«طلقّهم يا عبدو» ومناخات السرفيس
في مناخات (السرفيس)، ثمة ثقافات واسعة، تسمحُ للمتابع بأن يُصنّف الكثير من الحالات الثقافية، تبدأ من تنويعات الأغنية، وهذه أهم مناحي ثقافة السرفيس، إلى التحليل الاقتصادي، ويأتي بعده مباشرةً التحليل السياسي، ولن تنتهي التنويعات الثقافية عند المواعظ الدينية.. لأنّ «شوفير» السرفيس؛ هو (صانع المحتوى) – ترى حلوة هي صانع محتوى مو؟! -، ومن ثمّ هو المتحكّم بنشر الثقافة التي يُقدّمُها للمتابعين سواء تمّ الأمر بإرادتهم، وهذه نادرة، أم غصباً عنهم.. فلا مناص لـ(الراكب) من الاستماع لمضامين صانع المحتوى، مهما حاولت الانغماس في أحلام اليقظة، حتى إنّه لامناص من تأثير (محتوى) مناخات السرفيس، في مضامين حلم اليقظة نفسه الذي تسعى لصياغته، والذي تتوهم بأنك صانع محتواه، لأن مُكر (اللاوعي) – الله لا يفوقك يا فرويد – سيسرق الكثير من محتويات «صانع محتوى السرفيس» أقصد السائق، ليساعدك في تشكيل وصياغة حلم اليقظة الخاص بك، لدرجة وأنت تحاول صياغته للهروب من النتاج الإبداعي للسائق، وفي غمرة المنافسة الضارية بين صناعتك وصناعته، لم تنتبه للصبية الجميلة التي جلست بجانبك رغم أن عطرها وصل إلى أعماق حاسة الشّم لديك، وأنت تنظر من النافذة بعيداً، وتتخيل نفسك (عبدو أي ماغيرو) بطل أغنية الفاضلة سارية السواس، وهي تصرخ بوجهك: «طلقني ياعبدو ياعبدو طلقني».. وتسأل نفسك، أو ربما تتخيل نفسك تواجهها بالسؤال: « طيب بس فهميني ليش؟!»..
وأسوأ ما في الأمر – وعلى سيرة طلقني يا عبدو – ولاسيما إذا كنت صحفياً ومتابعاً للشأن الثقافي، خطورة أن تدخل في تحليل «محتوى» الأغنية، وتسأل نفسك: حسناً فهمنا أن تطالب المغنية ، ومثيلاتها الرائعات أيضاً – منشان ماحدا منهن تزعل – عبدو بالطلاق، لكن أن يُطالب «مطرب» ذكر عبدو بالطلاق، فهنا سيصيبك الأمر بالفزع بالتأكيد، لدرجة عندما تنزل من السرفيس في آخر الخط، سيدفعك فضولك للاتجاه صوب مقدمة السرفيس، وتتأكد من صانع المحتوى، أقصد من سائق السرفيس، إنه لا يضع علم المثليين – ما غيرو تبع قوس قزح – على وجهة «الحافلة»..
لأنه طول الوقت كان في ذهنك عبدو، ألم يدفعك حلم (اللاوعي تبع فرويد) للمحاكاة، والتمثّل والظن بأنك عبدو الذي تصرخ في وجهه المغنية طالبةً منه الطلاق، وتسأل نفسك الكثير من الأسئلة من مثل: «كنو صحيح؛ ليش إيمتى كنت مثلي الجنس..»، أو «معقول عم تطالبني بالطلاق، معناها أكيد حاطة عينها على واحد غيري».. وفي النهاية تصحو على المسافة بين الـ(هو)، والـ(أنا)، وتنظر إلى عبدو بعين الصديق وربما بعين الشفقة والرأفة، حيث تكون ملامح عبدو قد اكتملت في مخيلتك مع الصفات الجوانية والخارجية، وتخاطبه:«الله يعينك يا عبدو، عن جد ضيعان شبابك، لقد ضاع في الذهاب والإياب إلى المحاكم الشرعية، حيث الكلُّ يُطالبك بالطلاق، رجالاً ونساءً، وشو بدك تطلق حتى تطلق يا عبدو؟!!».