ملف «تشرين».. تقييم القوة في مفهوم الحرب غير المُتناظرة.. تحالف أميركي جديد بوجه محور المقاومة لا يجيب عن السؤال الأهم: هل نتجه لحرب موسعة أم لتفاوض بشروط المنطقة؟

تشرين – بارعة جمعة:

أبعادٌ جيوسياسية تحملها ملفات الصراع الحديث، ضمن خرائط رُسمت، هذه المرة، بتوقيع محور المقاومة الأكثر حضوراً في جبهات القتال المختلفة، وعلى امتداد جغرافيا المنطقة.. لم تخضع للضغوط ولم تشارك بالتحالف هي دولٌ أدركت قيمة التمسك بالموقف، الذي لا بد وأن يُفضي لأوراق سياسية، فيما الخيارات العسكرية بعيدة المدى تنوء بمواجهة احتمالات حرب كبرى، لأسباب تحكمها الجغرافيا أولاً والمناخ السياسي ثانياً، لكن وبعد الخطوة المتقدمة للمقاومة اليمنية «أنصار الله» ما الذي سيحمله ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من تبدلات عالمية.. أم أن معادلات النظام العالمي الجديد باتت قاب قوسين أو أدنى؟

– إدارة الصراع
حالةٌ من الفشل في العمل العسكري الأمريكي ضد المقاومة اليمنية تنذر بولادة واقع أكثر تعقيداً بالنسبة للولايات المتحدة والغرب الأوروبي، هي ولادة لمعادلات جديدة في الصراع العالمي، تنقل المدورات إلى أيدي الطرف المُنافس والمُناهض للسياسات الأمريكية، هو تطور جديد رسمه اليمنيون، الذين ما زالوا حتى اللحظة يُعبرون عن سياساتهم، وما يحدث يتعلق بأحداث غزة وفق رؤية المحلل السياسي محمد هويدي من السعودية، فالتحالف الدولي بقيادة أميركا الذي عرف باسم «تحالف الازدهار» بدأ بعشر دولٍ، لم تنضم إليه الدول العربية، ولا سيّما المتشاطئة مع البحر الأحمر، ما يُشير لحالة من عدم الرضا لديها لما يجري في فلسطين، من اصطفاف وتخندق لأميركا إلى جانب العدو الصهيوني، أمام خيبةٍ في إقناع الإمارات والسعودية بالانضمام إليه، ما يجعل مصيره الفشل أيضاً برأي هويدي.

د. هويدي: النظام العالمي دخل منحى جديداً تسجل فيه الصين مزيداً من الحضور فيما أميركا تغرق في حالة استنزاف في سبيل الحفاظ على تدفق السفن إلى «إيلات»

الخسائر الاقتصادية كبيرة على حركة التجارة الدولية، ولا سيما أن أكثر من 25% منها يمر عبر باب المندب، ما يقود إلى ارتفاع نسب المواد والأسعار الدولية الذاهبة للعالم والقادمة لأوروبا.

– إعلان رسمي
دخول لم يكن بالمُفاجئ، بل ضمن إعلان واضح وصريح وعلى لسان أنصار الله، الذين أكدوا دخول اليمن إلى جانب غزة في الحرب، خطوة ليست بالجديدة على اليمنيين ممن قالوا كلمتهم بقوة وفق توصيف الأستاذ في القانون الدولي  جامعة دمشق د. أوس درويش لتطور المشهد اليمني، الذي بات اليوم يشكل تحدياً كبيراً وصفعة لأميركا، التي قامت بتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة الدولية بمشاركة البحرين فقط.
ثماني سنوات من الحرب ولم تتحقق هزيمة اليمن ما جعل لدى الكثير من الدول كالسعودية ميلاً للبعد عن الحرب ضمن استراتيجية جديدة لما لها من استحقاقات سياسية واقتصادية تسعى للحفاظ عليها برأي درويش، والتحالف اليوم مصيره الهزيمة، أمام إغلاق البحر الأحمر وما سيتبعه من تفاعلات دولية سياسية أولها إيقاف المشروع الهندي وقناة «بن غوريون» التي تهدد قناة السويس المصرية بشكل مباشر، وبالتالي حماية مصالح مصر الاقتصادية والمشروع الصيني في المنطقة.

– تكاليف باهظة
الولايات المتحدة كزعيمة للعالم غير قادرة على الرد، فالتكلفة باهظة بحسب مسؤولين في «البنتاغون» وفق تصوّر هويدي، أمام قيمة الصاروخ الذي تبلغ تكلفته مليوني دولار لدى البحرية الأمريكية، بينما طائرة اليمنيين تُساوي 2000 دولار.. هو استنزافٌ لأميركا مقابل الحفاظ على تدفق السفن التجارية الذاهبة لميناء «إيلات» عبر باب المندب، الذي إن تم إغلاقه سيؤدي لتداعيات خطيرة، فالمضائق المائية أمر حيوي واستراتيجي برأي هويدي، ولن يُسمح بإغلاقها.
نظام عالمي بدأ يأخذ منحى جديداً بالتعاطي مع الملفات وإدارة الصراع ولم يتبقَّ إلا توقيت إعلان نهايته، هو ما ينتظر الجميع وفق هويدي، بحضور الصين ضمن تمدد وشراكات استراتيجية لإضعاف النفوذ الأمريكي، خدمةً لمصالح الدول العربية، بما فيها اليمن التي أثبتت قدرتها على فرض واقع ومعادلات جديدة، نعم.. الجميع وصل لنقطة الصفر، والعمل اليوم ضمن خطة رابح – رابح للخروج من عنق الزجاجة، والخسائر كبيرة للطرفين، لكن لا مجال للصدام اليوم برأي هويدي.

الأمريكي يسعى لتوظيف ملفات أخرى بالاعتماد على قوى إقليمية ودعم ميليشيات محلية بمرحلة ما لتغيير الواقع في اليمن، مُستبعداً المواجهة المباشرة، وسط حالة عدم تقبل لفكرة تغيّر الشرق الأوسط وقواعد اللعبة بعيداً عن سياستها.
اقتصادياً، سيؤثر قرار إيقاف السفن الصهيونية على مسار العمل، حيث إنها ستضطر للمرور من الطريق القديم المعروف برأس الرجاء الصالح وهو مكلف جداً أمام تدني عملة الشغل الإسرائيلي وفق قراءة درويش للحالة، عدا عن استهداف اليمنيين وبشكل مباشر ميناء «إيلات» شريان الكيان الصهيوني الذي لا يمكننا اغفاله أيضاً.

الموسوي: التفاوض هو الخيار الأمثل لأميركا استناداً لتاريخ طويل من الحروب الفاشلة ضد اليمن.. اليمن معادلة مختلفة كلياً مع مساحة 1600 كلم خط نار ذهاباً إياب

الولايات المتحدة بإدارة جو بايدن تعاني خوفاً سياسياً، فهو غير متزن بقراره السياسي الذي يتأرجح بين السماح بإطلاق النار تارة واستخدام الفيتو للتهدئة تارة أخرى، وهو الذي يسعى لكسب ود اللوبي الصهيوني في الانتخابات برأي درويش، هنا لا بد من النظر لزاوية التصعيد التي ليست لصالح أميركا، رغم وجود حاملتي الطائرات، أيزنهاور وجيرارد فورد، إلا أنهما لن تشفعا لأمريكا التي سبق وواجهت تدمير المدمرة نيوجرسي، فكيف اليوم وحال المقاومة أقوى، بالطبع سيتم إذلال أمريكا الغارقة في مستنقع أوكرانيا وتايوان، فما هو شائع في السياسة أن أي دولة عندما توزع قواها ستُستنزف مهما كانت قوية، تأكيدات حملها الدكتور درويش ضمن احتمالات واردة، ليثبت بالتحليل أيضاً أن الحرب المباشرة مستبعدة حتى اللحظة، فسياسة أمريكا وهي اللجوء إلى التحالفات ومنح الشرعية لعملياتها لضرب دول المنطقة وإحداث شرخ بينها باتت معروفة للجميع، وهي التي تسعى لإثارة البلبلة والفتن في المنطقة، لتبقى المقاومة هي المنتصر باعتراف العدو الإسرائيلي نفسه.

– نتيجة محتومة
هو موضوع معقد، وإن حصل فسيكون من باب إعادة التجربة، التي ومنذ عام 2015 أثبتت فشل أي قوى تحاول العبث في اليمن وفق قراءة المحلل السياسي حسين الموسوي من لبنان، ما تم تشكيله سابقاً من تحالف عربي بدعم أميركي فشل في تحقيق أي نتائج تذكر ضد صنعاء، وتعاون قسم كبير من اليمن المنقسمة أصلاً بين عدن وصنعاء يؤكد صعوبة اختراقها من قبل أحد.
أسباب الفشل تتعلق بالطبيعة الجغرافية للمنطقة الشمالية باليمن، التي تشكل وفق رواية الموسوي ثلث مساحة اليمن الفعالة وتحوي ثلثي السكان، لوجود مساحات كبيرة من الصحراء القاحلة تجعل العمل العسكري غير ممكن، الغرب استنفد قواته بالغارات الجوية التي تمت بطائرات أمريكية ودعم لوجستي أمريكي، هي معادلة لا تتوافق مع ما يجري في فلسطين وسورية، أمام مساحة تبلغ 1600 كلم خط نار ذهاباً وإياباً وفق الموسوي، هنا يمكننا القول إن احتمالات اللجوء للغارات ممكنة، فيما يبقى الاشتباك المباشر مستبعداً، لما عكسته تجربة الستينيات من ثمن غالٕ في حال دخول اليمن، لذا فالخيار الأرجح اليوم هو اللجوء للمفاوضات.

– تقييم عناصر القوة
عملية معقدة أيضاً، تحوي نقلة نوعية بين محور المقاومة وشعوب المنطقة وصولاً للدول العربية، التي بدأت بالإحجام عن المشاركة حسب تأكيدات الموسوي، هو نوع من الاستقلالية في القرار ضمن هوامش واتفاقيات جديدة، إلى جانب الطموح الشخصي البارز لدى السعودية الذي سيؤثر حتماً بهذا الأمر.

الموسوي: قواعد اللعبة اليوم تتم ضمن مسافات قصيرة بحذر ودقة في سياق استقطاب حاد في منطقة شديدة الأهمية الجيو سياسية/اقتصادية.. الأميركي هنا ضعيف وعاجز عن دخول حرب

في ملف البحر الأحمر ومضيق باب المندب تتداخل الأمور من حيث الأهمية الجيوسياسية والجيو اقتصادية، لوجود استقطاب حاد، كما أن قواعد اللعبة تتم ضمن مسافات قصيرة وبحذر ودقة، هي معادلة من الممكن أن تؤدي لنتائج لا يريدها أي طرف وفق رؤية الموسوي، فاليمني لاعب براغماتي يبحث عن دور وشرعية هي من حقه، أثبتتهم الحروب المتوالية لليمن وعدم التراجع عن مطالبه ضمن استراتيجيات متوازنة ستفرز واقعاً جديداً، أمام ضعف الأمريكي من دخول حرب وهو بصدد الانتخابات.
هم ليسوا قراصنة أو ميليشيات، بل يلعبون ضمن مخطط وبرنامج واضح، كما أن خطابهم يلقى إجماعاً يمنياً من الأطراف كافة، لدعم غزة وهو بمثابة إجماع وطني برأي الموسوي، كما أن المؤشرات والمعطيات ضمن أبعادها الاقتصادية هي بسياق التنافس الدولي، والفائدة الأكبر اليوم للصين، التي من حقها كقوة عظمى أن تعاقب العدو الإسرائيلي، بصفتها سوقا تنافسيا تفرض نفسها في لعبة الاقتصاد.

من الأقوى؟
أمريكا تريد ولكنها لا تستطيع، وغير قادرة لأنها لا تملك أدوات أو إرادة سياسية كما أن خياراتها محدودة في اليمن حسب الموسوي، فالمقاربة اليوم في تقييم القوة ضمن مفهوم الحرب غير المتناظرة تثبت بلا شك أن المقاومة هي الأقوى، ضمن مسار 30 سنة، أظهرت خلالها تقدماً على الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، بتضييق خياراتها هي وكيان الاحتلال، فالمسار تصاعدي بالنسبة لها، وعلى كل المستويات «ثقافي، سياسي، توعوي، استقلال»، مع اختلاف المؤشرات لدى ما كان يسمى دول الاعتدال العربي، ممن نالوا نسبةً من استقلاليتهم إثر صمود المقاومة بوجه أمريكا.

د. درويش: التحالف الأميركي الجديد مصيره الهزيمة، أمام إغلاق البحر الأحمر وما سيتبعه من تفاعلات دولية سياسية واقتصادية أولها إيقاف المشروع الهندي وقناة بن غوريون

استناداً لمبدأ النقاط وليس الضربات القاضية لوجود عناصر ردع، بلا شك محور المقاومة هو المتقدم والأقوى، كما أنه سيُخرج أمريكا من المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، فالمسألة محسومة برأي الموسوي، هي نتيجة حتمية لما تم العمل به مؤخراً من تشابكات جديدة بين سورية والصين، أكدت قدرة سورية على تعطيل أي مشروع يهدد الأمن القومي السوري أو العربي، لوجود مصلحة مشتركة، واقع لا يمكن لأحد أن ينكره، جسدته زيارة الرئيس بشار الأسد للصين، لما تمتلكه سورية من دور حيوي، واليوم اليمني دخل الخط ليعزز المسألة ويرجح كفة مشروع الحزام والطريق وليضع عقبات وعوائق حقيقية، تجعل من الجدوى الاقتصادية لمشروع الممر الهندي محلاً للتساؤل.

 

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. الصين وروسيا والمنطقة.. كل هذا الحظ؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار