ولايزالُ ديوان العرب!!
أعترف؛ إنهُ كلما قرأت رواية مُترجمة، لاسيما إذا ما توفر لها مُترجمٌ بحجم: صالح علماني، عبدو زغبور، جعفر العلوني، وسواهم.. أتساءل: ما الذي دفع ذلك الناقد منذ عقدين من الزمن ليُعلن “موت الشعر”، آخذاً منه مُصطلح (الشعر ديوان العرب)، ويُلصقها بتهورٍ بجنس الرواية، مُعلناً حينها وبكلِّ انتشاء انتصار الرواية على غيرها من الأجناس الإبداعية؟!!
مرَّ على إطلاق ذلك المُصطلح ما يُقارب وربما يزيد على الثلاثة عقود، ولم نرَ ما يؤكد صواب ذلك الإعلان الذي جاء مُتسرعاً، وربما متهوراً ودون دراسة، وإنما جاء بعد احتضان أكثر من جهة عربية وغير عربية لجنس الرواية دون غيرها، وأغدقت عليها المسابقات والجوائز دون سببٍ مُقنع.. فما صدر من روايات عربية منذ ذلك الإعلان عن زمن (الرواية ديوان العرب)، لم يصل إلى أعتاب ما نُشر من سوية الرواية في أمريكا اللاتينية، أو في اليابان، وحتى في إفريقيا، وكذلك في أوروبا.. وما زلت أتحسّر على الرواية العربية كلما قرأت رواية أجنبية مُترجمة..
فيما القصة القصيرة التي شهدت توهجاً عربيّاً خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، سرعان ما وصلت إلى مرافئها الأخيرة، واختزلت في محنة القصة القصيرة جداً التي هي الأخرى تلفظ أنفاسها الأخيرة على شواطئ الأفعال الماضية والتغميض..
في السينما؛ الأمر ليس بعيداً عن هذا الخواء، قارنوا بين ما يُنتج من سينما عربية، وبين الأفلام الأجنبية، حيث لابدّ للمقارن من أن يُصاب بذات الخيبة، فيما المسرح، ومنذ أوّل عرض مسرحي الذي قام بإعداده رائد المسرح السوري أبو خليل القباني في بدايات القرن العشرين، والذي كان عن نص “البخيل” لـ”موليير”، وإلى اليوم يعيش المسرح محنة الندرة في النص، رغم توفر أسماء لامعة في الكتابة المسرحية خلال النصف الثاني من القرن الماضي، ثمّ كان أن أغلقت الدائرة!!
وحده الشعر، الذي بقيت مراكبه تُبحرُ عبر المرافئ، ولا تنتهي عند شواطئ تقليدية حتى تتجاوزها بانعطافة مُدهشة، حيث كان الشعر يتجاوز كل سكون وإن كان ثمة سكون طال كثيراً في مراحل ظلامية من التخلف والاستعمار..
بدأ ذلك منذ (أبو النواس) في الزمن العباسي، ومن ثمّ توالت الانعطافات الشعرية، سواء في بنية القصيدة، ومضامنيها، وشواغلها، وفي لغتها، أو في أشكالها.. ليس هذا فحسب، بل “تسلل” الشعر إلى الكثير من الأجناس والأنواع الإبداعية الأخرى، واليوم لا يُعوّل على إبداع لا يحملُ في طيّاته الكثير من الشعر ابتداءً من الرواية إلى القصة القصيرة إلى السينما، وصولاً إلى اللوحة التشكيلية..
وحده الشعر دون غيره (ديوان العرب)، ولا تزال القصيدة العربية تُباهي الشعر في كلِّ العالم من أيام العمودي الموزون وحتى آخر ومضة قصيدة نثر..
هامش:
وأنا
أتلمسُ أصابعك
كمن يتلمس أوراق النعناعِ في المساكب؛
كانت الغايةُ:
أن أنهضَ بكِ على دروب الحبق الصاعدة؛
علنا نعودُ من حيثُ هبطنا،
فقد أمسيتُ اليومَ على يقينٍ:
إنّ الشجرةَ التي قطفنا عنها الثمار،
ليست تفاحاً..
فكما أوحيّ لي
بعد رجفة بردٍ وقشعريرة؛
إنّ تلك الشجرة كانت كرمة،
وفي سبيل الدفء؛
فقد صفحَ عن إثم القطاف،
وهو يدعونا
من كلّ قلبهِ
لفتنةِ النبيذ..