أقوى رد على تصريحات ماكرون حول ما سماه إمكانية تنفيذ عملية برية بمواجهة القوات الروسية في أوكرانيا.. جاء من الأميركيين وليس من الروس وبالصورة المهينة ذاتها التي طالما تحدث فيها المسؤولون الأميركيون- السابقون واللاحقون – عن فرنسا خصوصاً ما بعد اندلاع الحرب الأوكرانية التي دخلت عامها الثالث منذ 24 شباط الماضي، وبالأخص ما يطلقه ماكرون من تصريحات تتتابع وبصورة يبدو فيها أكثر تشتتاً، وهو يجهد في البحث عن دور لبلاده على مستوى أقرانه الأوروبيين، لكن من دون جدوى.
ماكرون الذي شهد عهده أقسى الهزائم لفرنسا، سياسياً وعسكرياً، والذي ما زال يتجرع كأس الاندحار من إفريقيا، وهو العاجز عن التفاهم مع نظرائه الأوروبيين، بل يعيش أزمات عميقة مع أكثر من دولة أوروبية، لا سيما مع ألمانيا.. أيضاً ماكرون الذي يعجز عن دفع الولايات المتحدة لإيلائه ولو قليلاً من الاهتمام، حتى عندما يطلق التصريحات ضد روسيا، وماكرون الذي يرتعد مع بقية الأوروبيين لمجرد احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ولا يتوقف عن رفع عقيرته بشكل متواصل حيال مستقبل أوروبا القاتم، منذ ما قبل الحرب في أوكرانيا، وما بعدها، من دون أن يجد آذاناً مصغية وليعود خائباً في كل مرة.. وماكرون الذي يرى بأم عينيه هو ونظراؤه الأوروبيون، الهزيمة الحتمية لأوكرانيا، وللناتو في أوكرانيا بمواجهة روسيا، وكيف أن كل ما تم تقديمه من مساعدات مالية وعسكرية، وهي كبيرة ومستمرة وبأثقل العتاد العسكري.. وماكرون الذي يرى أن الأوروبيين لا يستطيعون الاتفاق على قضية واحدة من ضمن القضايا التي تضع مصير أوروبا بأسرها على المحك، وعلى رأسها أوكرانيا.
ماكرون ورغم كل ذلك، يهدد روسيا بعملية برية، ويقول «إن قوة فرنسا تكمن في حقيقة أنها قادرة على القيام بذلك»، لكن «فرنسا لا تريد القيام بذلك»، يضيف ماكرون الذي تعد تصريحاته هذه مكملة لتصريحات له جاءت قبل ساعات قال فيها: «إن دور فرنسا في صراع أوكرانيا هو أن تكون عصب الحرب» على اعتبار أنه سبق للأوروبيين في اجتماع لهم أن ناقشوا العملية البرية «الأوروبية» ضد روسيا، وهو ما كذبه الأوروبيون أنفسهم في وقت لاحق، علماً أنه عندما يتحدث ماكرون عن أن فرنسا ستكون عصب الحرب فهذا يعني أنه يقدم بلاده كرأس حربة يستخدمها الأوروبيون و«الأميركيون».. ربما ماكرون معذور فلم يبق له غير هذا الباب يطرقه حتى لا يغيب هو وبلاده عن الساحة.
بكل الأحول، نعود إلى مسألة الرد الأقوى على ماكرون الذي جاء من الأميركيين أنفسهم, وآخرهم سكوت ريتر، ضابط المخابرات السابق في الجيش الأميركي، الذي سخر من حديث ماكرون، وكيف أنه يريد الفوز في حرب بمستوى حرب أوكرانيا بـ«كتيبة» واحدة «توجد حالياً في رومانيا كجزء من مهمة «إيغل» التابعة للناتو».
ريتر قال: الفرنسيون سيرسلون كتيبة واحدة لتغيير الوضع بطريقة سحرية، ويضيف: هذا أمر مثير للسخرية، فرنسا استغرقت عامين كاملين في السابق للتخطيط لعملية في وقت السلم لنشر 12 ألف جندي في مناورة «أوريون» التابعة لحلف شمال الأطلسي.
فكيف الحال ونحن نتحدث عن حرب بمستوى حرب أوكرانيا، أوروبا كلها منخرطة فيها، ومعها عرابة الحرب الولايات المتحدة الأميركية.. فيما فرنسا تريد هزيمة روسيا بكتيبة واحدة.
إذاً.. هل ماكرون يطلق التصريحات هكذا لمجرد التصريح، أو للقول إن فرنسا حاضرة، أو لازعاج روسيا ثأراً لخروج فرنسا المذل من إفريقيا لمصلحة روسيا، فهو بالنهاية ليس لديه سوى الكلام؟
قد تكون الحال كذلك، وقد تكون رسائل مبطنة، من الأوروبيين «وبعيداً عن الأميركيين» لروسيا، الأوروبيون أيضاً مثل ماكرون ليس لديهم سوى الكلام، لكن بكل الأحوال لا يمكن القول إنها رسائل تنم عن ذكاء أو عن دهاء السياسيين.. يبدو أن أوروبا اليوم تتشارك القادة أنفسهم من نوعية ماكرون، لذلك لا خوف على روسيا ولا على أنها ستحقق كامل الأهداف من وراء عمليتها الخاصة في أوكرانيا.
مها سلطان
57 المشاركات