قمة البحرين والبوصلة الفلسطينية.. المقاومة اللبنانية تنقل المواجهة إلى مستوى ردع أعلى.. والأميركي يوسع تحركاته باتجاه ترتيبات ملغومة لما بعد الحرب
تشرين- هبا علي أحمد:
تزدحم الملفات المرتبطة بشكل مباشر بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، دولياً وإقليمياً، ما يجعل أي حدث مهما كان كبيراً أو صغيراً قيد المتابعة والتحليل.. فالصورة الآتية من القطاع بمعاركها الدائرة تشي بأنّ مسار التصعيد عاد ليأخذ موقعه بعد فترة من المراوحة التي رافقت المسار التفاوضي، كما أن عملية رفح لا تزال عند حدودها البريّة ذاتها إلّا أنها مرشحة للتصعيد في أي لحظة، في حين تأخذ المعركة في الشمال مع المقاومة اللبنانية أبعاداً مختلفة يضطر معها الكيان ومن خلفه الأميركي- الذي باشر بتثبيت الرصيف البحري في غزة – لتقديم تنازلات تخفف وطأة المأزق الاستراتيجي الذي يعانيه الكيان في الشمال.. لكنّ مجمل هذه التطورات يتزامن مع انعقاد الدورة الثالثة والثلاثين للقمّة العربية في البحرين، أي إنّ انعقادها يأتي في توقيت حساس وبالغ الأهمية نظراً للعدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، ما يضعها أمام تحدّيات ومسؤوليات جمّة، ونظراً لحساسية المرحلة فإنّ التأسيس لأي خطوة عربية فاعلة وصحيحة ينطلق من فلسطين باعتبارها بوصلة القضايا.
فلسطين وقمّة البحرين
إذاً تنعقد قمّة البحرين في ظروف استثنائية تمرّ بها المنطقة عموماً على وقع العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، ما يجعل المسؤوليات جمّة والتساؤلات كثيرة، فهل يمكن أن تمثل قمّة البحرين الاستثناء؟ وبالتالي فتح مسار حقيقي في سياق عمل عربي مشترك يلبي التطلعات ويحقق الأهداف والرؤى العربية التي يجب أن تكون واحدة موحدة في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يعيشها شعبنا الفلسطيني على يد آلة الفتك والإجرام الصهيونية وبمباركة أمريكية غربية؟
ما تمرّ به القضية الفلسطينية اليوم لابد أن يدفع باتجاه العمل العربي المشترك الفاعل والحقيقي بعيداً عن الاكتفاء بالأقوال
..ما تمرّ به القضية الفلسطينية اليوم لا بد أن يدفع باتجاه العمل العربي المشترك الفاعل والحقيقي بعيداً عن الاكتفاء بالأقوال كما عهدنا القمم السابقة للآسف، وفي ظل تفويت الكثير من الفرص سابقاً نحو تطوير رؤية عربية مشتركة لمعالجة القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية لاعتبارات كثيرة لسنا بوارد ذكرها، فإنّ الفرصة اليوم أكثر من مواتية أمام الدول العربية لتوحيد الصف ومواجهة عدو الأمة الأول والوحيد الكيان الصهيوني… هذه الفرصة التي صنعتها المقاومة الفلسطينية وتحديداً منذ السابع من تشرين الأول من العام الماضي وبإسناد جبهات المقاومة الإقليمية، ووضعتها بين أيدي الدول العربية على مستوى القيادة والشعوب، وما عليها إلّا استغلالها لما فيه مصلحتنا العربية المشتركة.
الفرصة اليوم أكثر من مواتية أمام الدول العربية لتوحيد الصف ومواجهة عدو الأمة الأول والوحيد الكيان الصهيوني
المطلوب من قمّة البحرين أنّ تتطلع بمسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية بالدرجة الأولى انطلاقاً من الكارثة الإنسانية التي نشهدها اليوم على أرضنا الفلسطينية المحتلة، وأنّ تكون القمّة نقطة تحوّل حقيقية تعيد ثقة الشعوب العربية بالقمم العربية وجدوها وتضع العمل العربي المشترك في مساره الصحيح ليمكن القول إنه عمل عربي مشترك قولاً وفعلاً
دلائل قاسية
وعلى وقع انعقاد القمة في البحرين وفي سياق العدوان على غزة لم يخرج كيان الاحتلال الصهيوني بعد من صدمة ضرب حزب الله أمس موقع المنطاد التجسسي الضخم قرب طبريا بطائرة انتحارية، ما ألحق به أضراراً جسيمة، حتى نفّذ الحزب صباح اليوم هجوماً صاروخياً بأكثر من 60 صاروخ كاتيوشا على قيادة فرقة «الجولان 210» في نفح وثكنة الدفاع دعماً للشعب الفلسطيني ومقاومته ورداً على الاعتداءات الإسرائيلية على البقاع اللبناني، بالتزامن أمطر الحزب محيط ثكنة زرعيت في منطقة الجليل بعشرات قذائف الهاون، وتحدثت وسائل إعلام العدو عن أنه منذ ساعات الصباح جرى إطلاق أكثر من 120 صاروخاً باتجاه مستوطنات الشمال، كما توقفت مطولاً أمام حدث استهداف المنطاد التجسسي ودلائله القاسية، مشيرة إلى أنّ حزب الله سجل أمس نجاحه الأكبر منذ بداية الحرب عندما دمّر إحدى المنظومات الدفاعية الأغلى والأكثر تطوراً في «إسرائيل».
التأسيس لأي خطوة عربية فاعلة وصحيحة ينطلق من فلسطين باعتبارها بوصلة القضايا ولا سيما في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة
وتطرقت صحيفة «معاريف» إلى الدلائل القاسية لضرب المسيّرة عند «مفترق غولاني»، مشيرةً إلى أنّ الحديث يجري عن ضربة لموقع استراتيجي تابع لسلاح الجو، وكان من المفترض أن يُستخدم المنطاد المستهدف أداة إنذار لسلاح الجو، لافتة إلى أنّ الحديث يجري هنا عن حادث صعب وخطر للغاية من ناحية الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو وقدرة التشخيص والإصابة، فحادث المسيّرة في «غولاني» مهم للغاية من حيث التأثير، والجيش الإسرائيلي يحقق في الأمر طوال الليل، وما إذا كانت المسيّرة قد دخلت من لبنان أم من الحدود السورية، أو من حدود أخرى.
وقال خبراء لدى الكيان: إنّ نجاح طائرة مسيّرة في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية والوصول إلى موقع المنطاد الكبير في «تل شمايم» إنجاز استراتيجي لحزب الله، وفشل خطر لتشكيل الدفاع الجوي الإسرائيلي.
اتفاق وتنازل
المعادلات التي رسختها جبهة الشمال دفعت الأميركي والإسرائيلي معاً إلى استجداء اتفاق من نوعٍ ما حتى لو أدى إلى تنازلٍ ما من الكيان، وبات التوصل إلى تسوية مع حزب الله يعني الكيان أكثر من التوصل إلى اتفاق مع المقاومة الفلسطينية، ولاسيما أنّ مستوطنات الشمال باتت مرتعاً للأشباح و«الردع الإسرائيلي» عفا عليه الزمن، لكن حتى مثل هذا الاتفاق يضع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام «معضلات» إضافية على المستوى السياسي ويزيد من حال الانقسام. وفي هذا نقلت «هآرتس» عن مصادر سياسيّة وُصِفت بأنّها رفيعة المستوى في الكيان أنّ جهات في «إسرائيل» تعمل على الدفع نحو تفاهمات مع لبنان، مفادها أنّ «تل أبيب» ستُعرِب عن استعداد مبدئي لتعديلات حدودية مع لبنان، لكن نقاش التفاصيل الدقيقة سيجري فقط بعد التوقيع على اتفاق يؤدي إلى تهدئة في الشمال، لافتة إلى أنّ التقدير أنّ النقاش على التعديلات الحدودية ستتواصل عدة أشهر، وقد يتأخر التوقيع على اتفاق تهدئة، وأشارت الصحيفة إلى أنّ هناك سعياً في «إسرائيل» لتأجيل النقاش على الحدود بسبب الخشية من فشل الحكومة في توفير الأغلبية المطلوبة لذلك في الكنيست أو في استفتاء عام في التوقيت الحالي، كما نوّهت الصحيفة إلى أنّ الإدارة الأميركية ناقشت في الأشهر الأخيرة مع «إسرائيل» ولبنان الحاجة إلى عملية تعديل الحدود، في خطوة هي جزء من محاولة لبلورة اتفاق تهدئة.
وفي السياق أيضاً تحدثت مصادر داخل الكيان عن أنّ نتنياهو سيجِد صعوبةً في جمع الأغلبية المطلوبة في استفتاء عام للمصادقة على اتفاق يتضمن تعديلات حدوديّة، وهي خطوة من المتوقع أن تُصعّب الموافقة على المخطّط، إضافة إلى ذلك سيكون من الصعب على نتنياهو تجنيد دعم الجمهور اليميني لاتفاق يتضمن تنازلات عن الأراضي، فـ80 عضواً في الكنيست يمكنهم إلغاء مطلب الاستفتاء العام، لكنّ نتنياهو من المتوقع أيضاً أن يواجه صعوبة في حشد هذه الأغلبية، ومن الناحية الإيديولوجية فإن أعضاء الكنيست والوزراء من اليمين لن يتمكنوا ببساطة من تأييد خطوة كهذه، وليس لديهم أي مجال للمناورة.
حزب الله سجّل نجاحه الأكبر منذ بداية الحرب على غزة عندما دمّر إحدى المنظومات الدفاعية الأغلى والأكثر تطوراً في «إسرائيل»
المقاومة اللبنانية واضحة الاستراتيجية منذ بداية العدوان على غزة، لا إيقاف لاستهداف كيان الاحتلال في الشمال حتى إيقاف الحرب على غزة، وعليه فإن المفتاح بيد الكيان، ولا سيما أنه دون إيقاف العدوان تكاليف باهظة ربما تكون معها التكلفة المترتبة على الكيان حتى الآن بسيطة مقارنة بما هو قادم، ويتكشّف يومياً عدم استعداد الاحتلال لسيناريو توسّع الحرب شمالاً، إذ كشف مسؤولون في الاحتلال أنّ «إسرائيل» لن تستطيع توفير استجابة ناجعة للمستوطنين من الحدود الشمالية إلى خط حيفا، ولا سيما أنّهم سيبحثون عن ملجأ من الصليات الصاروخية التي سيطلقها حزب الله من الشمال، وإذا اندلع القتال هناك فإنّ حزب الله قد يطلق بين 3000- 5000 قذيفة صاروخية يومياً نحو «إسرائيل»، وأنّ نحو 1000 من تلك القذائف سيكون سقوطها فاعلاً، كما أنّ القذائف التي سيطلقها حزب الله سيكون 90% منها في حدود 40 كيلومتراً، والباقي سيتمّ إطلاقه إلى الوسط، وهذا يعني أنّ المستوطنات من خط الحدود إلى منطقة حيفا الحضرية، بشكلٍ أو آخر، ستتلقى أغلبية النيران.
المعادلات التي رسختها المقاومة اللبنانية في جبهة الشمال دفعت الأميركي والإسرائيلي معاً إلى استجداء اتفاق تهدئة حتى لو أدى إلى تنازلٍ ما من الكيان
الميناء الأميركي
على المقلب الآخر تواصل الولايات المتحدة كل الترتيبات المتعلقة بـ«اليوم التالي» للحرب تحت مزاعم «إنسانية»، لكنها لا تمّت إلى الإنسانية بصلة، لتضمن لها مكاناً قبل أن تضع الحرب أوزارها والصيغة الذي ستنتهي إليها، إذ أعلن الجيش الأميركي، اليوم الخميس، عن استكمال بناء رصيف بحري في ساحل قطاع غزة لإدخال مساعدات مع استمرار الحرب هناك، وذكر بيان للقيادة المركزية الأميركية أنه سيتم تثبيت الرصيف البحري المؤقت على شاطئ غزة، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن تبدأ شاحنات المساعدات في التحرك نحو شاطئ غزة خلال الأيام المقبلة.
الاحتلال لن يستطيع توفير استجابة ناجعة للمستوطنين من الحدود الشمالية إلى خط حيفا من الصليات الصاروخية التي سيطلقها حزب الله إذا اندلع القتال
وقالت القيادة المركزية الأميركية: إن الأمم المتحدة ستتسلم المساعدات القادمة عبر الرصيف البحري وتنسق توزيعها في غزة، مضيفة: لم تدخل أي قوات أميركية إلى غزة في إطار عملية تثبيت الرصيف البحري.
على أي حال فإنّ للميناء قصة مرتبطة بتداعيات العدوان على غزة و«اليوم التالي» وما بعده، ستتضح بشكل أكبر لاحقاً.