جبهة الشمال تعيد الحسابات الأميركية- الإسرائيلية.. المنطقة تسير بين الحرب واللاحرب وكيان الاحتلال يسير إلى الانهيار
تشرين- هبا علي أحمد:
في سياق العدوان الإسرائيلي على غزة تتداخل التصريحات الأميركية- الإسرائيلية، وتتجاذب حول مقترحات ومفاوضات تؤدي إلى وقف إطلاق النار بشكل نهائي، وتتفق في تحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية كلما أثيرت إشكالية، فعندما تُعلن واشنطن الموافقة الإسرائيلية على مقترح ما، يختلط الأمر في معرفة هل الكيان وافق أم واشنطن تضغط عليه؟ ثم ماذا بعد الموافقة، هل تنتهي الحرب، أم تعود بصيغٍ جديدة تريدها واشنطن تحديداً؟
لا يختلف عاقلان على أنّ الطرفين يستثمران في الوقت وهما مستعدان لمواصلة هذا الاستثمار بحثاً عن أي مكسب إلّا أنّ جبهة الشمال بتصعيدها وتطوراتها اللحظية شكلت ردعاً للكيان وواشنطن وأعادت حساباتهما لمحاولة الخروج من هذا المأزق، الذي يستدعي الخروج منه إيقاف العدوان على غزة بلا أي مماطلات أو مناورات.
خطر اندلاع حرب شاملة يتزايد بسبب الحسابات الإسرائيلية الخاطئة في ساحة المعركة وفاعلية الأسلحة التي يستخدمها حزب الله
ابحث عن السبب
وعليه نجد أن إعلان مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان أنّ «إسرائيل» تدعم اقتراح وقف إطلاق النار، وأن الهدف هو جسر الفجوة مع «حماس» والتوصل إلى اتفاق قريباً، كما أنّ تزامن الإعلان مع ما أكدته نائبة المتحدث باسم «البنتاغون» سابرينا سينغ أنّ وقف إطلاق النار في غزة سيؤدي بالتأكيد إلى تهدئة التوترات مع جبهة لبنان.. كل ذلك نجد أنّ المقصود به هو جبهة الشمال أكثر من جبهة غزة، فحتى الأمس كان الاحتلال متعنتاً في عدوانه ويضع العراقيل أمام أي مقترحات واتفاقات، على أنّ الإعلان لا يعني أننا ننتظر إنهاء العدوان وخضوع الاحتلال للأمر الواقع، كما أنه لا يزال في طور دعم الاقتراح وليس الموافقة عليه بشكل نهائي، والأكيد أنّ الكثير من العراقيل لا تزال في جُعبة الاحتلال، لكن الإعلان على هذا النحو يستوجب التوقف عنده وعند التحولات التي صنعتها المقاومة اللبنانية /حزب الله/ والتي أجبرت واشنطن وكيان الاحتلال على إعادة الحسابات، وريثما تتضح الصورة فإن التصعيد والإيلام هما ما تبْرَع به المقاومة التي تصدرت عناوين وسائل إعلام العدو حتى باتت جبهة غزة على أهميتها تأتي بالدرجة الثانية بعدها.
.. ورغم ما سبق يرى محللون أنّ خطر اندلاع حرب شاملة، حتى لو لم يرغب أحد فيها، يتزايد باستمرار كل يوم، بسبب الحسابات الإسرائيلية الخاطئة في ساحة المعركة وفاعلية الأسلحة التي يستخدمها حزب الله.
حزب الله نجح بإدخال «إسرائيل» في حرب استنزاف لا نهاية لها وجيشها غير قادر على القيام بعملية تردعه
إعلام العدو يرفع الصوت
وفي سياق جبهة الشمال، أكّد قائد المنطقة الوسطى وفرقة غزة سابقاً، اللواء احتياط في جيش الاحتلال، غادي شمني، أنّ حزب الله نجح في إدخال «إسرائيل» منذ المرحلة الأولى في حرب استنزاف لا نهاية لها، وأنّ اغتيال قادته لا يشلّ الحزب، ولا يغيّر قدرات عمله، مردفاً بأنّ الهجمات وإطلاق النار الذي يحدث بعد أي عملية اغتيال دليل على أنّ الجيش غير قادر على القيام بعملية تردع الحزب، ولم ينجح في إيجاد تهديد مهم لحزب الله، أو حتى تخفيف التهديد في الشمال قليلاً، الذي بات مهجوراً تماماً.
وبالنسبة إلى جبهة الجنوب، أي غزة، قال المسؤول الإسرائيلي: كل الروايات عن انتصار قريب ليست جدية، فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يكذب لأنّ الجيش يخبره كل شيء بالضبط، معرباً عن اعتقاده بأنّ إنهاء الحدث في الجنوب كان يجب أن يتحقق في مرحلة باكرة.
