عن مرويات الحب والحرب الشعبيّة.. أسعد زكاري يرسم لوحةً مُغايرة

تشرين- لبنى شاكر:
لم تكن عودة الفنان أسعد زكاري 1930-2020 إلى التراث الشعبي وفنون الخط العربي، مُجرّد تجربةٍ تُضاف إلى ما سبقها من تنويعات تشكيلية في الكلاسيكية الجديدة والرومانتيكية وغيرهما، إنما اشتغالٌ مُختلفٌ قائماً على استلهام مفرداتٍ تاريخية وخصوصية عربية شرقية، مكّنته من العمل على ما هو قديم، بأسلوبٍ مُغاير، جعله اسماً بارزاً في ميدان التراث الشعبي، ولاسيما مرويات الحب والحرب، وفيها مجموعته “عنتر وعبلة” التي تجاوزت شهرتها المحلية والعربية، وفي سياقها تأتي كلماته “أنا لم أُولد في برلين أو باريس، أنا وُلدت في دمشق، لذا يجب أن أعمل فناً يمت بصلةٍ للبلد الذي أعيش فيه”.

أوّل الطريق
حصل زكاري على بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة الإسكندرية في مصر 1958، أثناء دراسته الجامعية كان يواظب على تمارين الرسم من الموديلات الحية، لدى معهد “بيكلي” الإيطالي في الإسكندرية، وفيها درس أيضاً فن التصوير الزيتي، في مرسم “سيف وانلي”، ما أهّله لإقامة معرضين ثنائيين في صالة الصداقة الفرنسية في المدينة نفسها 1955 و1956، وفي سورية كان معرضه الأول 1959 في المتحف الوطني في دمشق، في رصيده الجائزة الثالثة في مسابقة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب للفنانين السوريين 1961، والجائزة الثالثة للتصوير الزيتي في مسابقة صالون القاهرة 1959، ولا تزال لوحته موجودة في متحف القاهرة.

كتابٌ توثيقي
عام 2021، أعدّ “زياد كامل”، وهو صاحب مجموعة فنية، ومُهتم بالتشكيل، كتاباً عن زكاري، حَمَلَ اسمه عنواناً، وتضمن بعض لوحاته وصوراً وثائقية لمراحل دراسته ومعارضه، وعدة مقالات كتبها عنه فنانون ونقّاد كبار، بعد أن أطلعه على ذكرياته، وأوراقه القديمة وسيرة حياته. يقول كامل “التقيتُه في منزله، في حي الروضة الدمشقي، شخصيته الغريبة وأعماله المعلقة على الجدران، أوراقه ودراساته الخطية، كل شيءٍ أثار فضولي للتعرف إليه أكثر، ترددت إليه في فتراتٍ متقطعة، على مدى خمس سنوات”.

أعدّ «زياد كامل» كتاباً عن زكاري يتضمن بعض لوحاته وصوراً وثائقية لمراحل دراسته ومعارضه

يُضيف “في البداية اعتقدتُ أنه كان يرسم في أوقات الفراغ، إلى أن دخلت إحدى الغرف ورأيتُ أعمالاً كثيرة موقعة بـ ZOK ، أعمالٌ بمراحل متعددة منذ الخمسينات، هذا الرجل التسعيني المهندس، صاحب غاليري أوغاريت سابقاً، صرتُ أتردد إليه بصورةٍ شبه يومية، من جهته، وثق بي، وأدرك أنني آمنت بتجربته، فقال لي (أنا بعرف بشو عم تفكر يا صبي)، حدث ذلك قبل شهر من وفاته، وكأنّ القدر جمعنا، لأُخرج خلاصة نتاجه الفني من العتمة إلى النور”.

قيمة فنيّة
ينقل صاحب الكتاب، شرحاً كتبه الراحل عن أعماله، يقول فيه: “منذ البداية ظللتُ أبحثُ عن إعطاء صورةٍ واضحة ومتطورة للتراث الشعبي، بدأتُ بدراسة الأشكال التي كان يستخدمها فنانونا في الأرابيسك والخط العربي بجميع مدارسه، وانتقيتُ منها البسيط، لكن البداية لم تكن بالسهولة التي كنت أتصورها، إذ وجب عليّ مثلاً لإعطاء بطولات “عنترة بن شداد” صورةً تضاهي أشعاره عنها، عمل كروكيات عديدة للحصان في جميع حركاته، كذلك للوجوه وحركات الأجسام والملابس، ويجب أن يُمثّل كل ذلك زمان الحدث، المواضيع كثيرة، تتجه جميعها نحو إمكانية تشكيل لوحة فنية، فيها روح الفن الشعبي، مع التطوير اللازم لإمكانية الوقوف بشخصية مفردة تُعطي للأعمال قيمةً فنية”.

عاد زكاري للإنتاج الفني مرتكزاً على تجربة الفنانَين «أبو صبحي التيناوي» و«سعد كامل»

طاقة جديدة

يستعيد الفنان “يوسف عبد لكي”، جانباً من مشوار الراحل في عوالم التراث، بعد عشرين عاماً، تنقّل خلالها، بين سورية وألمانيا وفرنسا، خفّ فيها نشاطه الفني، بسبب العمل وظروف المعيشة، إلى أن كان معرضه في هذا المجال، في المركز الثقافي السوري في باريس 1989. يقول في تقديمه للكتاب ذاته، وهو المشرف على إعداده: “عاد زكاري للإنتاج الفني مرتكزاً على تجربة الفنان الفطري “أبو صبحي التيناوي” والفنان المصري “سعد كامل”، ومن هذا المنطلق المحلي أخذ في إزاحة كل ما تعلمه خلال عقود، والذهاب إلى مصادر الفن الشعبي لا لتكريسها بل للعمل على شحنها بطاقةٍ جديدة”.

رسم زكاري العناصر الشعبية المعروفة بشكلٍ عفوي بعيداً عن أحكام اللوحة الحديثة

نزعات حديثة
يُشير عبد لكي إلى أنّ الراحل عمل على خطين، في المنحى الذي كرّس له سنوات حياته الأخيرة، الأول هو: “الخط، إذ راح يرسم العناصر الشعبية المعروفة، بشكلٍ عفوي، فزاد على عفويتها الأصلية، عفوية خطوطه الراقصة بعيداً عن أحكام اللوحة الحديثة، والثاني اللون، حيث عدّ اللوحة ميداناً فسيحاً للتجريب، بعيداً عن توضيحية الرسوم الشعبية، هكذا أصبحت اللوحة بقدر انتمائها إلى فنوننا الشعبية، منتميةً إلى نزعاتٍ حديثة، جريئة، تجريبية، لا تقف عند حدٍّ مرسوم، بل تنطلق إلى فضاء الاحتفال بفرح الألوان، لتصنع في النهاية لوحة زكاري المختلفة عن الفنانين الذين عملوا في نفس التيار، ولتطبع ببصمتها الخاصة هذا التيار الأخّاذ في التجربة التشكيلية العربية”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار