النصُّ العاجلُ
في حين كانت كتائب المقاومة الفلسطينية واللبنانية لا تزال تُسدد صواريخها إلى (عسقلان والجليل) المحتلتين في فلسطين، أو وهم يجتاحون ما أطلق عليه «غلاف غزة»؛ كان المُبدع السوري يُسابق المراسلين الحربيين في صياغة الحدث كنصٍّ عاجل يُقلص من خلاله هيمنة المستحيل، ولاسيما من خلال وسائل الميديا الجديدة، ومن خلال أكثرها انتشاراً «الفيسبوك»..
الحدث هنا الذي يأتي كرجاء، وبمنتهى الدهشة؛ يدفع النص الذي يخرجُ من الأعصاب، ليبسط نفسه على أي حامل: صحيفة، قناة تلفزيونية، ووسائل الميديا الجديدة، والأخيرة التي تأتي كـ«ترمومتر» لقياس مزاج الناس.
ورغم كل الحصار الذي فرضته القوى الداعمة للإرهاب الصهيوني، والتي هي من تمتلك وسائل التحكّم بـ (الميديا) الجديدة على تنوعها، إذ عمدت خوارزمياتها إلى حذف كل (محتوى) يُقارب حقيقة ما يحدث، حتى ولو بمفردة.. الأمر الذي جعل النصوص تلجأ إلى «الشيفرة»، فبدل أن تكتب (فلسطين) بكامل جلاء حروفها، قد يضطرُّ المبدع لأن يقوم بترك فراغات بين الحروف، أو الوسيلة الثانية بتبديل بعض الحروف في المفردة العربية بحروفٍ لاتينية، في سبيل الالتفاف على الرقابة والحظر.. في سابقة تجعل من يدّعون الديمقراطية، في الصف الأول مع كذبة هذا الكون..
النصوص العاجلة التي تُصاغ اليوم، كما كانت تُصاغ في الأمس بعد كلِّ إدهاش يُحققه الجيش السوري في الميدان من جنوب سورية إلى شمالها، وحتى أقصى شرقها..
واليوم على نبض القلب نفسه من شمال فلسطين إلى جنوبها.. نصٌّ سيتنوّع في دفق الصياغة من تعطيل مطار «بن غوريون» إلى ترحيل الصهاينة من مستوطناتٍ في الشمال أو الجنوب، الأمر الذي يجعل النص طازجاً كالحدث، بمعنى لم ينتظر صاحب النص طويلاً ليكتب نصه الذي يُحلل الحدث أو يقرؤه بطريقةٍ ما، إنما أصبح المُعادل الإبداعي مُتشابكاً مع اللحظة – الحدث في الآن وهنا.
لاشك في أن ثمة تفاوتاً تفرضه السرعة في إنجاز هذا النص، وكذلك الحالة العاطفية للأديب المُنتظر الرجاء والفرح، وليس المبدع الذي لا يحمل من الوطن سوى الجنسية.. إذ بقي الصامتون على صمتهم، وشكك من يتعاطفون مع المُعتدي، وقد أمسوا معه في الخندق ذاته، بينما لا يمل آخرون من التقليل من أهميّة ما يحدث.. في حين كان النص السوري الحقيقي يأتي عفو الخاطر، جاء كأمل، وحالة لا تنتظرُ التأجيل، ولا تُقلل من قيمته المُباشرة التي كانت سمته.
نتحدث، كما أسلفنا، عن «النص العاجل» الذي يُسابق الخبر العاجل ليُقدم مقولته بأبلغ ملامح وأركان الأدب الوجيز.. نصوص في تقديري تحتاج وقفة طويلة في دراستها سواء جاءت من قامة بحجم نزيه أبو عفش، أو محمد عيسى وغيرهما إلى نصٍّ لكاتب عادي مُترع بجماليات مختلف الأخطاء الإملائية والنحوية..
هامش:
نعشقُ
هذه الأرض
بكلّ الجمال الذي يدبُّ عليها
و.. هي
تضعُ أجسادنا نصب عينيها
لتغمرها بعيداً وعميقاً..
ربما
تحسبنا بذرة..