على الأكيد لن يحقق العدوان الأميركي الأخير – ليلة الجمعة السبت- على مناطق في سورية والعراق، هدف الردع الذي تقول واشنطن إنها تسعى إليه في ظل استمرار واتساع الضربات التي تتعرض لها في المنطقة، لكنها على الأكيد وفي كل عدوان تنفذه توسع حالة التصعيد وتؤجج مساراً يقرب المنطقة أكثر فأكثر من «الانفجار الكبير»، بمعنى الحرب الإقليمية التي تزعم أنها تسعى إلى منعها، بينما كل ما تفعله يصب في إطار اندلاعها.
والسؤال: هل إن واشنطن تسعى إلى التصعيد أم الاحتواء، أم إنها في حالة تيه بينهما وتخشى التصعيد، وإذا صعّدت مُجبرة، فإنها تعتمد نهجاً هو أقرب إلى الاحتواء، أو هي تتعمد من خلال مسار التصعيد أن تعطي انطباعاً يُوهم الآخرين بأنها لا تريد التصعيد؟
واشنطن تدرك أكثر من غيرها أن التصعيد سواء كان هدفاً أم احتواء «أم لترميم الفاقد من الهيبة» يقربها أكثر فأكثر من خط النهاية لوجودها في المنطقة، وهي لا تريد التسليم بهذا المصير، وتحاول تأخيره ما أمكن، عبر اللعب على عامل الوقت، وضمنه عامل التوتير والتصعيد المستمر، ولا بأس من الوصول إلى الحرب الإقليمية إذا ما وجدت أنه لم يبقَ أمامها سواها.
لذلك نراها تغلف كل تصعيد لها بنوع من إخطارات مسبقة -غير مباشرة- عسى أن ينقذها ذلك من حالة تصعيد مضاد قد تكون من الخطورة بصورة لا قِبَلَ لها بالرد عليها بالمستوى نفسه، لأن الرد بالمستوى نفسه يعني الانتقال إلى حالة أعلى وأخطر من التصعيد، التي لن تصب في مصلحتها، بقدر ما ستصب في مصلحة الأطراف المستهدفة التي تتحول بصورة أوسع إلى تثقيل عملية التعاون والتنسيق وتركيز الضربات وتوسيعها وبما يحشر أميركا في أضيق الزوايا وصولاً إلى حتمية اتخاذ قرار في نهاية المطاف، هل تنسحب أم تقرر البقاء رغم الأكلاف العالية جداً التي ستتحملها، ورغم الاتجاه السائد عالمياً بأنه في نهاية المطاف لن يكون أمامها إلا الانسحاب تحت وطأة الضربات التي لن تتوقف، لا بفعل العدوان الأخير، ولا بفعل عدوان ثان وثالث ورابع، حيث تعلن واشنطن أن موجات العدوان ستستمر رداً على استهداف جنودها في قاعدة البرج 22، والذي أدى إلى مقتل 3 منهم إضافة إلى جرح 41 آخرين.
المخاوف الأساسية هنا تتركز على أن المنطقة هي في التوقيت الأكثر حساسية لناحية سياق التطورات المشتعلة منذ عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي، ولناحية تعامل المنطقة مع هذه التطورات، ولناحية كذلك أن الأطراف الأخرى أو ما يمكن أن نسميه الطرف الثالث -إذا جاز لنا التعبير «الطرف الثالث بين أميركا والأطراف المستهدفة»- هذا الطرف يُضاعف المأزق الأميركي ولا يُسهّل عليه عملية الرد «تصعيداً أو احتواء أو ترميماً للهيبة».. فلقد بات للمنطقة بمجمل أطرافها مصالح منفصلة وأوراق قوة وضغط وهذا ما ترفض أميركا الاعتراف به، وهذا الرفض نتيجته ما نراه من تخبط وافتعال مستمر للتوتير والتصعيد بصورة غير محسوبة، أو لنقل «تسليماً» محسوبة، وفق ما يراه المراقبون، لكنها محسوبة بطريقة تُظهر بصورة جلية ما وصلت إليه الهيبة الأميركية من ضعف وهوان في أكثر المناطق حيوية بالنسبة لها، بل في منطقة باتت تشكل حالة مصيرية بالنسبة لأميركا.
أن تكون أميركا مُجبرة على حساب خطواتها في المنطقة، وأن تكون مُجبرة كذلك على الأخذ بالحسبان ردود فعل دولها، وأن تتحسب لها، بل تخشاها، فهذا يعني أنها قاب قوسين من خط النهاية.. إلا إذا؟
مها سلطان
57 المشاركات