«إسرائيل» على قائمة «العار وقتلة الأطفال» أسوأ تصنيف ضمن التقارير التي تصدرها الأمم المتحدة
تشرين- يسرى المصري:
كانت شيماء الغول حاملاً في الشهر التاسع حينما تعرض منزلها في مدينة رفح جنوب غزة للقصف، ما أسفر عن استشهاد زوجها وابنيها محمد وجنان، وأصيبت هي بشظية في بطنها وصلت إلى الجنين.
وتقول الغول: إن زوجها الشهيد عبد الله أبو جزر كان قد أعد لها التمر والحلوى وشنطة الميلاد فرحاً بمولوده المُنتظر قبل أن يُقتل مع طفليه.
ووضعت شيماء طفلاً سمته عبد الله، تيمنا باسم والده الشهيد، لكنه عاش يوماً واحداً، إذ توفي متأثراً بإصابته بالشظية، فتفقد الأم أطفالها الثلاثة مع زوجها.
وطلبت السيدة الثكلى فتح قبر زوجها ودفن الطفل الشهيد مع والده في القبر نفسه.
وإذا كان قاتل الأطفال الثلاثة من عائلة الغول في القصة السابقة، هو قنبلة إسرائيلية، فقد لقي الطفل الرضيع محمود فتّوح، مصرعه بسلاح مختلف، ألا وهو “التجويع”.
فطام مبكر
وتروي نداء فتّوح والدة الطفل الرضيع “محمود” لقنوات إعلامية، تفاصيل الحكاية التي بدأت بعد ولادته في مدينة غزة، إذ لم تستطع إرضاعه بسبب سوء التغذية التي عانت منها من جراء قلة الطعام، والأوضاع النفسية الصعبة التي عانت منها من جراء الحرب الإسرائيلية، ما اضطرها لفطامه مبكراً.
وحاولت الأم اللجوء إلى الحليب المجفف، لكن انقطاعه من الصيدليات والأسواق بشكل كامل بسبب الحصار الإسرائيلي، وغياب البدائل الأخرى، تسببا بإصابة الطفل بسوء التغذية والجفاف، وبعد عدة أسابيع لاحظت فتوح تغيراً ملحوظاً طرأ على وجه وصحة ابنها، إذ عانى من برد وجفاف شديدين.
وسارع والدا الطفل إلى نقله لمستشفى الشفاء، حيث أجرى الممرض فحصاً عاجلاً له، وتبين أنه يعاني من “جفاف وبرد شديدين، فجلب له مدفئة وعلبة حليب، لكنه لم يستجب للعلاج وتوفي بعد ساعتين”.
وفي سياق مشابه، تقول الفلسطينية ياسمين عوض، الأم لـ3 توائم، إنهم يعانون من سوء التغذية بسبب سياسة التجويع الإسرائيلية، وإنها تخشى على حياتهم.
وكانت عوض تقيم في مدينة غزة، قبل أن يضطرها جيش الاحتلال للنزوح مع أطفالها (ملك وخضر ومصطفى) إلى وسط القطاع، وخلال وجودها في مدينة غزة عانت عوض وأطفالها كثيراً من سياسة التجويع الإسرائيلية.
وتقول: «عمر أطفالي التوائم 8 أشهر، لكن شكلهم لا يوحي بذلك، الناس يعتقدون أن عمرهم 4 أشهر فقط، والمفروض الآن أن يبدؤوا بالكلام، وأن يستطيعوا الجلوس وتعلم المشي، لكنهم غير قادرين على ذلك بسبب سوء التغذية”.
ولم تستطع عوض إرضاع أطفالها بسبب قلة الطعام الذي تتناوله، وتضيف “هم فطموا أنفسهم، وتوقفوا عن الرضاعة بسبب قلة الحليب، ولم نجد لهم حليباً مجففاً”.
وحسب المكتب الإعلامي في قطاع غزة، فقد قتل جيش الاحتلال منذ بداية هجومه الوحشي على القطاع أكثر من 14 ألف طفل، من أصل أكثر من 32 ألف فلسطيني هم مجموع ضحايا العدوان المستمر.
أما بخصوص سياسة التجويع الإسرائيلية، فقد أفاد المكتب في آخر تحديث أصدره بأن 28 طفلاً استشهدوا بسبب المجاعة وسوء التغذية.
وتمارس “إسرائيل” سياسة تجويع متعمدة بحق سكان قطاع غزة، وخاصة في المناطق الشمالية منه، ما دفع محكمة العدل الدولية إلى إصدار أمر لـ” تل أبيب” باتخاذ كل الإجراءات الضرورية لضمان تدفق المساعدات الإنسانية من دون عوائق إلى غزة لتجنب المجاعة.
