السياسة اسمها امرأة!
صحيحٌ أنّ المرأة لم تترك مجالاً، إلا وتعاطت بشأنه، سواء كان هذا التعاطي قليلاً، أو كثيراً، وسواء أصابت، أو جانبها الصواب، وأخفقت.. لكن ربما القلائل يعرف إنه كان للمرأة ذات حينٍ مبكر من الزمن، من أيام القرن العشرين، ثمة تعايش مع السياسة، تتعاطاها، وتخوّض في وحولها…
في كتابه ” نساء من الشرق الأوسط “، وعنوان فرعي آخر هو “السياسة اسمها امرأة”؛ يُلاحق ناصر الدّين النشاشيبي من خلاله عشرة من الأصوات النسائية، كان لهنّ صولات في خبايا السياسة، والطريف إن لمعظمهنّ كان لهنَ أسماء مستعارة، تماماً كمن يصدر بيانات سرية، وجميعهن كنّ أما من بلاد الشام، أو من مصر، والتي اشتغلت بالسياسة من الخليج، كانت قد تمصرت منذ زمنٍ بعيد..
أمرٌ آخر إن هؤلاء النساء لم يكنّ يتعاطين السياسة الصرفة، بل قدمن إليها من بوابة الجمال حيناً، أو من بوابة المال طوراً، وتارةً الجاه والمكانة الاجتماعية، وكان لهنّ – وهذا هو الأدهى – بصمتهنّ على رجال السياسة، وغالباً ما كانت بصمة قاتلة.!
فعن “عبلة اللبنانية” يقول النشاشيبي: لبنانية الأصل على درجة من الذكاء، تزوجت شاباً فلسطينياً يافاوياً، وبفضلها تمّ اختياره ضابط ارتباط رئيسياً في شركة بترول العراق عام 1935، ومن ثمّ توثقت علاقة الزوج بـ”المستر سوكي” الإنكليزي مدير الشركة.. هذا الأخير الذي “ذاب” هياماً بها، وبناء على هذا “الذوبان” أسست أول وأكبر شركة هندسية عربية للإنشاء والتعمير، ومن ثمّ ليكون لديها عشرات العلاقات مع كبار المسؤولين في الشرق الأوسط، وعند عودتها إلى لبنان كان في استقبالها زعيمٌ وسيم شاب، سيصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية اسمه كميل شمعون، لكنها بعد كلّ هذا “الجاه” السياسي، ستعيش وحدة قاتلة بعد موته.!!
المفارقة، إنه، وبعد قراءة سيرة هؤلاء العشرة الرائدات في ميدان السياسة، سيكتشف المتابع، إن الثقافة لم تكن مهمة في حياة هؤلاء النسوة، وبوابات الدخول إلى دهاليز السياسة كان أولاً الجمال، وثانياً الذكاء، وعلاقات كثيرة، والدخول في خفايا وزواريب المخابرات عربية منها، وأجنبية، وحتى من بوابة القتل، والجريمة، غير أنّ الصدمة بعد كل هذا “العز” السياسي، تأتي النهاية الدرماتيكية: وحدة، وفراغٌ مرعب، وميتةٌ نكراء!!
هل نحدثكم عن “قوت القلوب”؟!، كانت (قوت القلوب الدمرداشية)، لا يستطيع أحد نكرانها، فقد استطاعت فرض شخصيتها وبصماتها لا على المجتمع المصري فقط، بل على المجتمع العربي وعلى الكثير من زعماء العرب أيضاً، الذين اعترفوا: إن لا منزل مصرياً يحتفي بوجودهم، ويدق أبواب الزعماء أمامهم سوى قوت القلوب، فقد عاشت حياتها عكس التيار، وكانت محسوبة على السراي الملكية، وتحلم ولو بقسطٍ من (شجرة الدر).. وفي إحدى زياراتها التقليدية لفرنسا، وإيطاليا، صدر قرار التأميم لأملاكها، فقررت ألا تعود إلى مصر، ثم ما لبست أن قُتلت على يد ابنها بعد نقاشٍ حامٍ معه، انتهى برميها بكرسيٍّ خشبي قضى عليها في الحال.!!
ولن تختلف مسيرة كل من: كيتي، فكتوريا، كلير، زينب الوكيل، أمينة البارودي، سميحة بنت الصحراء، بنت فلسطين، والهاشمية، عن مسيرة سابقتهن، والاختلاف بالتفاصيل فقط.
والسؤال الذي طالما خزّ خيالي، متى ستأتي المرأة بواسطة جناحيها، لا ممتطيةً أجنحة الذكورة، التي تتلبس عقليتها، ومن ثمّ تكون قاتلتها؟! وهذا ليس في السياسة فحسب، بل في كل مناحي الحياة؟.