هيبة المعلّم على المحك…تراجع تأثير المدرسة في تعزيز السلوك الإيجابي وأخصائيون يقترحون طريقاً راجعاً لاستعادة الدور
تشرين-بشرى سمير:
تراجع دور المؤسسات التعليمية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وفقدت المدرسة والجامعة والمعهد سيطرتهم على الطلاب وبتنا نرى طالباً يتهجم على أستاذه بكل جرأة وعدوانية ويتطاول عليه، تلاشى دور المؤسسة التعليمية الذي كان مكملاً لدور الأسرة في التربية وتعزيز الأخلاق والسلوكيات الإيجابية لينحصر دورها في التدريس فقط بعيداً عن التأهيل الأخلاقي والتربوي،وأصبح همّ المعلمين الانتهاء من شرح المادة والدرس بسرعة من دون الالتفات إلى سلوكيات الطلاب، وهناك من يتقصد تجاهل ما يراه من تصرفات غير أخلاقية من الطلاب تجنبا للمشكلات .
ضياع هيبة المعلم
الموجهة التربوية هدى شيخ الكار ترى أن السبب في ذلك هو ضياع هيبة المعلم واهتزاز مكانته الاجتماعية، وخاصة بعد منع الضرب أو حتى التنبيه للطلاب، وتم اعتباره عنفاً لفظياً، أصبح الطلاب يتطاولون على مدرسيهم والقانون معهم، إضافة إلى ضيق ذات اليد للمعلم الذي قد يضطر للعمل خارج أوقات المدرسة في مهن بعيدة عن التدريس، ما يؤثر على هيبته أمام طلابه، وهناك مدرسون يعملون سائقي سيارات أجرة وآخرون محاسبون في المطاعم من أجل تأمين العيش اللائق لهم ولأسرهم، وكل ذلك على حساب وقار المعلم وهيبته، وخاصة أمام طلابه.
ولم تنكر شيخ الكار أن الإقبال على مهنة التدريس في المدارس والمؤسسات الرسمية تراجع نتيجة انخفاض الرواتب والأجور لصالح الدروس الخاصة، ما فسح المجال لأشخاص غير مؤهلين لممارسة مهنة التعليم بما تتطلبه من صبر وسعة صدر، وخير دليل على ذلك الممارسات السلبية التي تصدر عن بعضهم كالضرب والشتائم وطغيان الجانب المادي على الجانب الأخلاقي وعدم الشعور بالمسؤولية لدى البعض وكثافة المنهاج وصعوبته، ما دفع ببعض المعلمين إلى أن يكونوا في سباق مع الزمن من أجل الانتهاء من المنهاج قبل نهاية الفصل ولو على حساب الجانب الأخلاقي والتربوي
السهلي : تمزيق الطلاب لكتبهم يعكس سلوكاً غير أخلاقي ينبغي مواجهته
أميّة أخلاقية
الباحثة التربوية والاجتماعية سوسن السهلي بدأت حديثها بوجود أمية أخلاقية، وانطلقت من ظاهرة قيام مئات الطلاب بتمزيق كتبهم ودفاترهم على أبواب المدارس الحكومية كل عام بعد الانتهاء من الامتحانات،أياً كان منهاجها عام أو مهني ، وهذا التمزيق لا يستثني أي كتاب ورد فيه ذكر الله ، والعلوم والرياضيات، عدا عن تمزيق أوراق الامتحانات ونثرها في الهواء الطلق، دون أي اكتراث لتعليم أو نظافة، هذا سوك غير أخلاقي ويعكس عدم احترام الطالب لمدرسته ومعلمه، وعدم متابعة أولياء الأمور والسكوت عنه هو إفساح المجال لمزيد من الاستهتار بالكتاب وبالتعليم وبالمعلم عموماً، ويجب أن ندق ناقوس الخطر حول التربية الأخلاقية في المدارس وغيابها، أولاً فنحن أمام أعداد كبيرة من الطلاب الذين لا يحترمون أحداً، ولا يقيمون للتعليم وزناً ولا للكتاب ولا يوجد لديهم إبداع في أي مجال من المجالات من رسم أو رياضة. و الخطر الثاني هو التحصيل العلمي الذي يعاني من خلل شديد، فالطالب لدينا مبرمج كي يحفظ، وكي ينسى نهاية العام بشكل تلقائي، في ظل كرهه لمدرسته وللدراسة.
وعن حاجتنا لإدخال التربية الأخلاقية في مناهج الطلاب الدراسية، بينت السهلي أن البشر بطبيعتهم مخلوقات اجتماعية تحب العيش والتفاعل مع الآخر، وبالتالي يتوجب على الطالب أن يتعلم أسس هذا التعامل مثل مساعدة الآخر، واللطف واحترام الآخرين، وبالرغم من أهمية هذه القيم التي قد توجد في مادة التربية الأخلاقية إلا أنها على الأغلب لا تدرس كمادة مستقلة ولكنها تكون مدمجة في مواد أخرى كثيرة، وكثيراً ما تسقط سهواً، أو لا تلقى الاهتمام الكافي.
الغزولي : رجع الصدى لمادة التعلم الوجداني كان إيجابياً
مساحة من الحرية
من جهتها،بينت مدير المركز الوطني لتطوير المناهج، الدكتورة ناديا الغزولي أنه بعد مرور مجتمعنا بهذه الحرب التي انعكست سلباً على العلاقات الاجتماعية، وضعت وزارة التربية مادة التعلم الوجداني الاجتماعي، التي بنيت وفق دائرة المهارات الحياتية التي تتألف من تمكين الذات والمواطنة والتواصل والتنمية المستدامة، وأضيف إليها المشروعات والمبادرات وهي حصة ترفيهية للمتعلم من خلال تنفيذ الأنشطة العملية المعدة خصيصاً لهذا النوع من التعلم ، الهدف الأساسي من التعلم الوجداني الاجتماعي هو إعطاء مساحة من الحرية للمتعلم داخل الغرفة الصفية للتعبير عن ذاته بعيداً عن قيود الدرجات والحفظ والتلقين، وبالمقابل تمكن المعلم والمدرس من مراقبة سلوك المتعلمين وتعديل السلوك السلبي إلى إيجابي.
وأوضحت الغزولي أن التريث بالموضوع جاء من أجل تعديل المفهوم لطريقة المنتج، من علم الأخلاق إلى توصيف سلوكي، وخاصة مع وجود أعمار مختلفة بين الطلاب تستوجب البدء من المرحلة الأولى وشرح قضايا تهمّ المتعلم بما يتناسب مع العمر، فليس من المعقول الحديث عن أضرار التدخين والسلوكيات الأخرى الموجودة بين صفوف طلاب المراهقين، مشيرة إلى أهمية التصدي للظواهر السلبية بطرق تقدّم المأمول منها وتحقق الأهداف المرجوة من المصدر العلمي وفق الفئة المستهدفة.
عامان على التطبيق
وأضافت الغزولي: والآن بعد عامين من التطبيق وإجراء البحوث والدراسات من قبل كليات التربية، وإرسال نتائجها إلى المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية، وأبرز نتائج هذه البحوث كانت المطالبة باستمرار وجود هذه الحصة ضمن الخطة الدرسية لما لها من تأثير إيجابي. لافتة إلى وجود حاجة ماسة لتدريب الكادر التدريسي على كيفية تطبيقها بشكلٍ سليم لتحقيق الهدف منها، وهذا ما ستقوم به وزارة التربية -مديرية الإشراف التربوي والمركز الوطني لتطوير المناهج التربوية بوضع خطة تدريبية مع بداية هذا العام الدراسي الحالي .