«مقدمات» حرب أوسع

إلى أي حد يمكن الركون لمعادلة أن أحداً لا يريد حرباً موسعة في المنطقة للقول بثقة إن هذه الحرب لن تقع؟.. وإلى أي حد يمكن الأخذ بجميع التصريحات التي تصدر من قبل كل الأطراف تقريباً وتحذر من حرب موسعة وشيكة، باتت قاب قوسين، للقول إن هذه الحرب ستقع حتمياً، وفي أي لحظة؟
لا جواب، رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على اشتعال جبهة غزة، ورغم أن خيارات التصعيد/الحرب، تتقدم بصورة غير مسبوقة في هذه المرحلة.
وعندما نتحدث عن حرب موسعة فهذا يعني بالضرورة أننا نتحدث عن لبنان كبداية لتدحرج الحرب إلى جغرافيا إقليمية أوسع.
البعض مطمئن إلى معادلة أن الأسباب التي تدفع باتجاه الحرب هي نفسها الأسباب التي تدفع باتجاه تجنبها، وإلى أن تكاليفها ستكون باهظة على الجميع.
أيضاً هذا البعض مطمئن إلى مسألة أن الكيان الإسرائيلي لن يُقدم على شن هجوم موسع على لبنان كما يهدد، وذلك لاعتبارين: الأول هو جبهة غزة التي تستهلكه وتستنزفه بالكامل. والاعتبار الثاني هو الولايات المتحدة نفسها التي لن تسمح للكيان بتوسيع جبهة غزة باتجاه لبنان لتيقنها بأن العواقب ستكون كارثية عليها وعلى كيانها، وهذا التيقن لا يأتي من فراغ، فواشنطن مستمرة منذ أشهر بإيفاد كبار مسؤوليها إلى لبنان لبحث التصعيد بين الكيان الإسرائيلي وجبهة لبنان (المقاومة اللبنانية/ حزب الله) ويبدو أنهم في كل مرة يعودون بالنتيجة نفسها وهي أنه لا قِبل للكيان بجبهة لبنان وأن المساعدة الأميركية التي يأمل الكيان بالحصول عليها في حال قرر هجوماً موسعاً على لبنان… هذه المساعدة لن تكون ذات جدوى. قوة المقاومة اللبنانية/ حزب الله، تجاوزت بكثير جداً حدود أن يتم تهديدها أو هزيمتها.
وعليه فإن الكيان لن يجرؤ على توسيع الجبهة باتجاه لبنان، وهو إذا لم يفعل، فإن الحرب الموسعة لن تقع، وفق قاعدة أن جبهات الإسناد، خصوصاً جبهة المقاومة اللبنانية تربط ضرباتها وهجماتها (إسناداً لغزة) باستمرار الحرب الإسرائيلية، فإذا توقفت الحرب، توقفت الضربات، وإلا فإنها ستستمر وستتخذ في المرحلة المقبلة منحاً أشد كارثية بالنسبة للكيان، وصولاً إلى إعلان هزيمته الكاملة في غزة.
بالمقابل فإن المعادلة نفسها تتضمن احتمالات الحرب الموسعة، فلماذا علينا الركون إلى مسألة أن الأسباب التي تدفع باتجاه اللا حرب هي التي ستتقدم؟
لنلاحظ أن متزعمي الكيان باتوا أكثر علانية في الحديث عن الهزيمة في غزة، وأن الكيان ليس أمامه حالياً سوى التحايل على الهزيمة وفتح منافذ للهروب من غزة تحت ستار الاكتفاء بما تحقق. الأميركيون أنفسهم يساعدون الكيان في هذا التحايل عبر تصريحاتهم المستمرة عن الضغوط التي تمارسها إدارة بايدن في سبيل إنهاء الحرب، وهي ضغوط قائمة فعلاً ولكن بخلفيات مختلفة عن المُعلن.
ولكن ماذا لو لم ينجح التحايل، ووجد الكيان نفسه أمام حتمية تجرع مرارة إعلان الهزيمة؟… حتى واشنطن تجد صعوبة فائقة في تقبل ذلك، وهي عملياً لا تدفع بهذا الاتجاه، ولكنها تعمل ضمن ذلك التحايل، لذلك تصعد في تصريحاتها التحذيرية من أن الكيان سيشن هجوماً على لبنان، بل هو أبلغها بموعده، وقد اتخذت هذه التصريحات في الأيام القليلة الماضية مساراً أقصى تجعلنا نشعر وكأن الهجوم سيقع غداً، وأن على الجميع في المنطقة التحرك عاجلاً جداً لمنعه عبر الضغط على لبنان/المقاومة والرسمي/ وعلى الداعمين الإقليميين، للوصول إلى تسوية شاملة تحفظ ماء وجه الكيان، وتخرجه من ورطة غزة، دون الاضطرار إلى إعلان الهزيمة.
مرة أخرى.. ماذا إن لم ينجح هذا المسار، وماذا لو أن الكيان وجد نفسه أمام إجبارية توسيع الجبهة هرباً من هزيمته في غزة؟
لا جواب.
إذاً، ما زالت المنطقة على وضعية اللا يقين ذاتها، مع فارق أن سياق التصعيد الخطير المستمر على جبهة جنوب لبنان، قد ينهي هذه الوضعية قريباً.. ولأن التشاؤم هو الغالب، فإن احتمالات الحرب الموسعة هي من تتقدم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار