«الوقت ينفد» أمام الكيان وواشنطن ترى أن الأولوية لترتيب الداخل الإسرائيلي وتسوية في غزة تنسحب على الشمال.. المقاومة اللبنانية تضبط الميدان باتجاه «ردع مستدام»
تشرين – مها سلطان:
رغم الأجواء الملبدة بغيوم «الحرب الموسعة» إلا أن أحداً لا يستطيع تحديد جدول زمني للوقت الذي يفصلنا عنها، أو القول بأن العد العكسي لها بدأ، أو قد يبدأ قريباً، فلا تزال مسألة الحرب الموسعة خاضعة لما يمكن تسميته «شروطاً قاهرة» تحكم الكيان الإسرائيلي، في ظل أنه لا يستطيع الإقدام عليها من دون موقف أميركي واضح بدعم كامل، وعجزه كذلك عن دفع الجبهة المقابلة باتجاه حرب موسعة ضمن سياقات تخدم الكيان.. حيث ما زالت الجبهة المقابلة (المقاومة اللبنانية/حزب الله) تضبط إيقاعات تحركها الميداني وفق استراتيجية عملياتية ناجحة بكل المقاييس، وباعتراف العدو الإسرائيلي نفسه، والأهم هنا أنها استراتيجية ناجحة على المدى الطويل، بمعنى أنها تؤسس لمرحلة التحرك المقبلة سواء اتجهت التطورات نحو الحرب الموسعة أو نحو التسوية.
المقاومة اللبنانية تضبط الميدان وفق استراتيجية عملياتية ناجحة بكل المقاييس وعلى المدى الطويل وبما يؤسس لمرحلة التحرك المقبلة نحو الحرب الموسعة أو نحو التسوية
أيضاً.. الأهم في هذه الاستراتيجية أنها تحاصر الكيان الإسرائيلي بالوقت، وتحرمه من فرص التحرك، وتنتزع منه كل احتمال للفوز في حال تجرأ، أو بعبارة أدق غامر بتحرك ميداني على جبهة الشمال (جنوب لبنان).. فالوقت يستنزف الكيان، ومتزعموه بدؤوا يستشعرون ثقله.. لقد بات الوقت خطراً داهماً، فكلما طال ضاق الخناق على الكيان، وصولاً إلى النقطة التي سيكون مجبراً فيها على إعلان العجز/ الهزيمة، وهذا ما يركز عليه حالياً متزعمو الكيان ويعملون جاهدين على تجاوزه، أي إسقاطه، ولكن كيف؟
فعلياً، لا يبدو أمام الكيان سوى خيار الحرب الموسعة، إلا أن داعمه الأميركي لديه رأي آخر.. فواشنطن ترى أن منع الحرب الموسعة يبدأ من قطاع غزة، فإذا ما تم التوصل إلى تسوية في غزة فإن هذا سينسحب حكماً على جبهة الشمال، ولكن كيف يمكن تحقيق التسوية والكيان لم يحقق «كامل الأهداف»، التسوية تعني إعلان الهزيمة، كما تعني أن الكيان الإسرائيلي بات مردوعاً بالكامل عن أي تحرك ميداني ضد القطاع مستقبلاً «أو باتجاه الشمال»، وتعني كذلك أن جبهة الفلسطينيين باتت أقوى باتجاه تحقيق هدف الدولة.. هذا ونحن لم نتحدث بعد عن النتائج الإقليمية بالنسبة للكيان والولايات المتحدة الأميركية.
الوقت يستنزف الكيان ولا يرى أمامه سوى خيار الحرب الموسعة تجنباً للهزيمة الكاملة لكن أميركا تخالفه وترى أن مصلحة الكيان تقتضي البدء من تسوية في غزة
ويبدو أن الإدارة الأميركية – في محاولاتها لمنع الحرب الموسعة عبر البدء من قطاع غزة – تحتاج إلى البدء من الداخل الإسرائيلي، وهي تستطيع في سبيل ذلك استغلال حال الانقسام العميق الذي يحاصر حكومة بنيامين نتنياهو بأزمات متتالية، وبما يدفعه إلى المزيد من «التشدد» وتصعيد العدوان الوحشي على قطاع غزة، مضافاً إلى ذلك علاقته المتأزمة مع إدارة الرئيس جو بايدن.. ولأن واشنطن ترى في نتنياهو عقبة رئيسية (وعلى فرض أن نتنياهو هو من يعرقل كل جهود واشنطن) فإنها تعمل على إزالتها عبر تقوية آخرين في حكومته، ومنها وزير حربه يوآف غالانت الذي خصته بزيارة استثنائية بدا فيها كأنه هو من يقود الكيان وليس نتنياهو.
واشنطن اختارت غالانت
وفيما يواصل غالانت زيارته إلى واشنطن – من غير تحديد جدول زمني لها – فإن مسألة الوقت كانت حاضرة في لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين (إلى جانب إيران كما هو متوقع).
غالانت شدد على أن الوقت ينفد من الكيان الإسرائيلي، وأن على إدارة بايدن أن «تفي بالتزاماتها المتعلقة بتزويد بلاده بالأسلحة المطلوبة للتعامل مع التهديدات»، مشيراً إلى أن التأخير لا يخدم الكيان، وقال في لقاء له مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن: نحن مصممون على تغيير الواقع على الأرض والوقت ينفد منا (في إشارة إلى الشمال).
وحرص غالانت على تظهير الامتنان الإسرائيلي للدعم الأميركي قائلاً: لن ننسى دعم الولايات المتحدة لنا منذ بداية الحرب.
ومازالت مسألة الأسلحة تثير أزمة متصاعدة بين واشنطن ومتزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو الذي يتهم واشنطن بحجب الأسلحة عن الكيان، علماً أن هذا الحجب كان ظاهرياً فقط ومن باب التهديد والضغوط، أما واقعياً فإن واشنطن تقدم دعماً غير محدود للكيان وعلى كل المستويات، العسكرية والمخابراتية والدبلوماسية، وهناك صفقات أسلحة بمليارات الدولارات خلال الأشهر المقبلة.
تحذير أوستن
وكان أوستن قد حذر، بصورة لافتة، من أن أي حرب مع حزب الله ستتحول بسهولة إلى حرب إقليمية، متحدثاً عما سماه جهوداً تبذلها بلاده لمنع نشوب حرب شاملة بين الكيان وحزب الله. وقال: نعلق أهمية على الحل الدبلوماسي لوقف التصعيد، زاعماً أن «استفزازات حزب الله» هي التي تهدد باندلاع حرب موسعة في المنطقة.
وكانت وسائل إعلام غربية، قد أشارت مؤخراً إلى أن واشنطن لديها «شكوك معينة» بشأن إمكانية تقديم المساعدة للكيان الإسرائيلي في حال اندلعت مواجهة شاملة مع حزب الله.
أي تسوية في غزة دون أن يحقق الكيان أهدافه تعني اعترافاً بالهزيمة كما تعني أنه بات مردوعاً عن أي تحرك ميداني مستقبلاً في القطاع أو الشمال
ونقلت وكالة «أسوشيتد برس» تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، تشارلز براون، الذي اعتبر أن بلاده لن تكون قادرة على مساعدة الكيان في حال اندلعت حرب واسعة النطاق مع حزب الله، وأضاف: في هذه الحالة فإن «إيران ستقدم دعماً واسع النطاق لحزب الله، الأمر الذي من شأنه إثارة صراع أكبر يمكن أن يهدد القوات الأميركية في المنطقة».
عاصفة هنغبي
وفي سياق يخدم المحاولات الأميركية الآنفة الذكر، كان تساحي هنغبي، رئيس ما يسمى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، قال في تصريحات أمس الأول: إن «القضاء على حركة حماس سيستغرق وقتاً طويلاً»، وأنه من الأفضل التخلي عن هذا الهدف لأنه لا يمكن القضاء على حماس كفكرة، ولكن يمكن القضاء على قدراتها، حسب هنغبي.
وأثارت هذه التصريحات عاصفة من النقاش والجدل داخل حكومة نتنياهو، حيث طالب وزراء فيها هنغبي بتوضيحات أو إعادة تصحيح لأقواله أو إجراء تعديلات عليها، مطالبين بعدم التخلي عن هدف القضاء على حماس.
بالتزامن كان نتنياهو يستعرض أوهامه مجدداً في لقاء له مع جنود احتياط في الشمال، قائلاً: كل الأهداف ستتحقق حتى النصر.
مذكرات الاعتقال.. قريبة
يأتي ذلك فيما نتنياهو وغالانت ينتظران – في أي لحظة – صدور مذكرات توقيف دولية بحقهما استجابة لطلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، الذي قدمة في 20 أيار الماضي.
وكان نتنياهو قد عقد مساء أمس الثلاثاء اجتماعاً طارئاً مع «وزير العدل» الإسرائيلي ياريف ليفين، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، والنائب العام غالي باهاراف ميارا، حول هذه المسألة.
وأكد نتنياهو أن المحكمة ستوافق على طلب المدعي العام وتصدر أوامر ضده قريباً وربما قبل سفره إلى الولايات المتحدة لإلقاء كلمة في الكونغرس مقررة في 24 تموز المقبل.
وتقول صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إنه ليس من المستبعد أن تصدر مذكرات الاعتقال سراً لمنع أطراف من تعطيل الإجراءات.
هذه الأزمة تضاف إلى سلسلة أزمات أخرى تحاصر نتنياهو، آخرها قرار المحكمة الإسرائيلية بالموافقة على «قانون تجنيد الحريديم» وتجميد ميزانية المدارس الدينية، حيث هدد كل من حزب شاس وحزب يهودوت هتوراه بالانسحاب من الحكومة على خلفية هذه الموافقة، وفق صحيفة «معاريۛف» الإسرائيلية.
تحذير أممي جديد
في الأثناء، حذرت الأمم المتحدة من أنها ستعلق المساعدات لغزة في حال استمر الاستهداف الإسرائيلي لعمال الإغاثة، مطالبة بخطوات عاجلة لتوفير حماية أفضل لهم.
وقال مسؤولان بارزان في الأمم المتحدة: إن المنظمة الدولية أرسلت رسالة إلى مسؤولين إسرائيليين كبار هذا الشهر، وطالبتهم بتوفير الحماية لموظفي الأمم المتحدة (العاملين في المجال الإنساني في غزة) عبر اتصالات مباشرة مع القوات الإسرائيلية على الأرض في غزة.
وكان برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة قد علّق تسليم المساعدات من الرصيف الأميركي العائم قبالة غزة بسبب «مخاوف أمنية».. وفي 10 حزيران الجاري قالت مديرة برنامج الغذاء العالمي: إن البرنامج «أوقف مؤقتاً» توزيع المساعدات الإنسانية من الرصيف الأميركي بسبب مخاوف تتعلق «بسلامة موظفينا»، كاشفة أن اثنين من مستودعات مؤسستها في غزة تعرضا للقصف وأصيب أحد الموظفين.