مشروعُ دولةٍ.. وبوصلةُ مواطنٍ
لاوقتَ لنستهلكه مجدداً في التحليل والتفسيرِ و ربما الاجتهاد، بما أن الملامح باتت واضحةً كلياً أمامنا كسوريين، ونحن نيممُ وجهنا مستقبلَ الاقتصاد والتنمية بأبعادها كلها في بلد يكافح وينافح ليعاود النهوض مجدداً.
فلا نظنّ أن ثمةَ مابقي ويعتريه لبسٌ في الخيارات الاستراتيجية لهذا البلد، بعد خطاب الرئيس الأسد بما ينطوي عليه من حسمٍ ورسم لخريطة طريق واضحة المعالم حافلة بالاستحقاقات، تتطلب الشروع بالتنفيذ ” من الأمس وليس الغد” ونقولها من وحي الإلحاح الذي تتسم به.
لذا لم يعد من متسعٍ للجدل حول هوية الاقتصاد ولونه، وهرش الرؤوس لمفاضلة الخيارات، وإن أصر بعضنا على الاستمرار بما يشبه “لعب الودع” سنكون كالفرق الرياضية المبددة عمداً للوقت المستقطع في لعبة كرة، من أجل الحفاظ على مكاسب مضمونة.. وأحياناً مشبوهة.
فهل تبدو عبارات من قبيل “التوازن بين الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي.. العدالة الاجتماعية.. تحقيق خروقات في مضمار الأولويات.. الوقوف إلى جانب الكادحين.. إن لم يكن وضع الفقراء والشريحة الوسطى جيداً لا يمكن للاقتصاد أن يتحرك “.. هل تبدو بحاجة إلى شرح أم إلى مباشرة بالعمل؟
ولعل كل ماسبق يفضي إلى جملة مفتاحية بالغة الأهمية، وينطلق منها أساساً، وهي “العدالة الاجتماعية”.. التي تعني – استراتيجياً – إتاحة فرص المشاركة الفاعلة في التنمية أمام كافة الشرائح بدون استثناء، وعبر المشاركة تتحقق العائدات وتتحقق العدالة.
ولعل هذا بدقة ماترمي إليه كل “إجراءات الدولة” التي تمت بشكل متسارع خلال الفترة الوجيزة السابقة.. وتكاملت باتجاهين.. الأول: كان من خلال التأسيس المتسارع لبيئة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، المخصصة لتمكين الطبقة الفقيرة.. وإعادة إنعاش الطبقة الوسطى.
والثاني: القانون رقم ٣ الذي يؤسس لإعادة إحياء سلسلة موجودات رأسمالية ثابتة في القطاع العام الاقتصادي، وزجها في الحراك التنموي الحقيقي بتشاركية مسؤولة بين القطاعين العام والخاص.
أي الجميع سيكون أمام مسؤولياته في التنمية.. فنحن أمام مشروع دولة متكامل عابر للشرائح والطبقات من الفقير وصولاً إلى كبار المتمولين.. مشروع يجب أن ينجح – ولابدّ أن ينجح – لأن لا تعليمات تنفيذية علينا انتظارها، ولا ذرائع ستكون مقبولة للتمترس خلفها، حتى لو كانت من طراز “ثوابت” في زمن وظروف مختلفة.