وتروي الطبيبة فادية ملحيس، استشارية النساء والولادة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، قصصاً مروعة لعمليات ولادة اضطرت لإجرائها لسيدات قتلهن جيش الاحتلال في محاولة لإنقاذ أجنتهن.
ومن هذه الروايات، قصة حدثت قبل الاقتحام الأخير لجيش الاحتلال مستشفى الشفاء، لسيدة من عائلة الجماصي، جاءها المخاض الساعة الواحدة ليلاً، فحملها زوجها وشقيقه في سيارة إلى المستشفى، لكن طائرات الاحتلال قصفتهم، ما أدى إلى استشهاد الثلاثة.
وفور وصول السيدة الحامل إلى المستشفى، سارعت الطبيبة ملحيس إلى فتح بطنها وإخراج الطفل وإجراء عملية إنعاش لقلبه تكللت بالنجاح، لكنّ بعض الشظايا التي اخترقت صدره وكليته وخرجت من ظهره تسببت بنزيف داخلي أدى إلى وفاته.
وتروي ملحيس قصة مشابهة، حيث وصلت إلى المستشفى سيدة حامل في الشهر التاسع استشهدت في غارة إسرائيلية، وتم فتح البطن وإخراج الطفل، لكنه كان متوفياً، نظراً لمرور أكثر من 8 دقائق على وفاة الأم.
وفي حالتين مختلفتين، تعاملت ملحيس مع سيدتين الأولى كانت حاملاً في الشهر السادس، والثانية في السابع، وتعرضتا للقصف الإسرائيلي، ما تسبب بوفاة جنينيهما في بطنيهما، ما اضطرها لإجهاض المرأتين بهدف إنقاذ حياتيهما.
قتلة الأطفال
وتشرح ملحيس جانباً من معاناة النساء الحوامل، إذ تقول “يوجد 60 ألف سيدة حامل، كلهن لا يحصلن على رعاية طبية سليمة، كما لا يحصلن على الأدوية والفيتامينات، وخلال عمليات الولادة يتعرضن لأخطار كبيرة كالنزيف ومضاعفات الولادة وخطر الموت، وخصوصاً في شمال غزة”.
حرب القنابل والتجويع لا تستثني الرضع والأجنة.. وانتشال الجثث في غزة قد يستغرق ما يزيد على 3 سنوات
كما تعاني الأم المرضعة من “تفشي المجاعة وشح الغذاء وهو ما ينعكس على صحتها، إذ إنها كانت تعاني وهي حامل من عدم الرعاية الطبية الجيدة، وأجرت عملية ولادة من دون عناية صحية وستكمل فترة رضاعة من دون غذاء سليم ومتنوع، وكل هذا ينعكس سلباً على الطفل”.
كما تشير إلى أن الحالة النفسية السيئة للأم الفلسطينية المرضعة في غزة، من جراء الحرب حيث تتسبب بتوقف إدرار الحليب، ما قد يتسبب بوفاة الأطفال بسبب غياب البديل الصناعي “الحليب المجفف” المفقود في الصيدليات والأسواق.
وتختم ملحيس حديثها بالقول: “نساء غزة الآن مثل السجينات المحكوم عليهن بالأشغال الشاقة المؤبدة، من إشعال النار للطبخ والتعرض لأضرار الدخان وحمل أشياء ثقيلة ونقل الماء والاعتناء بالأسرة، وسط القصف والخوف والجزع، وهذا ينعكس سلباً على صحتهن وصحة أطفالهن”.
قائمة العار
وكان تقرير للأمم المتحدة مطلع الشهر الحالي قدّر عدد المفقودين في بالقطاع بأكثر من 10 آلاف، وتشير التقديرات إلى أن انتشال الجثث في غزة قد يستغرق ما يزيد على 3 سنوات.
ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في الرابع عشر من الشهر الحالي عرض أمام مجلس الأمن تقرير الأمين العام السنوي بشأن الأطفال والصراعات المسلحة وملحقه الخاصّ المعروف باسم “قائمة العار”، وقد تمّ الكشف عن أنّ قائمة هذا العام تشمل جيش إسرائيل بصفته ينتهك حقوق الأطفال الفلسطينيين.
وسيكون القرار الأممي بضمّ إسرائيل إلى “قائمة العار” ساري المفعول لمدة أربع سنوات، ويفترض أن يعتمده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وكانت الأمم المتحدة قد تعرّضت لانتقادات حادّة خلال السنوات الماضية لعدم إدراج إسرائيل على “قائمة العار” المرتبطة بعدم احترام حقوق الأطفال.
وحسب خبراء ثمة أفعال اعتبرت الأمم المتحدة أن القيام بها بحقّ الأطفال يضيف دولها إلى القائمة السوداء “قائمة العار” لاحتوائها على جهات متّهمة بارتكاب انتهاكات بحقّ أطفال في النزاعات، بما في ذلك قتلهم أو تشويههم أو تجنيدهم أو اختطافهم أو ارتكاب أعمال عنف جنسي بحقّهم.
ومعظم هذه الأفعال تنطبق على سلوك جيش الاحتلال ضد الأطفال، حيث أدت العمليات العسكرية إلى استشهاد أكثر من 15500 طفل حسب تقرير المكتب الإعلامي في غزة، وحسب تقرير لمنظمة اليونيسيف فإن 9 من كل 10 أطفال في غزة يعانون من نقص خطر في الغذاء، وأن سوء التغذية يزيد من الخطر على الحياة في القطاع.
ردود فعل إسرائيلية هستيرية
وصدرت ردود فعل إسرائيلية هستيرية على هذا القرار، لما يمثله التقرير من صفعة قوية لصورة إسرائيل على المستوى الخارجي.
ووصف مبعوث “إسرائيل” لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان القرار بأنه مخزٍ، بينما قال بنيامين نتنياهو: إن “الأمم المتحدة أدرجت اليوم نفسها على قائمة التاريخ السوداء”، وأضاف: إن الجيش الإسرائيلي “هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، وما من قرار أممي وهمي بوسعه أن يغير هذا الأمر”.
أما وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، فقد قال: إن القرار “ستكون له عواقب على علاقات إسرائيل مع الأمم المتحدة”.
أهمية القرار حقوقياً وقانونياً
ويرى محللون أن القرار يضع ” إسرائيل ” للمرّة الثالثة خلال أشهر قليلة تحت مجهر كبرى الهيئات الدولية ويعرضها لهزة من عيار ثقيل، فهي متهمة أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة بعد الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا، وانضمت إليها دول أخرى تباعاً كان آخرها إسبانيا. كما أن مذكرات توقيف قد تصدر بأي لحظة من مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو ووزير دفاعه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وها هي اليوم أمام أسوأ تصنيف ضمن التقارير التي تصدرها الأمم المتحدة.
كما يمثل هذا التصنيف كابوساً حقيقياً للاحتلال لأنه يستند إلى أفعال مشينة قام بها جيشه بحق الأطفال، وقد لا تكون للقرار تبعات قانونية مباشرة على إسرائيل الآن (جزائية أو مدنية)، لكنه سيشكل وثيقة مهمة ضمن الوثائق التي تستفيد منها الدول المشاركة في الدعوى أمام محكمة العدل الدولية، وعلى رأسها جنوب إفريقيا وإسبانيا، وكذلك القضية المنظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وقد يسرع هذا التقرير من إصدار مذكرات الاعتقال بحقّ “قادة إسرائيليين”.
وعلى المستوى الحقوقي، وعلى مستوى العلاقات الدبلوماسية فإن دولاً قد تتخذ إجراءات عقابية: تجارية، سياسية، دبلوماسية في تعاملها مع إسرائيل، كما سيؤجّج الغضب الشعبي والإعلامي تجاه إسرائيل، وسيزيد حجم التظاهرات والاحتجاجات المنددة بجرائم الإبادة.
ولن يكون القرار محرجاً فقط لإسرائيل بل للدول التي ترسل شحنات الأسلحة القاتلة والفتّاكة التي تقتل الأطفال، وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا، وقد نرى دولاً تتخذ قراراً بإيقاف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
ومن الممكن أن يشكّل وضع إسرائيل على “قائمة العار” فرصةً لتصحيح الخطأ التاريخي بإلغاء مساواة الصهيونية بالعنصرية عام 1991، ويمكن أن تشكّل الدول الصديقة حراكاً دبلوماسياً في الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الخصوص، كما أنه من الممكن تماماً طرح مشروع في الأمم المتحدة لإسقاط عضوية إسرائيل في الجمعية العامة بعدما خالفت الشروط الموضوعية: (محبة للسلام، التعاون، احترام ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك أجسامها خصوصاً محكمة العدل الدوليّة)، والشروط الخاصة: (تطبيق القرار 181 والقرار 194) لقبول الدول ضمن الأسرة الدوليّة.
قد لا يستطيع هذا القرار وقف الحرب أو إنصاف المظلومين في غزة الآن، لكنه يشكل، من دون شك، إنجازاً مهماً في رحلة التحرّر الطويلة والشاقة، وهو مِسمار في نعش الاحتلال.