
وأفكر أيضاً: أين غابت هذه اللوحات والمضامين عن المشهد التشكيلي السوري في معظم ما يقدم لنا من نتاجاتٍ تستلهم من أجواء الحداثة وتقليعات “الفن الحديث” ما يمكن أن نشبهه بتهويماتٍ لاواعية وخربشاتٍ تبهرنا بأشكالها وألوانها وضربات الريش وربما قصاصات “الكولاج”.. دون وجود لمواضيع مثل: الأم، الوطن، الطبيعة، الأب، الحياة اليومية… الخ ضمن كادر اللوحات! وكل ذلك إما بحجة التأثر بموضة الحداثة الفنية الغربية أو بحجة حرية التعبير والخروج مما كان يسمى “الواقعية الاشتراكية” في الفن والمسرح والسينما على اعتبار أن هذه المواضيع باتت “كليشيهات” بالية أي “دقة قديمة” ويجب على فناني اليوم التخلص منها!
في الدراما!
وهنا أيضاً يمكننا المقارنة بين نموذج يشبه نساء “باب الحارة” وشبيهاته من مسلسلات كرّست دوراً “سلبياً” للمرأة السورية باعتبارها المرأة، الخاضعة بالمطلق ل”ابن عمّها” الرجل الحاكم بأمره في كل شؤون حياته وحياتها، وبين نموذج المرأة التي قدّم لها مثلاً الراحل نهاد قلعي في مسلسلاته “صح النوم” و”مقالب غوّار”، ونساء مسلسل “حمام القيشاني” للمخرج الراحل هاني الروماني، وغيرها من مسلسلات درامية قدمت المرأة السورية بصورة أقرب للواقع وأكثر شبهاً بحقيقة عقلها وقوتها وتأثيرها بمن حولها.
أتساءل: أين غابت صورة الفدائية ابتسام حرب، عن عقول شبابنا، وهي شهيدةٌ من شهداء” القوميين السوريين” والتي ضحّت بشبابها وجمالها في الدفاع عن قضية فلسطين؟! ألا تستحق أن تُقدّم كنموذج راقٍ من النساء السوريات؟!
وفي التاريخ!
لماذا لا نأخذ من حوادث التاريخ القديم والحديث، أمثلةً إيجابيةً تحتذى وتدرّس، وتتم الاستفادة منها على نحو يزيدنا إنسانية، بدلاً من الركون إلى “تقاليد” اجتماعية، قد تكون هي مجرّد عادات، لم نفكّر فيها بحكم كونها عادة، فالأمثلة “الإيجابية” من النساء العربيات والسوريات كثيرة وما تزال موجودة بيننا، يدفعن ضريبة هذا الخيار/المشروع/ النضال من وقتهن ووقت أبنائهن، ومن هناءة الركون في القناعة والتسليم بما هو كائن… مثل جوليا دومنا حاكمة روما، ووالدة أحد أباطرتها (كراكلا)، و زنوبيا ملكة تدمر صانعة الحضارة، وصولاً إلى “أول وآخر ملكة في تاريخ آسيا كله، وهي الملكة الأفغانية ثريا طرزي (1889-1968) والتي ولدت في دمشق وتلقت تعليمها ووسعت ثقافتها فيها.
قديماً وحديثاً!
ولعل اختيار (المرأة) في العديد من المجتمعات لتكون” شعار الدولة” يعود في جذوره إلى الحضارات الرافدينية وحضارات سورية القديمة حين كانت تماثيل “الربّة الأم” عشتار ونيميسيس ربة العدل والانتقام هي المحور التي يدور حوله كل شيء…
كما نجد حديثاً تمثالاً اسمه “الوطن الأم ينادي”/عام 1967/بطول (91 )متراً، شُيّد في روسيا كتخليد لذكرى الانتصار على النازية، يصوّر امرأة ً تحمل سيفا وتمد ذراعها الأخرى كأنها دعوة لتحتضن أبناءها/أبناء الشعب الروسي، بل أبناء كل من يأتيها مسالماً مُحباً.
ومن المعروف أن المرأة هي جوهر”تمثال الحرية” أحد أشهر التماثيل في العالم منذ عام 1886، تخليداً وترميزاً لدور النساء في المحافظة على :إنسانية” الشعب الأمريكي مقابل آلة الغزو وعقلية الاستعمار التي مارستها حكومات “العم سام” عبر تاريخ نشأتهم.
فقد صنعت الأمريكية (آليس بول) تحولاً تاريخياً في أميركا بأن أجبرت الرئيس الأميركي آنذاك (ويلسون) على: الاعتراف بحق النساء في التصويت والانتخاب، وقد كنّ محروماتٍ من هذا الحق _تصوّروا_ حتى عام 1977، وهذا يدعو للدهشة بكونه تاريخاً قريباً جداً، ويعدّ مؤشراً مهماً لمعرفة التحولات التي جرت على مجتمع يقدّم نفسه مثالاً لـ “الحرية” و”المواطنة” وحقوق الإنسان في العالم.
اعترافٌ عالمي!
يقال إن: “الرضى لا يطوّر العالم”… وما أودّ قوله هو أن تلك النساء، وتلك التماثيل واللوحات والأفلام والروايات والمسلسلات التي جسدت موضوع المرأة باحترام… هي كلها اعترافٌ عالمي بجدارة المرأة/الأنثى/ الحبيبة/ العاملة/الفلاّحة/ الأم/المربيّة/ الأخت/ المواطنة/ المفكّرة/ المبدعة/ وارثة الحضارة/ ومورّثة جينات ال
فتحية لكل امرأة تجد في نفسها الجرأة على مقارعة الحياة وهجمات الغزاة لنيل أمانيها مغالبةً، تلك النسوة جديراتٌ بالحياة إلى أقصاها.