وفي السياق، رفع تقرير في موقع «يديعوت أحرونوت» الصوت عالياً ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية بالنسبة للجبهة المشتعلة مع حزب الله في الشمال، واصفاً إياها بأنها غير مهتمة بالوضع هناك، وذكر التقرير أنّ 3500 دونم احترقت بسبب الحرائق التي أشعلها أكثر من 200 صاروخ وقذيفة، لكن رؤساء المجالس المحلية في الشمال قالوا إن أي وزير لم يتحدث إليهم، وتساءل رئيس ما يسمى «مجلس الجليل الأعلى»: هل يهمّ هذا أحداً ما هناك؟.. وخاطب الحكومة: أطفئوا النار، لا تطفئوا أملنا.. في حيفا لا تغيير في التعليم، ولكن لا تعليم في «ماروم هاغاليل».
وأضاف التقرير: رد حزب الله على اغتيال طالب عبد الله- الذي وُصف بالقائد الأرفع – كان الأعنف في الأشهر الأخيرة، والتقدير هو أنه ليس نهاية هذا الرد.
«إسرائيل» ليست قادرة على بدء حرب طويلة أخرى في الشمال يجب قول هذا بصدق وبألم لكن هذا هو الوضع الآن
الحزب يُراكم المكاسب
رغم التهديدات التي أطلقها كيان الاحتلال الصهيوني بشنّ حرب محتملة على لبنان إلّا أنّ قراءة الواقع تدحض تلك التهديدات، فمن لم يستطع الانتصار في مساحة صغيرة مثل غزة بعد تسعة أشهر من القتال كيف له أنّ يتنصر على حزب الله وفي رصيده هزائم سابقة؟ وهذا التساؤل بات يُطرح بكثرة داخل الكيان، إذ حذّر رئيس حزب «العمل الإسرائيلي»، يائير غولان، من الدخول في معركة شاملة ضد حزب الله في لبنان، قائلاً: «إسرائيل» اليوم وبعد ثمانية أشهر من القتال، وبعد أن أُنهكت قوات الاحتياط والقوات النظامية، ليست قادرة فعلاً على بدء حرب طويلة أخرى في الشمال، يجب قول هذا بصدق وبألم، لكن هذا هو الوضع الآن.. وهاجم الحكومة الإسرائيلية: هذه الحكومة هي حكومة مدمرة، حكومة كارثة، نحن بحاجة إلى تغييرها.
في سياق متصل، اعتبرت محللة إسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية تدعى ميراف زونسزين، أنّ التطورات تشير إلى أنّ حزب الله يجمع مكاسب استراتيجية، إذ كان الوضع بالنسبة له مختبراً رهيباً، حيث أتيحت له الفرصة لدراسة أنظمة الدفاع والمراقبة الإسرائيلية بعناية لفترةٍ طويلة، وقالت: من الواضح أنّه يبحث عن نقاط ضعف «إسرائيل» ويجدها، من أجل اختراق دفاعاتها وإغراقها من خلال هجمات مُتعددة الجوانب ومتنوعة.
«إسرائيل» تسير بعملية انهيار مخيفة وسريعة وغير مسبوقة في كل ساحة محلية ودولية
انهيار مخيف
أمام مجمل التطورات الحاصلة تتابع وسائل إعلام العدو كشف الحقائق والإشارة إلى الفشل الذريع للكيان وأسبابه، إذ أشارت صحيفة «معاريف» إلى أنّ الاعتقاد الذي كان سائداً قبل عامين بأن الجيش الإسرائيلي كبير وقوي ويمكنه مواجهة أي تحدّ، كان خاطئاً، مؤكدة أنّ الواقع أثبت عدم صحته، فافتقاره إلـى 15 كتيبة من المقاتلين يهدد قدرته على التعامل مع التحديات على الجبهة الشمالية المهدِّدة، وما يمكن أن يفتح من الشرق، وفي غزة البعيدة عن الحسم، وفي الضفة الغربية وأماكن أخرى تتخذ الحكومة قرارها بمواصلة «تملص قطاع الحريديم بأكمله من الخدمة الاحتياطية».
وأكدت «هآرتس» أن «إسرائيل» تسير في عملية انهيار مخيفة وسريعة وغير مسبوقة في كل ساحة محلية ودولية، مشدّدة على أنّه منذ عدة أشهر و«إسرائيل» تبتعد عن بر الأمان بوتيرة مخيفة، مضيفة: نتنياهو فشل فشلاً ذريعاً في قيادة الجمهور بأكمله، وتابعت: مصير الأسرى خارج جدول أعمال الحكومة، محذرة من أنّ الوقت قصير والأضرار كثيرة جداً.