ملف «تشرين».. اليمن في صراع الاقتصاد والجغرافيا.. نملك ونحكم.. كلمتنا ويدنا هي الأعلى
تشرين- هبا علي أحمد:
مع استمرار المقاومة اليمنية«أنصار الله» في معركة الثأر للشّعب الفلسطيني قولاً وفعلاً، دعماً ومساندةً وتضامناً، طالما يستمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المُحاصر، مُتخذة من البحر الأحمر بموقعه الاستراتيجي على خارطة الجغرافية السياسية والاقتصادية عامل قوة وورقة ضغط معاً،
يرتفع منسوب الخطر والقلق لدى الأمريكي والإسرائيلي معاً، ومَنْ لفّ لفهما من الدول الأوروبية وغيرها الداعمة للكيان المحتل، وتصدّرت حركة التجارة العالمية محور الاهتمام والبحث، وكما يُنظر إلى اليوم التالي من العدوان على غزة، فإنّ النظر إلى البحر الأحمر وما بعد معركة الثأر اليمني لا يقلّ أهمية، وإنّ أراد الأمريكي والإسرائيلي الخلاص بأقل الخسائر المُمكنة، وعليهما إدراك الدرس المتمثل بأنّ اليوم التالي في غزة يرتبط ارتباطاً مباشراً في البحر الأحمر وعليهما الاختيار، إذ إنّ القوى اليمنية مستعدة لكل الاحتمالات والخيارات دائماً ما دامت غزة تنادي.
– عوامل القوة:
وإذا وضعنا موضوع التجارة العالمية جانباً، فإنّ منسوب القلق الأمريكي بسبب جبهة البحر الأحمر- اليمن، يكمن في إدراك اليمنيون لعوامل القوة المحيطة بهم، واستخدامها في مكانها وموقعها الصحيح، أيّ توظيف موقعهم الاستراتيجي كقوة تفرض نفسها في التوازنات العالمية، كما يكمن في تنبيه المحيط الإقليمي في المنطقة إلى الإمكانيات التي نملكها، والتي إذا أُحسن توظيفها مجتمعة فإنّ أمريكا ستقف عاجزة أمامها.
إذا أراد الأمريكي والإسرائيلي الخلاص بأقل الخسائر عليهما إدراك الدرس المتمثل بأنّ اليوم التالي في غزة، يرتبط ارتباطاً مباشراً في البحر الأحمر وعليهما الاختيار
أمريكا ترغب في رؤية إمكانات المنطقة عاطلة مُعطلة، إدراكاً منها أنّ أول متضرر من استخدامها بالطريق الموجهة هي أمريكا في مصالحها ونفوذها وكيانها المحتل، والإضرار في مصالحها يعني تراجع أطماعها الاستعمارية وهيمنتها، وخسارة لأوراقها التي تستخدمها كعوامل ضغط وفزاعة ضد دول المنطقة، من هنا تكمن حساسية مجريات جبهة البحر الأحمر أحد أهم ممرات التجارة العالمية وطرق الشحن وتأثيره في الموارد الدولية، إلى جانب لكونه واحداً من شرايين الاحتلال الإسرائيلي الاقتصادية.
– حساسيات أخرى:
حساسية البحر الأحمر بالنسبة للأمريكي أيضاً تأتي في سياق التسابق والتنافس الدولي على البحر الأحمر، خُصوصاً مع التغيرات في الساحة العالمية، وتغير موازين القوى، وظهور أقطاب جديدة كروسيا والصين وإيران، إلى جانب الإيفاء بالالتزام الأمريكي الدائم بحماية أمن «إسرائيل» ومستقبلها في المنطقة، وتجمع التحليلات والقراءات ذات الصلة أنّ مَن يسيطر على البحر الأحمر سيسيطر على خيرات وتجارة الشرق الأوسط وإفريقيا، وينتصر في أي صراع عسكري مقبل، وهذا يفسر اللهاث الأمريكي لإطلاق ما سُمي «حارس الرخاء أو الازدهار» لتحرس واشنطن «رخاءها» أي أطماعها وهيمنتها، حيث تتحدث المعلومات أن أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية ليست لكونه ممراً ملاحياً مهماً فقط، وإنما يضاف إلى ذلك لكونه معبراً رئيسياً لتصدير نفط الخليج إلى الأسواق العالمية، كما أنه المنفذ البحري الجنوبي لـ«إسرائيل» والرابط الأساسي بين التجارة الراغبة في الوصول إلى ما بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وبحر العرب، لذا يعد البحر الأحمر سياسياً أكثر اتساعاً من البحر الأحمر جغرافيا كما يرى محللون، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لحرمان المنطقة من إدراك نقاط قوتها، وكيف باستطاعتها أن تغير في الموازين الدولية إن أرادت دولها كما أراد اليمنيون في استراتيجية فاعلة.
أمريكا ترغب في رؤية إمكانات المنطقة عاطلة معطلة إدراكاً منها أن أول متضرر من استخدامها هي أمريكا في مصالحها ونفوذها وكيانها المحتل
– إيلام اقتصادي:
التحليلات تجمع على أنه في ضوء ما ألمّ بالاقتصاد الإسرائيلي من خسائر تتعلق بقطاعات السياحة، وانخفاض متوقع لمعدلات النمو، فإنّ عمليات المقاومة بالبحر الأحمر أدت إلى تأثيرات سلبية في عمل الموانئ الإسرائيلية، وأصبح بعضها خاوياً تماماً من السفن، وسط توقعات بأن تتأثر تجارة الكيان الخارجية بشكل عام في ضوء ما أسفرت عنه تداعيات عملية طوفان الأقصى، ويرى مراقبون أن قيمة التجارة الخارجية للكيان التي بلغت نحو 180.7 مليار دولار عام 2022 -وفقاً للبنك الدولي- يتوقع أن تتراجع العام الحالي، وهو ما سيزيد عجز الاقتصاد التجاري.
– خسائر إضافية:
إضافة إلى الخسائر السابقة، فقد تحدّثت مصادر يمنية أنّ الصواريخ التي تطلقها القوات الإسرائيلية، لاعتراض المُسيرات والصواريخ اليمنية، تكبد كيان الاحتلال خسائر كبيرة، إذ يخسر عند اعتراضه لصاروخ باليستي يمني، مبلغ 5 مليون دولار هو ثمن صاروخ آرو (حيتس3)وفي حالة اعتراضه طائرة مسيرة يمنية ثمنها لا يتعدى 2000 دولار، بصاروخ «باتريوت» أو «ثاد»، يخسر ما بين 2 إلى 3 مليون دولار، وهو قيمة الصاروخ الواحد.
ويؤكد أحد الضباط الإسرائيليين في جهاز
«الاستخبارات» أنّ القوات المسلحة اليمنية مجهزة بأجود الصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز والمركبات الجوية غير المأهولة، التي يطلقونها على «إسرائيل» منذ نحو شهرين، وحتى وسائل إبحار غير مأهولة، مشيراً إلى أنّهم «قادوا حصاراً حقيقياً للبحر الأحمر ويُلحقون ضرراً شديداً بنا، وهذا أهم ما في الأمر».
منسوب القلق الأمريكي بسبب جبهة البحر الأحمر- اليمن يكمن في إدراك اليمنيين لعوامل القوة المحيطة، أيّ توظيف موقعهم الاستراتيجي كقوة تفرض نفسها في التوازنات العالمية
وتحدثت تقارير أمريكية أنّ هناك قلقاً داخل وزارة الدفاع الأمريكية من تكلفة التصدي لعمليات أنصار الله في البحر الأحمر، من خلال التحالف البحري الذي دعت إليه واشنطن، إذ إن الطائرة التي تتكلف ألفي دولار تحتاج إلى صاروخ بمليوني دولار على الأقل لإسقاطها.
– مداراة الهزيمة:
الهزيمة التي تكبدها كيان الاحتلال الإسرائيلي ومعه الأمريكي، وعلى يد القوى اليمنية إضافة إلى الغرق في وحول غزة، واستجداء هدنة ما، دفع الكيان إلى مداراة هزيمته عبر الإدعاء بوقوف إيران خلف الهجمات اليمنية، إلى جانب إظهار خسائر أخرى تتسبب بها الاستهدافات اليمنية، وهو بذلك يلعب على حبلين يداري هزيمته كما ذكرنا، وتأليب الإقليم على اليمن، والانخراط في العملية «حارس الرخاء».
وكان لافتاً في هذا السياق مواصلة وسائل الإعلام الإسرائيلية بث رسائل تخويف لمصر من استمرار العمليات اليمنية، زاعمة «بأن الأضرار الاقتصادية التي لحقت فس إسرائيل تتضاءل مقارنة بخطر الأضرار التي تلحق بمصر، وأنّ إغلاق حركة المرور في البحر الأحمر سيضع مصر، وكذلك الأردن في حصار بحري كامل».
يمكن القول: إنّ اليمنيين الذين يملكون القوة العسكرية الرادعة، وقوة اتخاذ القرار افتتحوا إلى جانب معركة الثأر لغزة ومساندتها، معركة وعي وتنبيه لما تملكه المنطقة من إمكانات، وبالتالي هذه دعوة لدولها للتعاون وتوحيد الخيارات اتجاه العدو الصهيوني لتثبيت المعادلات الجديدة على مستوى المنطقة والعالم، فالمرحلة المقبلة حساسة ودقيقة ولا تقل أهمية أو خطورة عما مرّ من مراحل اشتعال المواجهات، كما أكدّ وزير الدفاع في حكومة صنعاء محمد العاطفي.
اقرأ أيضاً: