ألف مكتب سياحي رُخِص له خلال الأزمة لم يستطع تنظيم رحلة داخلية واحدة لدمشق

تشرين- حسام قره باش:
تقف السياحة في سورية على مفترق طرق بعد النكسة التي تعرضت لها من جراء الحرب والحصار اللذين أفقداها الكثير من العناصر الجاذبة التي كانت تميزها، واليوم نسأل: هل استطاع السوق السياحي أن يلبي متطلبات السياحة العالمية ويعيد سورية إلى مكانها الطبيعي على خريطة العمل السياحي.
وإذا كان أهل السياحة أدرى بشعابها فاستقراء وجهات نظرهم يقودنا لاستنتاج بأن سياحتنا بخير أو كما يراها البعض تعاني وتحتاج عناية فائقة كي تنتعش.

أسعار المنشآت الشعبية عبء على المواطن وأجرة الكرسي والطاولة 10 آلاف ليرة

السياحة الوافدة.. الأهم
رئيس مجلس إدارة جمعية مكاتب السياحة والسفر في سورية غسان شاهين في حديثه لـ”تشرين” يرى أن سورية رغم كل الظروف القاسية والعقوبات الجائرة استطاعت أن تقهر السوق السياحي العالمي، ولكن الأهم عملياً برأيه أن يكون لدينا سياحة مستدامة لا أن نكتفي ببضعة سياح كون السياحة المستدامة لا تكتمل إلا بتوفر عناصر أهمها وجود وكلاء لنا في دول العالم لتسويق البرامج السياحية عن سورية، مبيناً أن هؤلاء من بداية الحرب وحتى الآن فشلوا في استعادة الوضع السابق لتسويق البرامج السياحية التي نعمل عليها لجذب السياحة الوافدة إلينا، في حين أن السياحة الداخلية لا يمكنها تلبية متطلبات المواطن السوري في ظل أسعار لا تُحتمل ما جعلنا بعيدين عن واقع السياحة المطلوبة.
وأضاف شاهين: على الرغم من أن الشركة السورية للسياحة والنقل استطاعت إنجاز أشياء جيدة كالشاليهات الخشبية وتقديم بدائل، لكنها توفرت لعدد محدود يقدر بـ300 شخص وسطياً في اليوم، وليس لكل المواطنين وهذه إمكانياتها ولا يمكن مطالبتها بأكثر من ذلك، مؤكداً فشل إعادة سورية إلى سوق السياحة المستدامة لغاية اليوم.

الشركة السورية للسياحة والنقل أنجزت أشياء جيدة كالشاليهات الخشبية وتقديم بدائل، لكنها توفرت لعدد محدود يقدر بـ300 شخص وسطياً في اليوم

ورغم ذلك يشير إلى أن سورية ما زالت وجهة سياحية مفضلة للكثيرين، ووفد هذا العام الكثير من السياح لبلدنا التي لا تزال حتى الآن أبوابها مفتوحة لكل الزائرين، لافتاً إلى أن ما قُدِمَ للسياحة الوافدة من الدول الشقيقة والصديقة لا يوازي ما تقدمه تلك الدول للسياح السوريين في بلدانهم.

السياحة الداخلية التبادلية
واعتبر شاهين أن أهم متطلبات السياحة الداخلية بأن تكون تبادلية بالحد الأدنى، فلا نجد مثلاً مجموعات سياحية من حلب أو اللاذقية أو السويداء مثلاً تأتي لدمشق أو ريفها في حين أهل دمشق يقومون برحلات إلى اللاذقية وطرطوس وحلب على مدار العام، ومن حق كل محافظة فيها مطاعم وفنادق أن تعمل وتكسب وكذلك دمشق، وعليه لم نستطع حتى الآن داخلياً التوصل إلى سياحة متبادلة على مستوى بلدنا، متابعاً بأنه لا يوجد مكتب خارج دمشق استطاع أن ينظم رحلة سياحية إليها رغم إن مكاتب السياحة التي رُخصَت خلال 13 سنة حرب على مستوى القطر لا تقل عن 1000 مكتب سياحي، وبرأيه هذه مشكلة يجب مواجهتها بوضوح على كل المستويات حتى يتحقق الريع الاقتصادي للجميع من السياحة الداخلية التبادلية.

أهم متطلبات السياحة الداخلية بأن تكون تبادلية بالحد الأدنى

السياحة الشعبية غائبة عن الوعي
وبالرغم من ارتفاع رسوم الدخول وأسعار الخدمات للمتنزهات والمطاعم إلا أنه لا يزال لدينا أماكن مصنفة شعبياً، والحقيقة في جوهرها لا تمت للسياحة بصلة كما يقول رئيس مجلس إدارة جمعية مكاتب السياحة والسفر، فالمطاعم التي تستقبل المواطنين على مبدأ (أهلاً بكم وبطعامكم)، أو “هات أركيلتك وتعال دخِّن عندنا”، ويجلسون على مصاطب قرب النهر والبساتين، إضافة إلى متنزهات تتقاضى 10 آلاف ليرة أجرة الكرسي والطاولة كالموجودة على طريق المطار وجرمانا، فلا يمكننا أن نعد هذا سياحة بل فوضى، كون الأهم هو ما تقدمه المواقع السياحية للمواطن حتى نسميه سياحة، منتقداً أصحاب هذه الأماكن التي لا تلتزم بتسعيرة معينة وهم أصلاً غير مسجلين في وزارة أو غرفة السياحة.

المتنزهات الشعبية حول دمشق ليست سياحة شعبية وإنما فوضى

ويتابع رئيس مجلس إدارة جمعية مكاتب السياحة والسفر: هكذا أصبحت السياحة الشعبية اليوم عندنا ومن الصعب إعادتها لمسارها الصحيح لغياب القرار الحاسم بضبط الأمر، فأصبح المواطن مجبراً عليها لعدم وجود بدائل أفضل له، عدا عما نجده في وسائل التواصل من إعلانات لمزارع وفيلات فيها مسابح للإيجار باليوم أوالليلة أوالساعة بحيث تتراوح أجرة اليوم مليون ليرة وسطياً، فمن المستحيل وصف هذه بالسياحة، وأيضاً من غير المعقول أن تصل أجرة غرفة مزدوجة في (وادي قنديل أو بطرطوس مثلاً) ولو الفندق مصنف نجمتين حوالي 2.5 مليون ليرة في الليلة الواحدة، علماً أن أرقى المناطق السياحية في العالم لا يوجد فيها هذا السعر، وبالتالي لا يقدر عليه الموظفون وأصحاب الدخل المحدود، ما يدلل على أننا لم نحسن معالجة المسائل السياحية حسب قوله.
سياحة الإنترنت.. عقيمة
بهذا السياق يؤكد شاهين أن السياحة عبر الإنترنت من خلال نشر برامج سياحية يطلع عليها الناس في الخارج، لم تنجح في جذب السياح الأجانب لسورية إلا بقلة قليلة، ولم تستطع جلب مجموعات كبيرة منهم لأن الأكثر فاعلية هو استقدام (الكروبات) السياحية عن طريق الوكيل في الخارج الذي يروِّج ويسُّوق البرنامج ويقوم بالتنظيم الذي يؤمنه له المكتب في الداخل وهو ما نفتقده اليوم، محذراً من أن السياحة عبر الإنترنت لها مخاطر ومطبات يقع فيها البعض، ظاناً صاحب المكتب قد “جرَّ الذئب من ذيله” كما يقال باستقدام أعداد محدودة جداً بلا نفع يذكر والمالية بهذا الموضوع بالمرصاد، ولذلك يكون العمل على هذا الصعيد هرجاً بلا فائدة.

الأسعار نار والاستثمار واعد
بدوره اعتبر عضو غرفة سياحة دمشق وشعبة المهن التراثية ماهر الأزعط في تصريحه لـ”تشرين” أن الموسم السياحي الحالي تميز بإقبال لافت للسياح المغتربين والأجانب وبالتالي يختلف اختلافاً كلياً عن العام الفائت مع تصاعد الخط البياني لحركة الوافدين إلى بلدنا عبر البوابات والمعابر الحدودية والمطار، مشيداً بوضع وزارة السياحة للمنشآت السياحية الشعبية تحت الرقابة منعاً لأي تجاوز فيها، مشيراً بالوقت ذاته لوجود نشاط فاعل للسياحة الشعبية رغم قلة السيولة التي تتفاوت من وقت لآخر.

الموسم السياحي الحالي تميز بإقبال لافت للسياح المغتربين والأجانب

ويؤكد عضو غرفة سياحة دمشق أن الإقبال على المتنزهات المصنفة شعبياً بريف دمشق كان ممتازاً وكذلك في مصايف الزبداني وبلودان وأماكن الاصطياف الأخرى كالكفرون التي لا يوجد فيها حجز شعبي أو فندقة لأن نسبة الحجز 100٪ في حين شهدت المنشآت الشعبية بساحل طرطوس ازدحامات وكثافة كبيرة خاصة بعد انتهاء الامتحانات وكل الغرف بفنادقها مشغولة والشاليهات محجوزة.
وأوضح الأزعط أنه لا يوجد التزام من قبل القائمين على المنشآت السياحية بالأسعار التي تضعها الوحدات الإدارية والمكاتب التنفيذية بالمحافظات، واصفاً بأن المبالغة برسوم الدخول وأسعار الخدمات السياحية توجع القلب خاصة بعد الأسعار الأخيرة التي أصدرتها المحافظة لأسعار المشروبات والأراكيل في المقاهي والمتنزهات التي لم تكن مدروسة وكانت فردية من دون تشاركية حتى مع دائرة الأسعار في (حماية المستهلك)، مطالبا بتعزيز التشاركية مع المنظمات الأهلية للوصول لنتيجة مرضية لكل الأطراف.

((لا يوجد التزام من قبل القائمين على المنشآت السياحية بالأسعار التي تضعها الوحدات الإدارية والمكاتب التنفيذية بالمحافظات))
وفي هذا السياق يقدر عدد الأماكن السياحية المصنفة شعبياً في دمشق مثل الربوة بـ 90٪ وبريف دمشق أكثر من 85 ٪ كمتنزهات الغوطة أما في صيدنايا فأغلبها سياحي.
وأضاف: لا تزال السياحة تساهم في الناتج المحلي بنسبة 15٪ وتدعم الاقتصاد الوطني بالنسبة لبعض المنشآت والفندقة التي تتعامل مع السائحين الزائرين بالقطع الأجنبي.

لا تزال السياحة تساهم في الناتج المحلي بنسبة 15٪ وتدعم الاقتصاد الوطني

ولفت إلى أن الأسعار الحالية بالنسبة للسائح من الخارج والمغترب عادية وجيدة له في حين تشكل عبئاً كبيراً على شريحة كبيرة من المواطنين بسبب الدخل المحدود، منوهاً إلى عودة المستثمرين ووجود استثمار سياحي واعد وجيد خاصة في الفترة الأخيرة مع افتتاح عدة منشآت سياحية و تزايد التراخيص بكل المحافظات خاصة في مجال السياحة الدينية التي لم تنقطع أبداً، مطالباً بأن يكون لها برامج ترفيهية وتسويقية، خاتماً بضرورة الحفاظ على آثارنا السياحية لأنها عنوان حضارتنا وإبعادها عن كل ضجيج مزعج للمواطنين خاصة في دمشق القديمة، حيث أوعز وزير السياحة بإغلاق كل المنشآت غير المرخصة وفرض ضوابط معينة عليها، وإلى تعزيز ثقافة الشكوى للمواطن وعدم تردده في تقديم الشكوى عن أي تجاوز يلاحظه في الأسعار والخدمات واستعداد الوزارة أو غرفة السياحة لمعالجتها بالسرعة الممكنة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار