واشنطن والغرف التي ستبقى مغلقة.. الكيان الإسرائيلي أقرب إلى «العصر الحجري» في أي مواجهة مع المقاومة اللبنانية وخطط «توريط الجميع» لن تنقذه من الهزيمة الحتمية
تشرين- مها سلطان:
أي أحد لم يكن بحاجة ليخرج وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت ويكشف عن النيات المًبيتة للبنان من الكيان الإسرائيلي في حال اندلعت حرب شاملة على جبهة الشمال/جنوب لبنان.. إذ إن الكيان سيتجاوز الشمال ليشن عدواناً كبيراً على لبنان يعيده إلى «العصر الحجري»، كما تبجح غالانت في ختام زيارته إلى واشنطن أمس الأربعاء، والتي استمرت عدة أيام.
وبذلك يعترف غالانت علناً بأن الكيان لا قِبِل له بمواجهة المقاومة اللبنانية/ حزب الله، وأنه مهزوم حتماً أمامها، وبالتالي فإن المخرج هو مهاجمة لبنان، العاصمة والمدن والقرى، ويعتقد أن ذلك كافياً لـ«ردع» المقاومة اللبنانية، مع أنه يدرك يقيناً أن هدف الإعادة «العصر الحجري» لم يعد متاحاً، وأنه قبل أن يبدأ الكيان بتنفيذ هذه النية المبيتة ستكون المقاومة اللبنانية وفي اللحظة ذاتها هي من «يعيد الكيان إلى العصر الحجري»، ولنا في تصريحات متزعمي الكيان حول «الشبكة الكهربائية الإسرائيلية» دليل واضح على ذلك، خصوصاً تلك التصريحات ما بعد مرحلة «هدهد المقاومة» الذي عاد ببنك أهداف تم الإعلان عنها بالصوت والصورة، ستكون في مرمى المقاومة وبسهولة شديدة، وعندما يبدأ تنفيذ بنك الأهداف فإن الكيان بمجمله سيقف مشلولاً وعاجزاً.. كما أنه عندما يبدأ التنفيذ فإن جبهة المقاومة اللبنانية لن تكون وحدها.
غالانت اعترف بأن الكيان لا قِبِل له بمواجهة المقاومة اللبنانية وأنه مهزوم حتماً أمامها وبالتالي فإن المخرج هو الهروب من جبهة الشمال باتجاه مهاجمة «كل لبنان»
كل ذلك يعرفه متزعمو الكيان جيداً، ولكن لا خيار أمامهم سوى إطلاق التهديدات من جهة، وتوسيع حملة التخويف من جهة ثانية، وفق قاعدة الوصول بالتصعيد إلى حافة الهاوية، وبالتالي فإن الجميع سيكون مجبراً على التقدم لمنع السقوط باتجاه الحرب الموسعة.
بماذا عاد غالانت؟
هناك من يعتقد أن غالانت لا بد أنه عاد من واشنطن بالكثير من الوعود والتعهدات، وربما بخطة شاملة للمرحلة المقبلة.. على الأقل هذا ما يمكن فهمه من خلال تصريحاته أمس، خصوصاً على مستوى التسليح وصفقات الأسلحة التي ستتدفق إلى الكيان لإكمال مهمة تدمير قطاع غزة (وفي إطار الاستعداد العملياتي لأي تطور على جبهة الشمال).
غالانت زعم أن الكيان لا يريد الدخول في حرب لأنها ليست في مصلحته، لكنه بالمقابل مستعد لكل السيناريوهات إذا لم تنجح الجهود الدبلوماسية، وجدد غالانت تهديداته بالقول: حزب الله يدرك جيداً أننا قادرون على إلحاق أضرار جسيمة بلبنان إذا اندلعت حرب «لدينا الإمكانية لإعادة لبنان إلى العصر الحجري».
إعادة لبنان إلى العصر الحجري باتت هدفاً مستحيلاً على الكيان وإذا ما فكر بتحقيق هذا الهدف فإنه سيكون السابق إلى هذا العصر على يد المقاومة اللبنانية
الرد على غالانت جاء من صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية التي كشفت بالتزامن مع تصريحاته، أن مسؤولين أميركيين حذروا الكيان من «محدودية قدرته على الدفاع عن نفسه» إذا دخل حرباً مفتوحة مع حزب الله.
وكانت وكالة «بلومبرغ» الأميركية قد حذرت الثلاثاء الماضي من أنّ «عمليةً إسرائيلية في جبهة لبنان قد تؤدي إلى كارثة بالنسبة إلى إسرائيل».
وبالتزامن مع التحذيرات الخارجية تتوالى التحذيرات من داخل الكيان، وآخرها ما قاله المفوّض السابق لشكاوى الجنود، إسحاق بريك، الذي التقى متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو 6 مرات خلال الحرب، محذراً من أنّ الحرب في الشمال «ستؤدي إلى دمار إسرائيل».
وقبله كان بيني غانتس زعيم ما يسمى المعارضة في الكيان أكد من أن «إسرائيل تتوقع دفع ثمن باهظ» في حال نشوب حرب مع حزب الله، مشيراً إلى الاستعداد لسيناريو الإضرار بالبنية التحتية، مشدداً على أنّ «هذا هو ثمن الحرب الذي يجب منعه».. وهذه النقطة الأخيرة بالذات هي رد على مزاعم إعادة لبنان إلى العصر الحجري التي تبجح بها غالانت.
وكان غالانت قد أكد للمسؤولين الأميركيين التزام الكيان بمقترح بايدن لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وقال في تصريحات نقلتها صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية: نحن نعمل على مقترح لما بعد الحرب يشمل الفلسطينيين والشركاء الإقليميين والولايات المتحدة الأميركية.
الغرف المغلقة
وبخصوص الأزمة المستمرة منذ أسابيع بين نتنياهو وإدارة بايدن حول التسليح، انتقد غالانت نتنياهو بشدة، معتبراً أن حل المشكلات مع الأميركيين يجب أن يتم داخل الغرف المغلقة «وهذا أمر جيد».
ونقلت القناة الـ14 الإسرائيلية عن غالانت قوله: «إن إسرائيل تقدر الدعم الأميركي العلني والسري»، موضحة أن تصريحات غالانت جاءت خلال لقائه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في البيت الأبيض.
وقد رد نتنياهو على غالانت قائلاً: «عندما لا يتم حل الخلافات لأسابيع في الغرف المغلقة يحتاج رئيس وزراء إسرائيل إلى التحدث بصراحة لجلب ما يحتاجه مقاتلونا.. وهذا ما حدث هذه المرة أيضاً».
في حين قال البيت الأبيض: «لن نرد على كل تصريحات نتنياهو، سنركز على ما تحتاجه إسرائيل». وتابع: سوليفان وغالانت يدرسان كيفية منع جبهة حرب أخرى.. إننا نعمل جاهدين على تهدئة الوضع في الشمال من خلال الوسائل الدبلوماسية.. وما زلنا نعمل مع نتنياهو وفريقه للتوصل إلى وقف لإطلاق النار حتى نتمكن من إنهاء القتال.
بحر أسلحة للكيان
وكان تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية قد كشف أمس أن أميركا سلمت الكيان الإسرائيلي أسلحة في شهرين تعادل ما كان يجب تسليمه له في عامين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم: إن شحنات الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل تباطأت مؤخراً عن الأشهر الأولى من الحرب في غزة، لأن العديد من تلك الأسلحة تم شحنها أو تسليمها بالفعل.
وأضاف المسؤولون: إن وتيرة التسليم الحالية مجرد «تباطؤ» إذا ما تمت مقارنتها مع عمليات النقل الجوي الضخمة لعشرات الآلاف من الأسلحة في الأشهر الأولى من اندلاع الحرب في غزة.
وكان نتنياهو قد اتهم إدارة بايدن بمنع الأسلحة عن الكيان، قائلاً: منذ نحو 4 أشهر حدث انخفاض كبير بإمدادات الأسلحة القادمة من الولايات المتحدة الأميركية، وتابع: لأسابيع عدة ناشدنا أصدقاءنا الأميركيين بتسريع عملية شحن الأسلحة.. من دون جدوى.
ميدان الشمال
ميدانياً وفي إطار البروباغندا التي يعتمدها الكيان في إطار ممارسة الضغط والتهديد والتهويل، جاء في الإعلام الإسرائيلي بأن جبهة الشمال هي الجبهة الأساسية للجيش الإسرائيلي بعد انتهاء العملية في رفح، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن قائد عسكري أن العملية العسكرية في مدينة رفح ستنتهي في الأسابيع القريبة وسينتقل الجيش الإسرائيلي إلى المرحلة الثالثة.
بدورها قالت القناة 12 الإسرائيلية: إن الجيش الإسرائيلي قرر نقل قوات إضافية إلى الشمال «كجزء من التحضير للحرب مع حزب الله في حال فشل المستوى السياسي والوسطاء الدوليين في التوصل إلى اتفاق».
لا خيار أمام الكيان سوى إطلاق التهديدات وتوسيع حملة التخويف وفق قاعدة الوصول بالتصعيد إلى حافة الهاوية ليكون الجميع مجبراً على التدخل
وأشارت إلى أن القرار «يأتي على خلفية الانتقال إلى المرحلة الثالثة من القتال في قطاع غزة، وبعد أن شارفت المهمة في رفح على الانتهاء»، لكن القناة أكدت أنه على الرغم من الاستعدادات المحمومة المكثفة إلا أن توقيت التحرك لم يتحدد بعد، وأن ميدان الشمال يتوقف على تطورات القتال في غزة من جهة، ومستوى التصعيد في الشمال من جهة ثانية.
وكان حزب الله أعلن اليوم الخميس استهداف 6 مواقع للجيش الإسرائيلي في القطاعين الشرقي والغربي من جنوب لبنان، وقال في بيان: إن الاستهداف تركز على التجهيزات التجسسية في محيط موقع بركة ريشا بالأسلحة المناسبة وإصابتها إصابة مباشرة، ما أدى إلى تدميرها، وتم قصف مبنيين يستخدمهما جنود الجيش الإسرائيلي في مستوطنة إيفن مناحم وفي مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة وإصابتهما إصابة مباشرة.
يأتي ذلك رداً على قصف إسرائيلي استهدف 25 بلدة في جنوب لبنان، حيث استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي بلدات كفركلا والخيام وكفرشوبا، وقصف بالمدفعية الثقيلة بلدات العديسة، الطيبة، راشيا الفخار، كفرحمام، شبعا، ميس الجبل، حلتا، برج الملوك، الوزاني، وفي قضاء النبطية قصف حي المشاع، وفي قضاء بنت جبيل قصف بنت جبيل، كونين، الطيري، رامية، القوزح، ياطر، عيتا الشعب، عيترون، وفي قضاء صور استهدف بلدات الضهيرة، زبقين، اللبونة، أطراف الناقورة، وقامت طائرات الجيش الإسرائيلي بخرق جدار الصوت فوق العديد من المناطق الجنوبية.
ميدان غزة
في الأثناء يستمر العدوان الإسرائيلي على مختلف مناطق غزة، حيث استشهد ثلاثة فلسطينيين على الأقل وجرح آخرون في قصف إسرائيلي استهدف 5 منازل سكنية في حيي الصبرة والشجاعية شمال غزة.
وأفاد الدفاع المدني في غزة بأن طائرات الاحتلال الإسرائيلي قصفت صباح اليوم الخميس 5 منازل في حيي الصبرة والشجاعية بمدينة غزة، ودمرت منازل عائلات: الدهشان ونصار والوحيدي وأبو دلال وحسنين بالكامل على رؤوس ساكنيها.
وفي الضفة الغربية اقتحمت قوات الجيش الإسرائيلي فجر اليوم مدينة جنين ونشرت تعزيزات عسكرية فيها وعلى أطراف مخيم، واعتقلت 8 فلسطينيين من بينهم النائب في المجلس التشريعي جمال حويل إضافة إلى آخرين كانوا داخل إحدى الصيدليات التي داهمتها القوات الخاصة الإسرائيلية.
وذكر نادي الأسير الفلسطيني أمس الأربعاء أن الجيش الإسرائيلي شن حملة اعتقالات في الضفة الغربية طالت 20 فلسطينياً على الأقل بينهم معتقلون سابقون، أعاد اعتقالهم بعد فترة وجيزة من الإفراج عنهم.
يأتي ذلك فيما دخلت الحرب على قطاع غزة يومها الـ265 بحصيلة مفتوحة من الشهداء تقترب من 38 ألف شهيد، إضافة إلى عشرات آلاف الجرحى ومئات آلاف المهجرين والمفقودين.