التباسٌ.. أم ملامح جديدة؟!
اليوم؛ يُمكننا –ربما – الحديث عن ثلاث انعطافات في تاريخ الدراما السورية.. أقول (ربما)، لأن ما سأدعيه لاحقاً هو وجهة نظر شخصية، قد يُخالفني فيها الكثير من النقّاد والمُتابعين.
المرحلة الأولى: التأسيس والانتشار، وهي في معظمها من زمن الأسود والأبيض، ومن ملامحها: أنها قامت على الموهبة وحدها، وليس على الدراسة الأكاديمية، حتى إن الكثير من القائمين على صناعتها حينها، لم تتجاوز شهادات بعضهم الابتدائية.. ومن ملامحها أيضاً أنها كانت باللهجة الدمشقية المُقعرة، والتي لم تكن قد هُذبت بعد من مثل: «يا زلسة ع الزسر.. أو السمس طلعت من ورا الزوزة.. إلخ».. واللافت أن انتشار الدراما كان عربيّاً منذ ذلك الحين، ولاسيما من خلال الأفلام السينمائية، وفي بعض العروض المسرحية، وكذلك الدراما التلفزيونية التي ظهرت مع ظهور المحطات التلفزيونية المحلية.. أما أهم ملامحها فهي أنها لم تكن قد وقعت في مطب (دراما المواسم)، التي صُنعت لتطويلها ثلاثين حلقة، وبثها خلال شهر رمضان دون غيره.
الانعطافة الثانية: جاءت ملونة أكثر، لأن الكثير من الأعمال الملونة تُصنّف مع المرحلة السابقة،ولاسيما في اعتمادها على الموهبة، وهنا دراما تعددت ملامحها أكثر، ولاسيما أنها جاءت مع تخرّج الدفعات الأولى في المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي دمج بين الموهبة والثقافة العالية من خلال الدراسة في المعهد، ومن ثمّ سيبدو الفرق شاسعاً بين الذي اعتمد على الموهبة فقط، ومن وضع لنفسه «كارتر» وصورة نمطية لم يستطع تجاوزها في الأداء، وعندما حاول الخروج منها، لم يحصد أي تجاوز إن لم نقل قد فشل..
الخريجون من المعهد وضعوا الدراما السورية في منافسة أهم الدرامات العربية، وعندما تدفقت على صناعتها أموال هائلة من الداخل والخارج، وجدناها قد أمست في الصدارة، ولاسيما مع انتشار القنوات الفضائية العربية.. غير أن الأمر لم يستمر طويلاً حتى وقعت أسيرة مقولات فكرية يريد نشرها صاحب المال المتدفق ولاسيما من الخليج العربي، فكان من ملامحها أمران، عدّا سلبيين طول الوقت، وهما: مطب دراما المواسم ومط الأعمال لتصير ثلاثين حلقة لتناسب أيام شهر رمضان، وتحوّل اسمها إلى (الدراما الرمضانية)، كما غلب على نتاجها الدراما الدمشقية بصورة كثيراً ما كانت صورة مزيفة عن دمشق، ولم تصل لمستوى الدراما الدمشقية التي بدأت بها تأسيسها، فنساء هذه الدراما كنّ طول الوقت دون شخصية «فطوم حيص بيص»في انفتاحها واختياراتها في الحب والعمل جنباً إلى جنب مع الرجل، بينما بقيت نساء الدراما الجديدة نساء السلطنة العثمانية وحريمها.
اليوم تدخل هذه الدراما مرحلتها الثالثة، آخذةً بعضاً من المرحلتين السابقتين لانطلاقتها الجديدة، فقد عادت إلى بعض من بداياتها منها: عدم انتظار (الموسم الرمضاني) للإنتاج والعرض، ومن ثمّ بدأت تتخلص من عقدة المط والتطويل للوصول للثلاثين حلقة، وها هي تُبشر بقدوم الفيلم التلفزيوني، مع تكثيف الحلقات إلى العشاريات، والسباعيّات والخماسيّات كما في بداياتها.. كما لم تعد حكراً على القنوات الفضائية، وإنما ظهرت المنصات الإلكترونية التي تبدو أنها ستحمل الإبداع الدرامي لمرحلة قادمة قد تطول أو تقصر.. إنها دراما المنصات..
لم ينتهِ الحديث بعد، فثمة بقيّة..