من ستالينغراد إلى اليوم، على ما يبدو أن ألمانيا لا تريد الاعتبار من دروس التاريخ.. تاريخ الحرب العالمية الثانية ومعاركها التي أسقطت أحلام النازية الألمانية بالسيطرة على العالم قاطبة، وربما تعمد ألمانيا إلى كتابة تاريخ جديد تصنع من خلاله « نصراً» يزيل آثار هزيمة ستالينغراد التي غيرت مجرى الحرب العالمية الثانية، وتعمد كذلك إلى خوض معارك مع «عدوها التاريخي» – روسيا- لاستعادة أمجاد «الرايخ» ومحو تقسيم ألمانيا إلى غربيّة وشرقيّة من ذاكرة البشرية.
مناسبة ما سبق ذكره، هو ما أوردته صحيفة «بيلد» الألمانية حول وثيقة داخلية للجيش الألماني تتحدث عن استعداد الجيش لـ«صراع مسلح مع روسيا» على أن يبدأ في صيف 2025، في إشارة واضحة إلى السعي لإطالة أمد الصراع الغربي مع روسيا الذي يمكن أن يقود إلى حرب عالمية ثالثة كما بات يُحكى، والدفع نحو التصعيد يعني عدم فتح باب للتفاوض الغربي مع روسيا لوضع حد للأزمة الأوكرانية.
الاستعداد الألماني، كما أوردته الوثيقة، يمكن أن نرده إلى سببين، أولهما: رغبة ألمانية واضحة في قيادة دور عالمي بمعزل عن الولايات المتحدة، واستعادة «أمجاد» الماضي كما ذكرنا آنفاً، و«كسر شوكة» روسيا على وجه التحديد، وثانيهما: يمكن أن يكون الاستعداد الألماني لملء فراغ الأميركي المنشغل بمنطقتنا وتداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة لليوم الـ101 على التوالي، إلى جانب تداعيات العدوان الأميركي- البريطاني على اليمن، وملء الفراغ هذا يعني الذهاب بالأزمة الأوكرانية إلى أبعد حد ممكن، والمهم- حسب وجهة النظر الغربية- ألّا تحقق روسيا النصر على دول «الناتو» عموماً ولا سيما أن الكفة ترجح لمصلحة موسكو في غير ساحة مع ساحات المواجهة الروسية- الأميركية والغربية.
هناك تشكيك في الخطوة الألمانية المؤجلة حتى صيف 2025، وهذه المدة تفسر عدم الاستعداد الألماني الكامل والحقيقي لأنها خطوة دونها الكثير من العواقب والتحديّات لألمانيا على وجه الخصوص، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى مع محاولة إطالة أمد الصراع، فالغرب يعمد إلى «استنزاف» روسيا للوصول إلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب وتثبيت الوقائع بحيث لا تظهر هزيمة الغرب أمام روسيا.
بالعموم، إذا كانت ألمانيا تتعمّد النسيان، فعليها العودة إلى التاريخ والاعتبار منه، كما عليها قبل أن تتورط وتنهي مستقبلها السياسي بصورته الحالية أن تتذكر جيداً مراحل الهزيمة في الحرب العالمية الثانية وعلى يد الاتحاد السوفييتي من فشلها في عملية «بربروسا» وبالتالي إخفاقها آنذاك في تحقيق أهدافها في تغيير المشهد السياسي لأوروبا وتقسيمه إلى كتلتين شرقية وغربية، ومعركة موسكو التي أصبحت إحدى نقاط التحول في الحرب الوطنية العظمى والحرب العالمية الثانية ككل، إضافة إلى معركة «كورسك» يوم انكسرت يد الألمان العليا في الحرب العالمية الثانية، حسب الوصف، إلى ستالينغراد «القلعة المحاطة بطوق من الفولاذ»، كما كتبت الصحافة الأجنبية، يوم خسرت ألمانيا 1.5 مليون شخص بين قتيل وجريح وأسير، وكان ذلك يعادل ربع القوات الألمانية العاملة على الجبهة الروسية – الألمانية.
هبا علي أحمد
325 المشاركات