“أم رمضان”.. عمرها ٩٣ عاماً وتحفظ القرآن والشعر وعواصم العالم.. وتكسب عيشها بيدها
تشرين – نصار الجرف:
لم يجعلها ضنك الحياة وشظف العيش، تقف عند حد اليأس واستراحة المحارب، رغم سنيها الثلاث والتسعين، ورغم حنو ظهرها كثيراً، لكنه لم يحنها عن مواصلة الكد والتعب، في سبيل العيش، بقدر كبير من النشاط والحيوية والروح الوقادة.
إنها فطيم أحمد حمادة، “أم رمضان” من مواليد ١٩٣١ في قرية تلجديد بريف سلمية الشرقي، ولكنها تسكن حالياً في قرية زغرين شمال سلمية.
تلك المرأة التي عانت ما عانته، من قساوة الحياة وبؤسها، وحزنها على إخوتها الخمسة الذين استشهدوا، وتبعهم أولادهم، ولكن يبقى أمل الحياة بوصلتها، وتبقى هي دائمة الحيوية والنشاط والتنقل بين قريتها ومدينة سلمية لتكسب عيشها.
التقيتها مصادفة في محل لأحد الأصدقاء، رغم إنني أعرفها منذ زمن، فدار بيننا حديث عن حياتها وذكرياتها، وعن ذاكرتها الوقادة وطلاقتها في الحديث.
تقول أم رمضان: ولدت في قرية تلجديد شرق سلمية، ولكني عشت في قرية العلباوي مع عائلتي، التي كانت تعمل في الزراعة بالأجرة، “بستنة” لدى عوائل هناك، وخرجنا من العلباوي أيام الوحدة بين مصر وسورية، أيام الرئيس جمال عبد الناصر، ووقتها لم يكن في القرية مدرسة، فقط تعلمنا حفظ القرآن الكريم من شيخ من قرية المويلح، والآن أعيش في قرية زغرين شمال سلمية.
وفي إجابتها عن سؤالنا: كيف تعيشين حياتك، و من أين مصدر رزقك؟
أجابت: أعيش وحيدة في منزلي في زغرين، وكل يوم آتي إلى سلمية لشراء حاجياتي، وأنا أقوم بصناعة مشغولات من القش والنايلون، ( طبقات ، قشوات، قراطل، سلات وغيرها) وأقوم ببيعها في سلمية لأكسب عيشي.
وماذا تتذكرين من سنينك الماضية من أحداث وذكريات وتراث ؟
تقول: أتذكر أننا كنا نعيش حياة بسيطة وجميلة، وأتذكر مرحلة الرئيس جمال عبد الناصر أيام الوحدة، وأتذكر أحداث الثمانينيات، وأنا فقدت خمسة إخوة استشهدوا، وفي الأحداث الأخيرة استشهد أبناؤهم، وأتذكر الأعراس والمناسبات الوطنية كلها.
وتضيف: أحفظ الكثير من القرآن الكريم، رغم إني لم أدخل المدرسة ولم أتعلم القراءة والكتابة، كما إني أحفظ الكثير من الشعر القديم والحديث وأحفظ الأغاني الشعبية والتراثية والهنهونات.
وكيف تحفظين ذلك وأنت لا تعرفين القراءة والكتابة؟ تجيب: هم يقرؤون لي وأنا أحفظ، وأحفظ الشعر القديم لامرئ القيس وعنترة، وأحفظ للشعراء الأمويين كجرير والفرزدق، والعباسيين (أبو فراس الحمداني والمتنبي وأبو النواس)، وأحفظ لأبي القاسم الشابي ولسليمان العيسى، وأحفظ أيضاً عواصم العالم ومطاراتها.
لتضيف: يقول جرير في رثاء امرأته: لولا الحياء لهاجني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار.
ويقول أبو فراس الحمداني: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
ويقول أبو القاسم الشابي: من يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.
ويقول سليمان العيسى: على أقدامنا سقط المحال وأورقت الرجولة والرجال
سرايا من ترابك يا وطني نبتنا من شموخك ما نزال.