مؤشرات تعافٍ تحت مرصد مؤسسات دولية.. معاودة انتعاش متسارعة لقطاع الاستثمار السوري.. ومساحات رديفة لحضانة المشروعات النوعية

تشرين – خاص:

لعلّنا بدأنا بإخراج الاستثمار من الدوائر المغلقة إلى فضاء أرحب و أكثر اتساعاً.. فلدى الهيئة المعنية “هيئة الاستثمار السورية” ما تفصح عنه ويحمل كل جديد لكل مترقّب لهذا القطاع ” قطاع الأمل” في سورية، والمترقّبون كثر حتى وإن لم يفصحوا، ولاسيما هناك خارج حدود البلاد ممن يتحيّنون الفرص للدخول إلى الميدان السوري الجاذب بمقوماته، لكن يبدو أنه مازال ثمة فسحة للانتظار لابدّ منها.

رصد خارجي
فمنذ فترة وجيزة من هذا العام، توقّعت مؤسسة “بي أم أي” أن ينمو الاقتصاد السوري بنسبة 2.2% خلال هذا العام 2024 وذلك بفضل زيادة الإنتاج الزراعي واستقرار الليرة السورية.
ويشير هذا النمو إلى وجود رغبة قوية في تغيير شامل ومستمر في كيفية إدارة الملف الاقتصادي للبلاد.
وفقاً للتوقعات، من المتوقع أن تشهد سورية حراكاً استثمارياً هاماً ومؤثراً، ما يشير إلى دخولها مرحلة جديدة بعد 13 عاماً من الحصار والحرب.

مؤسسة دولية: ترتيبات مهمة تُجرى حالياً لجذب استثمارات نوعية وكبيرة إلى سورية ستُحدث تحركاً كبيراً في الاقتصاد السوري

ورأت المؤسسة أن هناك ترتيبات هامة تُجرى حالياً لجذب استثمارات نوعية وكبيرة إلى سورية، والتي من المتوقع أن تُحدث تحركاً كبيراً في الاقتصاد السوري، وخاصة أن هذه الاستثمارات ستتوزع على عدة قطاعات مختلفة.

وقائع

الواقع أنّ مقاربة رؤية المؤسسة الدولية أعلاه ومحاولة إسقاط ما ورد من مؤشرات على الواقع، يشي بأن ثمة الكثير – أكثر مما كان متوقعاً، جرى توطينه على الأرض.. فالجولات الميدانية تفضي إلى الكثير من القناعات الجديدة، المخالفة لحالة القنوط والطاقة السلبية التي يوحي بها التدفق الإعلامي عبر وسائل التواصل الكثيرة، ولعلنا نستطيع هنا أن نسجّل عتباً على رجالات الأعمال أصحاب المنشآت الجديدة أو التي تعاود النهوض بعد الحرب، لتقصيرهم في تسويق مستجدات أعمالهم، والوتيرة المتسارعة للتعافي في المدن الصناعية، والعتب ذاته يمكن أن يكون على إدارات المدن الصناعية، إذ يجب أن يواظبوا على ضخ تقارير رصد المستجدات في المدن التي يشرفون عليها – والمستجدات كثيرة وشبه يومية أو على الأقل شهرية.

فالنتاج التقليدي لعمل هيئة الاستثمار السورية، يبدو غزيراً وبعضه أو أغلبه تم رصده إعلامياً، فلدى الهيئة نشاطها في هذا المجال على الرغم من ضيق الإمكانات، لكن يمكن رصد الكثير مما تفعله الهيئة عبر الحضور الإعلامي الرصين والدقيق الذي بدأته إدارة الهيئة، وهو حضور دوماً يحفل بالمعطيات الجديدة.
لكن إنجازاً موازياً لضخ الاستثمارات في المدن الصناعية، يظهر في المناطق الاقتصادية الرديفة للمدن الصناعية في الواقع، والتي تتمتع بميزات كثيرة جاذبة بالفعل.

برؤية أصحاب الفكرة

بالأمس أكد وزير الاتصالات والتقانة في حكومة تسيير الأعمال إياد الخطيب، أنه يتم العمل حالياً على المدينة التكنولوجية الخاصة بوزارة الاتصالات في منطقة الديماس، وستكون مدة هذا المشروع ثلاث سنوات، وذلك لتجميع الصناعات البرمجية في سورية بمكان قريب من هيئة تقانة المعلومات، وستكون مجهزة بالبنية التحتية الكاملة لجميع المصدرين والمصنعين، معتبراً أن هذا المشروع سيوجد لسورية مكاناً في مجال صناعة البرمجيات.

المدينة التكنولوجية الخاصة بوزارة الاتصالات لتجميع الصناعات البرمجية في سورية

لافتاً إلى أنه تمّ العمل على إستراتيجية التحول الرقمي في سورية، لتكون متوافقة مع الإستراتيجيات الموجودة في الدول العربية والأوروبية، وتم وضع خطة لعام 2030 وتم البدء بها منذ عام 2021، وبعض الوزارات كانت سباقة في ذلك كوزارتي النقل والداخلية.
وأكد الخطيب أن الموارد موجودة ومفتوحة إلّا أن المشكلة تتمثل في قلة وجود الكوادر المختصة لتقود عملية التحول الرقمي في الوزارات، لذا تم الطلب من وزارة التعليم العالي لحظ حاجات الوزارات من خلال الشهادات والمعامل التطبيقية، وقامت وزارة الاتصالات ببناء مركز التميز السوري الهندي في هيئة تقانة المعلومات وتم تخريج نحو 700 طالب متدرب مع شهادات تمكنهم من العمل بأي دولة في العالم، ومع ذلك لا يزال هناك ضعف بالكوادر، معيداً إياه إلى فارق الأجور بين الداخل والخارج وبين القطاعين العام والخاص.
ورأى أن العالم يعيش حالياً ثورة الاتصالات والإنترنت، ويوجد الكثير من الدول تعدّ صناعة المعلومات والتكنولوجيات مصدراً رئيساً من الناتج الإجمالي فيها، إذ تشكل صناعة التكنولوجيات 48 بالمئة من ناتج الدخل القومي، وقد استفادت من عدة ميزات أهمها وجود شريحة كبيرة فيها من الشباب المثقف، وفي عام 2006 بدأت الدول العربية بالتنبؤ بأهمية هذه الصناعة، إذ تم إحداث المدينة التكنولوجية في دبي والسعودية، لافتاً إلى أن سورية ليست بعيدة عن ذلك.

خيار إستراتيجي
إلّا أن لدى مدير عام هيئة الاستثمار السورية ندى لايقة، تفاصيل جداً جاذبة بخصوص تجربة المناطق الاقتصادية، ذات الدور الواعد لها في حال تم استثمارها والتعاطي معها بطريقة متأنية ومدروسة.
وتلفت لايقة، إلى أن تجربة المناطق الاقتصادية، هي مفهوم جديد على سورية سواء اقتصادياً أم قانونياً، مع الإشارة إلى أن العديد من رؤى إحداث مثل هذه المناطق كانت مطروحة سابقاً، ولكن تأخرت نتيجة عدم القدرة على التعاطي مع المفهوم بشكله الصحيح.

تم الاطلاع على تجارب بعض الدول في مجال المناطق الاقتصادية مثل الصين ويجري العمل على مقاربة التجربة

فقد تم الاطلاع – حسب مديرة الاستثمار – على تجارب بعض الدول في مجال المناطق الاقتصادية، مثل الصين ويجري العمل على مقاربة التجربة، على الرغم من أن الظروف مختلفة إلى حد ما، لن لابدّ من بلورة المزيد من الخبرة والقدرة لنواكب التعاطي مع هذه المرافق الاستثمارية الفاعلة، أي المنطقة التكنولوجية أو التخصصية أو التنموية، وكيفية استخدامها لجذب لاستثمار..
إذ يُعوّل على هذه المناطق في تحقيق نمو اقتصادي هام، من خلال مساهمتها في جذب الاستثمارات المتنوعة المحلية والأجنبية نحوها، لتساهم بشكل مباشر في زيادة الناتج المحلي الإجمالي ونقل التكنولوجيا وحركة التجارة وتوظيف رأس المال البشري، فمن خلال هذه المناطق يمكن تشجيع أنشطة أو قطاعات لكونها ذات أهمية خاصة، أو لكونها تشكّل حوامل للنمو، في المناطق الاقتصادية الخاصة تُحدث بالعرف الاقتصادي الحديث، من أجل تشجيع إقامة مجموعة مترابطة من الأنشطة الاقتصادية على شكل عناقيد إنتاجية أو خدمية، وتُطبق فيها حوافز وإجراءات تفصيلية خاصة.

نواة أفق جديد
بالعموم ثمة قناعات اليوم بأن تعزيز المناطق الاقتصادية، يلعب دوراً كبيراً في الانفتاح على الاستثمار الخارجي والمحلي، وتحقيق نهضة تنموية للمناطق السورية، وفق رؤية أكثر حداثة ومراعاة لحاجاتنا وإمكاناتنا في هذه المرحلة.

بدأت سورية بمنطقتين اقتصاديتين.. الأولى: تكنولوجية تخصصية في الديماس بريف دمشق.. والثانية: تنموية لإعادة إعمار منطقة متضررة من الحرب في الليرمون بحلب

وقد بدأت سورية بالتجربة بمنطقتين اقتصاديتين، الأولى: تكنولوجية تخصصية في الديماس بريف دمشق، والثانية: تنموية لإعادة إعمار منطقة متضررة من الحرب في الليرمون بحلب.
وبحسب لايقة- حصل بعض التأخير، بسبب أن هذه التجربة جديدة علينا في سورية وتطبيقها يجري ضمن مفرزات مرحلة سابقة وظروف معينة، لذلك استغرق الانسجام مع هذا المفهوم والبناء عليه للتأسيس لمرحلة جديدة من جذب الاستثمار وإعادة الإعمار، استغرق وقتاً إضافياً، وحتى وإن كنا سنشهد إحداث المنطقتين، مازال هناك المزيد مما يمكن أن نتعلّمه من هاتين التجربتين لنطور نظرتنا وقدرتنا على الاستفادة من هذه المناطق في تحقيق أهدافنا الاقتصادية.

ما بعد الإقرار

لا يمكن انفراد الحكومة بتنمية مثل هذه المناطق، بل للقطاع الخاص الدور الحساس إذ عليه أن يقبل على توطين استثماراته النوعية في هذه المناطق، مدفوعاً بجواذب وميزات عالية تمت إتاحتها رسمياً.
وتلفت مدير عام هيئة الاستثمار، إلى أن التوجه الحكومي نحو نشر هذه المناطق التنموية الجاذبة، كان واضحاً ومستمراً طوال السنوات الماضية لكنه أخذ شكلاً أكثر زخماً مع صدور القانون 18 لعام 2021، وكان هناك تفعيل أكبر للهياكل الإدارية المشرفة على تسييرالاستثمار واتخاذ القرارات بشأنه، مثل التشاركية مع القطاع الخاص في صنع القرار من خلال مجلس إدارة هيئة الاستثمار السورية، وضم تشكيلاً واسعاً ومتنوعاً من ممثلي الجهات العامة المعنية وذات الصلة بقطاع الاستثمار ومن ممثلي القطاع الخاص ضمن القطاعات الاقتصادية، ووضعت على طاولة النقاش والحوار العديد من المواضيع والقضايا والآليات والأدلة الإجرائية والمشكلات وغيرها التي صدرت خلال الفترة الماضية.
وتضيف: إنّ الدعم الحكومي جاء أيضاً من خلال المجلس الأعلى للاستثمار ومتابعته المباشرة والدورية لجميع المواضيع والقضايا المتعلقة بالاستثمار، والذي أسهم في تصدير العديد من الأطر والمحددات والآليات في قطاع جذب ودعم الاستثمار، إضافة إلى دوره الكبير في حل التشابكات وتقديم الحلول العصرية والمرنة لها.

مشروعات تبحث عن بيئة
ونبقى في مضمار المنطقة الاقتصادية الأولى ” المدينة التكنولوجية”، فهي ذات خصوصية وأهمية كبيرة لأنها ستكون موطن استثمارات نوعية حقيقية، ويمكن أن نستشف ذلك من مدير الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات منهل جنيدي، الذي أكد أن نسبة كبيرة من مشاريع ريادة الأعمال مختصة بتكنولوجيا منظومات الاتصالات والتطبيقات، وتعتمد على تكنولوجيا المعلومات لتنفيذ منتجاتها وخدماتها، لافتاً إلى أن الهيئة بدأت بتنظيم هذا القطاع منذ نحو العام تقريباً وكان يتم منح الموافقات الفنية فقط في المرحلة الأولى.
وكشف جنيدي عن وجود 6000 ترخيص لتطبيقات في سورية، وبإمكان صاحب أي تطبيق إما مراجعة مراكز الشركة السورية للاتصالات، أو من خلال المؤسسة السورية للبريد، لذا لا توجد أي صعوبة بتقديم الأوراق المطلوبة، كما تم إعداد منصة لتقديم الطلبات في حال تعذر الوصول إلى أي مركز معتمد بشكل شخصي، علماً أن هذه المنصة لا تزال في مرحلة التجريب، وبإمكان المستخدم معرفة المرحلة التي وصلت إليها أوراقه.

استثمار خارجي
ونعود إلى حديث مدير عام هيئة الاستثمار، التي تلفت إلى أن المنطقة الاقتصادية المتخصصة للتكنولوجيا وتقانة المعلومات كانت مطروحة، وكانت تمثّل رغبة عدد من المستثمرين العرب والأجانب منذ العام 2018، وهي مهمة لتوطين شركات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات والتصنيع التكنولوجي في منطقة واحدة، والجهة الفنية وزارة الاتصالات والتقانة وستقدم الأرض والبنى التحتية اللازمة، فيما ستقدم هيئة الاستثمار الموافقات والحوافز المنصوص بقانون الاستثمار من أجل تسهيل وتشجيع الاستثمار في هذه المنطقة، فهي كانت مطلباً ومقترحاً منذ فترة ليست بعيدة لإحداث المنطقة لكن المنطقة الاقتصادية يجب أن تستند إلى الجهة العامة لدراسة تفصيلية لواقع المنطقة قبل إحداثها.

وخلال الفترة السابقة وجدت مشروعات تكنولوجية ضمن المدن المناطق الصناعية وجزء منها حاصل على إجازة استثمار وجزء آخر بموجب قوانين سابقة مثل القانون 10 والمرسوم /8/ لعام 2007، وهي موجودة لكن ضمن بند متكامل بين الجهة الفنية والمنظمة والجهات المعنية لتنظيم انتشار المشروعات خارج المدن الصناعية بشكل عشوائي، لتكون في منطقة اقتصادية واحدة تتوفر فيها جميع الخدمات اللازمة لجذب الاستثمارات ضمن نظام استثماري مدروس للمنطقة.
تؤكد لايقة أن المنطقة الاقتصادية تستفيد من تخفيض ضريبي على الدخل لمدة عشر سنوات بالنسبة لكافة المشروعات المقامة فيها وسابقاً
في القانون /18/ التخفيض الضريبي كان لمشروعات التصنيع الزراعي وصناعة الأدوية والطاقات المتجددة فيما اليوم تمت مساواة المنطقة التخصصية بالأولويات الموجودة في القانون /18/.

أداة فاعلة للإعمار
بالنسبة لمنطقة الليرمون التنموية.. هي مقترح من غرفة الصناعة ووزارة الصناعة خلال الفترة السابقة باعتبارها منطقة تنموية لإعادة إعمارها وتنميتها من جديد بالاستناد إلى دراسة وضع راهن من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وكان المجلس الأعلى للاستثمار خلال الجلسة الماضية، قرر إحداثها بناء على دراسة قدمها مجلس مدينة حلب وغرفة الصناعة وعدة جهات أخرى مشاركة، فاستفادت جميع المشروعات التي ستقام فيها من التخفيضات الضريبية الواردة في قانون الاستثمار 75 بالمئة لمدة خمس سنوات وهناك 210 منشآت عادت للعمل بعد الموافقة الأولية التي منحها المجلس الأعلى للاستثمار، واستفادت من الحوافز والمزايا، وهي منطقة هامة باعتبارها موطناً لصناعات نسيجية متنوعة.
ووفقاً لمديرة ” الاستثمار”، تتطلع هيئة الاستثمار لانطلاق الإنتاج في هذه المنطقة باعتبارها تحتوي على العديد من المشروعات المكملة لبعضها سواء اقتصادياً أو جغرافياً.
وتلفت إلى أنه خلال الزيارة الأخيرة للمنطقة اتضح أن هناك مشروعات عادت للعمل بنسبة قليلة لا تتجاوز الـ 10 %، وتحتاج إلى تحفيز من خلال استيراد خطوط الإنتاج واستقطاب العمالة وإعادة البنى التحتية وتوفير بدائل الطاقة.

وقائع مشجعة
نعود هنا إلى ما ترصده المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف العالمية، التي بدأت بقراءة طالع قطاع الاستثمار السوري، وتتحدث – رغم تحفظها على كل شيء ناصع في سورية – عن معطيات لم تعد تملك التحفظ عليها.
ومن جهة أخرى يمكن أن نستشف أن الآخر في هذا العالم استشف أنّ في سورية بداية تعافٍ حقيقية، وبدأت زيارات الوفود إلى هيئة الاستثمار لاستطلاع الواقع وملامح البيئة الجديدة..وقد لا تكون زيارة القائم بالأعمال السعودي إلى الهيئة مؤخراً الوحيدة في هذا السياق، لكنها الأحدث ربما.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار