«ملف تشرين».. «ناتو+» من الشرق الأوسط إلى الشرق الآسيوي.. آخر معارك واشنطن تستدعي التضحية بالأوروبيين والإعداد لمراسم دفن لائقة لحلف شمال الأطلسي
تشرين – مها سلطان:
من ضمن ما قيل في خلفيات اشتعال جبهة غزة أنها كانت جبهة تم التمهيد لها إسرائيلياً «وأميركياً»، الأغلبية ما زالت تتذكر ذلك الاتجاه «وإن لم يتم التركيز عليه بصورة كبيرة حتى غاب عن التداول» والذي كان يفيد بأن الكيان الإسرائيلي «ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية» كان على علم بما سيجري في الـ7 من تشرين الأول الماضي، ولم يتحرك لمنعه. كانت أميركا «وكيانها» بحاجة إلى حدث مزلزل في المنطقة من أجل أن تفرض «قرنها» وهو مخطط فشلت في تحقيقه طوال سنوات ما يسمى «الربيع العربي» رغم أنه هذا الربيع المشؤوم ما زال مستمراً بسيناريوهات أشد وأخطر في عموم الساحة العربية.
وللتوضيح منذ البداية.. فإن استحضار هذا «الاتجاه» لا يفترض صحته، ولا يقلل من أهمية ومفصلية ما جرى في ذلك اليوم «والذي اتخذ اسم طوفان الأقصى» ولا يُنقص بالمطلق من شأن ما صنعته أيدي المقاومة الفلسطينية بالنسبة لحدث سيخلده التاريخ ضمن سياق الأحداث التي غيرت خرائط العالم الجيو- سياسية لمصلحة صعود قوى وأفول أخرى.
ورغم استحضار ذلك الاتجاه فإن الهدف لا ينصبُّ بصورة أساسية على جبهة غزة وأحداثها ومآلاتها، بقدر ما ينصب على ما ستقود إليه عربياً «وإقليمياً» لناحية ما تريده الولايات المتحدة في سياق النتائج النهائية لهذه الجبهة. ورغم أن الإرهاب الذي يمارسه الكيان الإسرائيلي ضد أهل غزة يفوق كل تصور إنساني، ويتخطى كل مستويات الإجرام المعروفة تاريخياً، ويحشد العالم ضد أميركا وكيانها، إلى أن أميركا لم تطلق صافرة النهاية بعد، ولن تطلقها إلى وفق نهايات تخدمها، وليفنى كل أهل غزة، ما دامت أميركا فوق كل مسائلة ومحاسبة، وبما ينسحب على كيانها أيضاً.
اقتحام روسي – صيني
لا نأتي بجديد ونحن نتحدث عن الاقتحام الصيني/الروسي لأهم المناطق الاستراتيجية بالنسبة لأميركا، منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً منها الدول العربية، وقد وصل الاقتحام مبلغاً بات تهديداً وجودياً للنفوذ الأميركي، صحيح أن المواجهة بدأت منذ عقدين تقريباً تدرجاً باتجاه ما هي عليه اليوم من توسع يكاد يشمل كل العالم، إلا أن أميركا لا يمكن أن تُخلي المنطقة لمصلحة محور موسكو – الصين «ومعهما طهران» ولأن المنطقة العربية تتناهبها افتراقات التاريخ والمصالح والتطلعات، وبصورة مزمنة لا فكاك منها، فإن أميركا قادرة دائماً على تمكين نفسها والاستفراد بنصف المنطقة على الأقل في مواجهة النصف الآخر. الفارق اليوم هو أن هذا التمكين تخلخلت أركانه بقوة مع ما بدا بخصوص أن المنطقة « فيها النصف الذي تتمكن منه واشنطن» تتجه نحو تغيير كامل الاستراتيجيات والتحالفات باتجاه خصوم أميركا، حيث المكاسب أكبر وأوسع وعلى قاعدة اكتساب النفوذ ليكون للمنطقة «لدول فيها» دور قيادي في عالم جديد يتشكل.
أميركا لا يمكن أن تُخلي الساحة لروسيا والصين.. ولأن المنطقة تتناهبها افتراقات التاريخ والمصالح والتطلعات فإن أميركا قادرة دائماً على تمكين نفسها والاستفراد بنصفها على الأقل في مواجهة النصف الآخر
تخلخل الأركان فرض على أميركا أن تقدم لحلفائها في المنطقة مكاسب أكبر أو لنقل موازية لما يقدمه الخصوم وعلى القاعدة نفسها، خصوصاً في المجال الدفاعي/الأمني، ولأن أميركا باتت مجبرة على هذا الخيار «أي تقوية الحلفاء دفاعياً وأمنياً حتى لو لم يكن في مصلحتها» فإنها تبحث في الوقت ذاته في أن يصب هذا الخيار في مصلحتها كلياً، أي أن يبقى الحلفاء تحت سقفها، لتضرب عصفورين بحجر واحد، الأول هو هذه النقطة الأخيرة، والثاني هو الكيان الإسرائيلي، من خلال ربطهم به أمنياً ودفاعياً، ودائماً ما استطاعت أميركا اللعب على خط المخاوف الأمنية لعدد من دول المنطقة ذات الجذور الدينية بصورة خاصة.
لكن الدول المعنية أميركياً، وطلباً لتثقيل المكاسب، عرفت كيف ترد هذه المخاوف على واشنطن نفسها إذا ما أخذنا بالاعتبار حجم الخطورة التي انطوى عليها اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران، برعاية الصين في آذار 2023، «والهدف كان إجبار أميركا على المزيد من الخطوات الاستراتيجية باتجاه الحلفاء وتسريعها، كتوقيع معاهدات الأمن والدفاع المشترك، كما هو الحال بالنسبة للسعودية».
وعليه كان لا بد من تحرك أميركي مختلف، ويبدو أن الاتجاه عاد إلى ما طرح سابقاً تحت مسمى «ناتو عربي» ولكن بصيغة أوسع جغرافياً لتشمل الكيان الإسرائيلي تحت مسمى «ناتو شرق أوسطي».. والفكرة سبق وبرزت بصورة أساسية منذ عهد إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما «2008- 2016» تحت مسمى تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي «MESA».
علماً أن الهدف الأميركي من وراء هذا الطرح، شهد توسعاً لناحية الهدف منه، فهو لا يقتصر فقط على تأمين الحماية والتسيد للكيان الإسرائيلي، بل يتعداه إلى ساحة المواجهة مع الخصوم الرئيسيين، الصين وروسيا عالمياً، والمحتملين كالهند مثلاً.. والخصوم الإقليميين وعلى رأسهم إيران.
وعملياً تستغل أميركا تطورات جبهة غزة والمخاوف الهائلة من تداعياتها باتجاه حرب إقليمية.. تستغلها أميركا على أكمل وجه في خدمة مشروع ناتو شرق أوسطي، وليس خفياً أنه يحظى بقبول وتأييد أطراف عدة في المنطقة العربية، تعتبر نفسها مهددة إقليمياً.
– قمة «ناتو» الأخيرة
هذا الطرح اتخذ شكلاً رسمياً في قمة حلف شمال الأطلسي «ناتو» الـ75 التي انعقدت في واشنطن في تموز الماضي، وكان في نتائجها الختامية تأسيس مكتب اتصال للحلف في العاصمة الأردنية عمان، صحيح أن التصريحات الرسمية ركزت على مسألة التعاون الثنائي إلا أن الجميع يدرك أن المسألة أبعد من ذلك إذا ما أخذنا موقع الأردن -على الأقل- في قلب المنطقة التي ترفع راية الدفاع والمقاومة بمواجهة الكيان الإسرائيلي، وموقعه فيما يخص ناتو شرق أوسطي، وسبق للنظام الأردني أن أعلن في عام 2018 «عندما تم طرح فكرة ناتو عربي رسمياً في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب» تأييده لها، لكن الطرح غاب بعدها لأربع سنوات قبل أن تجدد إدارة بايدن طرحه العام الماضي 2022 تحت مسمى ناتو شرق أوسطي، على اعتبار أن الـ«ناتو» العربي فكرة لا تبدو جيدة وهي غير قابلة للتنفيذ بفعل أن الدول العربية بينها ما صنع الحداد، إذا جاز لنا التعبير، وبالتالي لا بد من توسيع الدائرة باتجاه أطراف إقليميين غير عرب، وليس فقط باتجاه الكيان الإسرائيلي، وهو ليس طرحاً جديداً «سبق أن كان هناك محاولات أميركية بهذا الخصوص على رأسها حلف بغداد المشؤوم في عام 1955 والذي ضم بريطانيا والعراق وباكستان وإيران «أيام الشاه» وتركيا وباكستان والذي انهار في عام 1979 – انسحب منه العراق بعد عامين فقط بانقلاب نفذه الجنرال عبد الكريم قاسم.
عندما يتم الحديث عن ناتو عربي أو شرق أوسطي، أو حتى التحالفات الدفاعية مع أميركا التي تسعى إليها دول عربية.. يتم استحضار تجربة حلف بغداد وأحلاف أخرى كانت أقل شأناً، ولكن في الوقت ذاته يتم استحضار مسألة أخرى في غاية الأهمية، وكانت دائماً كذلك ولا تزال، ولكن من دون أن تكون هذه الأهمية محل اهتمام كبير ومؤثر من جانب الدول العربية.
تخلخل أركان القوة الأميركية في المنطقة سيدفع واشنطن باتجاه التركيز على تأسيس ناتو شرق أوسطي بموازاة ناتو آسيوي على أنقاض ناتو أطلسي لم يعد مفيداً لها
– معاهدة الدفاع العربي المشترك
المسألة مفادها في سؤال: ما حاجتنا لناتو عربي/ شرق أوسطي في ظل وجود معاهدة الدفاع العربي المشترك التي أقرتها جامعة الدول العربية منذ عام 1950 أي بفارق عام واحد فقط عن تأسيس حلف الـ«ناتو» كمنظمة دفاعية/ أمنية/ عسكرية في عام 1949؟.. أليس الناتو معاهدة محض أطلسية من دون وجود غرباء، فلماذا لم يتمثل العرب ذلك؟.. وإذا كانت الحجة بأن الإمكانيات الدفاعية والعسكرية في دول حديثة الاستقلال كانت ضعيفة بل معدومة بالنسبة لعدد منها، فلماذا لم يتم التوجه إلى معاهدات تعزز الإمكانيات الدفاعية والعسكرية، دون الانخراط في أحلاف أهدافها المعادية واضحة جداً؟.. ثم ماذا عن الدول العربية الغنية التي بات لديها من الإمكانيات «ومن الخيارات الدولية» ما يتيح لها أن تكون الأقوى عربياً وإقليمياً في مسائل الدفاع والأمن دون حاجة لأحلاف دولية أو أقليمية؟
لماذا تستمر معاهدة الدفاع العربي المشترك مجمدة رغم كل المخاطر التي طالما هددت وتهدد الدول العربية؟.. لماذا الاعتماد على أميركا في الحماية والأمن, ولماذا القبول أساساً بأن تكون دول عربية جزءاً من حلف معادٍ «كان له دور تدميري في سنوات الربيع العربي» والذي هو فيما تشهده المنطقة من إرهاب وحشي ضد أهل غزة تعلن دوله وعلى رأسها أميركا أنها تدعم بلا حدود الكيان الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يشنها ضد أهل غزة؟
أميركا نفسها وطوال العقود الماضية عملت على إبقاء الدول العربية الحليفة لها ضعيفة أمنياً ودفاعياً في سبيل إبقائها رهينة الحاجة إليها، تماماً كما فعلت مع الأوروبيين أنفسهم، حيث إن الأمن والدفاع هما أكبر مخاوفهم في ظل كل التوقعات التي تقول بأن أميركا في طريقها للانسحاب من الناتو.
كل الأجوبة مردها ما ذكرناه آنفاً عن الافتراقات التاريخية والجغرافية والأمنية «والدينية» المزمنة والتي لا فكاك منها، والتي تُفشل أي تحالف أو عمل عربي مشترك، لذلك هناك من يقول إن أي حلف إقليمي أو دولي، بما فيه حلف الناتو الشرق أوسطي الذي يتم التحضير له، سيكون مصيره الفشل كغيره من الأحلاف السابقة.. ولكن؟
ولكن الاعتقاد السائد أن المنطقة العربية اليوم مختلفة كلياً، خصوصاً في ظل جبهة غزة المشتعلة، وأن الأبواب باتجاه ناتو شرق أوسطي باتت نوعاً ما، نصف مفتوحة.
وفي رأي فريق واسع من المحللين فإن أميركا ستبقى الشريك العسكري والأمني والتكنولوجي الأهم بالنسبة للدول العربية المعنية، رغم دخول الصين وروسيا على الخط، لأسباب عديدة منها حجم الشراكات بينها والغرب، فالاعتماد على «الأصدقاء» لا يعوض الاعتماد على«الحلفاء» حسب تعبيرهم.
– «ناتو» شرق أوسطي
كل ما سبق يقودنا إلى المسألة الأوسع وهي: لماذا تريد الولايات المتحدة إنشاء ناتو شرق أوسطي؟ «وبالتوازي تجهز لناتو آسيوي سبق ومهدت له باتفاق أوكوس 2021 مع كل من أستراليا وبريطانيا».
ما حاجتنا لناتو عربي/شرق أوسطي في ظل وجود معاهدة الدفاع العربي المشترك.. لماذا لم يجرِ تفعيلها منذ إقرارها عام 1950 رغم كل ما واجهته المنطقة العربية من أزمات وحروب؟
بعيداً عن الأهداف السابقة آنفة الذكر المتعلقة بالمنطقة والخصوم، وعالم جديد يتشكل ويتسرب من بين أيديها، فإن الولايات المتحدة تستشعر خطراً وجودياً حقيقياً يهدد زعامتها العالمية، ولأنها تقبع على رأس أكبر تحالف عسكري دفاعي في العالم، فهي تستطيع من خلاله التدخل في جميع أنحاء العالم، وهو ما ستركز عليه في المرحلة المقبلة.
ولكن هل ينسجم ذلك مع كل التنبؤات التي تؤكد أن حلف الناتو في طريقه للانهيار؟
إذا ما أخذنا مخاوف الأوروبيين بالاعتبار فإن عاماً واحداً فقط يفصلنا عن هذا المصير إذا عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وحتى في حال فازت منافسته كامالا هاريس فإن الناتو سينهار أيضاً ولكن بوتيرة أبطأ، وربما لا يتجاوز عام 2030، رغم أننا إذا ما عدنا إلى قمة الناتو الأخيرة في واشنطن فإنه لا شيء يوحي بهكذا مصير.
بالمقابل وحسب الوقائع الأميركية فإنه كل ما تفعله واشنطن هو «فك ارتباط تدريجي» مع أوروبا، بما في ذلك «حرب أوكرانيا» فالأوروبيون متيقنون من أن لحظة تخلي واشنطن عنهم وعن أوكرانيا قادمة لا محالة، أوروبا ببساطة لم تعد في قلب المخاوف الجغرافية الأميركية كما كان الحال خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، رغم أن وريثته روسيا- في الاستراتيجية الأميركية المعلنة – هي تهديد عاجل للولايات المتحدة «والصين تهديد آجل» لكن طبيعة وجغرافية التهديد اختلفت، ومسارات التهديد العالمي كذلك.
لماذا كل التحالفات العسكرية باتت بلا جدوى؟
إبان الحرب الباردة لم يكن هناك من منازع إلا الاتحاد السوفييتي، اليوم هناك التحالفات والتكتلات الاقتصادية الكبرى، التطور التكنولوجي الهائل، مصادر المواد الأولية اللازمة والملحة لديمومة التقدم والنفوذ الغربي والمتركزة في أفقر الدول التي بدأت تنهض وتواجه، حتى أصغر دولة، أو بقعة جغرافية، أو تنظيم، أو حزب، يمكن أن تشكل تهديداً غير قابل للرد.. وهناك التطور الهائل في الأسلحة والتسليح، لنأخذ المسيرات مثلاً القادرة على شل الأساطيل والبوارج الحربية بتكاليف زهيدة جداً مقارنة ما تكلفه هذا الأساطيل حتى على مستوى تسييرها في عرض البحار والتنقل بين المناطق، عدا عن صيانتها وعمليات التطوير التي تجري عليها. هذه المسيرات قادرة أيضاً على شل أقوى التحالفات العسكرية وعلى رأسها الناتو «ولنا في جبهة اليمن/البحر الأحمر خير مثال». وهذا رأي محل إجماع حتى داخل أميركا.
– إذاً ما العمل؟
ما العمل.. إذا كان الناتو بصيغته الحالية سيكون بلا جدوى على المدى الطويل، سواء بشقه الأوروبي، أو على مستوى القوى الضاربة التي تمثلها أساطيله المنتشرة في أهم المناطق الاستراتيجية العالمية ومنها منطقتنا.. ما العمل وكيف ستحل الولايات المتحدة هذه المعضلة، خصوصاً مع اتساع التهديد كمّاً ونوعاً؟
في أحد جوانب الإجابة نأخذ المسيرات كأبسط سلاح تصنيعاً وتكلفة والقادر على شل أقوى التحالفات بما فيها الناتو
ما العمل.. وهل توسيع الناتو شرقاً باتجاه محاصرة الصين، أو تعزيز جبهته الأوروبية لمواجهة روسيا، أو تأسيس ناتو شرق أوسطي لاحتواء إيران، هو الحل؟
على الأقل، وعلى المدى المنظور، ترى أميركاً في هذا حلاً أو لنقل منفذاً، أو استباقاً لتطورات غير محمودة العواقب بالنسبة لها.
في الإعلام الأميركي، يرى أبرز المحللين أن الناتو بات بحاجة إلى قيادة أميركية استباقية وتطلعية أكثر من أي وقت مضى لإنقاذه من أزمته المتعلقة بالهوية والهدف، خصوصاً مع جبهة أوكرانيا المشتعلة.
الساسة الأميركيون يرون أن الناتو بصيغته الحالية لم يعد مجدياً، لا بد من إعادة تثقيل أو إحياء الحلف وفقاً لسياق التطورات العالمية ومخاطرها على الزعامة الأميركية.
ماذا عن «ناتو+» على غرار «بريكس+» و«أوبك+» ؟
إذا ما افترضنا أن أميركا تريد توسعة الناتو آسيوياً وأوسطياً فإن تسميته حلف شمال الأطلسي لم تعد مناسبة، فهو لم يعد أطلسياً محضاً.
ولكن هل ما تخطط له أميركا ممكن؟
غير خافٍ أن أميركا تغرق بمخاطر وتحديات عالمية غير مسبوقة، هناك من يقول إنها قادرة على النهوض في كل مرة، وليست هي المرة الأولى التي تواجه فيها منعطفاً تاريخياً مصيرياً، ويذكّرون بحقبة «الدولار الذهبي» ثم «البترو دولار».
وهناك من يقول إن أميركا نفسها تغيرت، ولم تعد أميركا التي نعرفها، انظروا فقط لحالة اللايقين التي تعيشها إزاء مستقبلها السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين، بمرشحين، ترامب وهاريس، هما بالمطلق ليسا بمستوى التحديات، هذا ونحن لم نتحدث عن الداخل الأميركي وأزماته الاجتماعية والاقتصادية.
وهناك طرف ثالث يتحدث عن أن الناتو سينتهي تلقائياً حيث سيصل طرفا الأطلسي إلى نقطة مشتركة مفادها أن الحلف بات بلا أهمية لكليهما.
– الفشل المحتوم
في هذه الأثناء يُفترض أن تكون أميركا انطلقت بـ«ناتو» خاص بها في أسيا وفي الشرق الأوسط، مع ضرورة تغيير التسمية طبعاً، ولكن بقدر ما قد تسير أمور الناتو الأسيوي بشكل جيد وكما ترغب أميركا، بقدر ما ستسير أمور الناتو الشرق أوسطي بتعقيد شديد جداً وقد لا يتحقق أبداً لأسباب يمكن إجمالها كالتالي:
– أي «ناتو» أو تحالف «عسكري/اقتصادي/ سياسي» يتجاهل تسوية القضية الفلسطينية، لن يكتب له النجاح.
– أي ناتو يتجاهل الافتراقات التاريخية والجيو سياسية والأزمات الداخلية والبينية في الدول المستهدفة، لن يكتب له النجاح.
– أي ناتو يتجاهل مصالح الدول المستهدفة لحساب المصالح الأميركية ولحساب تطويق روسيا والصين، لن يكتب له النجاح.
– أي ناتو يتجاهل روسيا والصين ومكانتهما في المنطقة وحجم المصالح التي تربطهما بدول كثيرة بما فيها المحسوبة على أميركا، لن يكتب له النجاح.
– أي ناتو يتجاهل محور المقاومة وما بات عليه من قوة ضاربة موازية، وما فرضه من معادلات ردع، وما أحدثه من انقلاب في كامل المشهد الإقليمي، لن يكتب له النجاح. «ولا قيمة لذلك الرأي الذي يقول إن الحاجة باتت ملحة لتأسيس ناتو شرق أوسطي خصوصاً ما بعد الرد الإيراني في نيسان الماضي بعد استهداف الكيان الإسرائيلي لقنصلية إيران بدمشق، والحال نفسها اليوم مع انتظار الرد الإيراني بعد قيام الاحتلال الاسرائيلي باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية»..«أو لذلك الرأي الذي يقول إن الدول العربية المستهدفة بهذا الناتو باتت أكثر استعداداً لتحالف علني مع الكيان الإسرائيلي بفعل تطورات جبهة غزة».
– عندما تكون الدول المستهدفة لديها تصورات مختلفة للأمن والمصالح والسياسات، بل متعادية متناحرة، فإن أي تحالف بينها لن يكتب له النجاح.
– أي ناتو يتجاهل ما بات يسمى «الدول الرائدة» في المنطقة، ومنها دول عربية مركزية باتت تؤكد على استقلاليتها في القرار السياسي والاقتصادي «وحتى العسكري في محطات كثيرة» وبأنها تعيش مساراتها الخاصة المستقلة بعيداً عن أن تكون حامية لمصالح أميركا أو منفذاً لمخططاتها. لن يكتب له النجاح.
هذا وغيره كثير، وفي حال تمكنت أميركا من تأسيس «ناتو» شرق أوسطي فهو لن يكون أفضل حالاً من التحالفات السابقة، مثل «مبادرة اسطنبول للتعاون» 2004، و«الحوار المتوسطي» 1994 على سبيل المثال لا الحصر، وهي تحالفات لا تزال قائمة ولكنها بلا معنى.
أقرأ أيضاً: