أسفرت نتائج الانتخابات التي جرت في روسيا على مدار ثلاثة أيام وانتهت أمس وفاز فيها فلاديمير بوتين لولاية رئاسية جديدة بإجماع أكثر من 87 % من الناخبين الروس، وهذه النتائج التي جاءت مُعبرةً عن حراك الداخل الروسي من جهة وما ينتظر روسيا وشعبها من تحديات في المرحلة المقبلة من جهة ثانية.
وبفوز القيصر بوتين، فإن هذه الإنتخابات التي كانت نسبة المشاركة فيها لافتة، حيث تجاوز عدد الناخبين فيها الـ112 مليوناً في أراضي روسيا ونحو المليونين في الخارج، تكون قد حدّدت الخريطة السياسية لروسيا العظمى على الساحة الدولية.
ويبدأ الرئيس بوتين فترة ولاية جديدة مملوءة بالتحديات، على رأسها الوفاء بالوعوده الانتخابية، ومواجهة ارتفاع التضخم، إضافة إلى تبعات استمرار الحرب في أوكرانيا وتكلفتها الاقتصادية، وهذا في واقع الأمر شيء طبيعي ومنطقي، فسيد الكرملين هو الذي بدأ الحرب في أوكرانيا ضد النازية الجديدة المدعومة من الغرب، وهو سيخرج منها منتصراً لتسويغ الثمن الذي دفعته ولا تزال تدفعه روسيا في مواجهتها مع الغرب الجماعي، والتي يمكن وصفها بالشاملة وترقى إلى مستوى الحرب العالمية في عدد من جوانبها وآثارها.
ورغم كل ما سبق فإن التنبؤ بمسار عمل بوتين في المرحلة القادمة أمر بالغ الصعوبة، فهو الذي نجح في حماية اقتصاده من العقوبات الغربية، فمصانع الأسلحة الروسية تتفوق في إنتاجها على مثيلاتها في الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، ورغم ذلك فقد تم تطهير المشهد السياسي من كل هذه المنافسة.
على المقلب الآخر، فقد سكبت وسائل الإعلام الغربية الكثير من الأوساخ على هذه الانتخابات وشككت بنزاهتها، إلا أن التصويت الكثيف لبوتين كان الرد الحقيقي والرسالة الروسية المجتمعية على الادعاءات الغربية، ومثل هذا التصويت هو تعبير عن حجم شعور المواطن الروسي في الداخل والخارج بأن بلاده خلال فترة حكم بوتين وفريقه قد عادت لتحتل مكانة متقدمة في هذا العالم، ولتكون الرقم الصعب في كل معادلات الصراع في المنطقة بدءاً من سورية إلى أوكرانيا.
بالتوازي فإن فوز بوتين، وخلافاً للرأي حول درجة شفافية وشرعية الاقتراع، فإن الانتخابات الحالية كانت الانتخابات الأولى التي جرت في روسيا في المئة عام الأخيرة والبلاد في حالة حرب وحصار ومواجهة شرسة مع الغرب الشرس مجتمعاً عليها، وهذا هو السبب في أن يسعى مالك مفاتيح الكرملين إلى نصر غير مشروط.
أمين الدريوسي
34 المشاركات