هكذا رد الرئيس الأميركي جو بايدن على صحفي سأله حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخلى عن «إسرائيل» على خلفية كل ما يُقال عن تفاقم الخلافات بين الجانبين بسبب الحرب على غزة.. وعن «التحذير الأخير» الذي وجهه بايدن لنتنياهو خلال محادثة هاتفية بينهما الخميس الماضي هدده فيها بتغيير السياسات الأميركية تجاه الكيان الإسرائيلي إذا لم يلتزم بـ«الضرورات الإنسانية» في غزة، وكأن إدارة بايدن يعنيها فعلاً الوضع الإنساني لأهل غزة وهي التي أعلنت مراراً، وما زالت، أنها تدعم الكيان في عدوانه المتواصل على غزة منذ ستة أشهر، وأكثر، من دون محاسبة ولا مساءلة ولا خطوط حمراء.
سؤال الصحفي لم يعجب بايدن فرد متهكماً بابتسامة صفراء جانبية: من أين أنت يا رجل؟.. وكان من شأن صيغة الرد والإنطباع الذي أظهره بايدن أن يشعرك (كما شعر الصحفي على الأغلب) وكأن بايدن يقول له: ماذا بك يا رجل، هل أنت من خارج الكوكب، من، أميركا هذه التي ستتخلى عن «إسرائيل»؟
لكن الصحفي أعاد سؤاله مرة أخرى، ليرد بايدن موسعاً حالة التهكم: هل أنت جاد بسؤالك؟.. ليغادر بعدها دون إجابه.
من هذا الأبله؟.. لا بد أن بايدن تمتم هكذا وهو يغادر، أو لنفترض ذلك، وهو افتراض يُقارب الحقيقة بشكل كبير بالنظر إلى رد فعل بايدن وتهكمه ورفضه الإجابة، رغم أنه كان يستطيع أن يقول أي شيء ولو من قبيل المجاملة، أو المكاذبة وبما يعطي قليلاً من المصداقية ولو بالحد الأدنى لما يُسربه أعضاء إدارته حيال الخلافات والغضب من الكيان الإسرائيلي الذي تجاوز كل الخطوط الإنسانية الحمراء في عدوانه على غزة وأهلها، والذي لا يراعي المعايير الإنسانية التي تطالبه بها إدارة بايدن، كما يزعم مسؤولوها.
حتى يوم أمس الجمعة، عندما رد بايدن بهذه الصورة على سؤال الصحفي، كان من الممكن المجادلة قليلاً في مسألة أن أميركا قد تكون غاضبة حقاً من الكيان الإسرائيلي، وأنها غير موافقة على جزء كبير من إدارة العدوان على غزة، وأنها تسعى فعلاً للتهدئة وإنهاء العدوان، وتعمل على «حل الدولتين» كما تقول.
لكن هذا الرد من قبل بايدن ينفي كل ذلك، ويعيدنا إلى حقيقة أن أميركا لا يمكن إلا أن تكون مع الكيان الإسرائيلي، ولا يمكن إلا أن تكون حربه حربها، وجرائمه جرائمها، ما دام بايدن يتهكم ويسخر ويرى سؤال «إمكانية تخلي» أميركا عن الكيان سؤالاً غبياً، صاحبه أبله، يعيش في كوكب آخر.
علماً أننا لم نكن نصدق فعلياً كل ما يُقال عن حديث الخلافات والاختلافات بين أميركا وكيانها، ولا مخاوفها الإنسانية المزعومة، ولكننا كنا نعتقد بالعموم أن أميركا بدأت تشعر بأن الكيان وسياساته ومستوى الإجرام الذي وصله والذي أحرج أميركا وإدارة بايدن أمام العالم كله، هذا عدا عن انعكاس كل ذلك مزيداً من التراجع والتدهور في دورها ومكانتها ونفوذها في المنطقة.. كنا نعتقد أن أميركا تنطلق من كل ذلك لتضغط على الكيان في سبيل تغيير سياساته الإجرامية وإنهاء عدوانه على غزة، والامتناع عن كل ما من شأنه توسيع جبهة غزة تفادياً لحرب إقليمية، عواقبها ستكون أشد على أميركا نفسها.. لكننا كنا مخطئين حتى في ذلك.
يبدو أنه أميركا وكيانها على طريق واحد وهدف واحد تماماً، والخلاف مع نتنياهو، لا يعني الاختلاف على الكيان ودعمه المطلق، وهو ما أعاد بايدن تأكيده يوم الجمعة الماضي بعد هاتف «التحذير الأخير».
لذلك، ولأن حديث الخلاف والاختلاف والغضب سيستمر، ما علينا سوى تذكر رد بايدن وتعابير وجهه وهو يرد على سؤال الصحفي: من أين أنت يا رجل؟
هذا هو الموقف الأميركي، وسيبقى، وكل ما عدا ذلك كذب وتضليل.. ومن يصدق خلاف ذلك فإن حاله كحال ذلك الصحفي.. من كوكب آخر.