هنا غزة.. هنا فلسطين.. ألم نقل أن التاريخ أقرب إلى أن يُعيد نفسه؟

تشرين – مها سلطان:
بالأمس فقط قلنا -عشية ذكرى نصف قرن على حرب تشرين التحريرية – أن «التاريخ أقرب إلى أن يُعيد نفسه» وأنه ليس بالضرورة وليس مطلوباً أن تكون هناك حرب تشرين أخرى بالصورة نفسها، فلكل مرحلة ميادينها ومعاركها وقادتها.. واليوم غزةُ فلسطين تعيد الإمساك باللحظة التاريخية، وتزلزل الأرض والسماء من تحت ومن فوق العدو الإسرائيلي، وسؤال كبير تصدر المشهد العالمي، وليس فقط الفلسطيني أو ساحة المنطقة: أين هو الجيش الإسرائيلي.. أين سلاح الجو والقبة الحديدية.. في أي أوكار اختبأ قادته؟.. الأسئلة تتوالى دون توقف. المقاومة وحدها هي من يجيب، الكلمة الأولى لها، وقرار الحرب بيدها.. والتاريخ هي من يكتبه.
فجأة، اختفى الجيش الإسرائيلي، المقاومة الفلسطينية اقتحمت المواقع والمعابر، واحتلت السماء بصواريخها، دمرت وأسرت، وما زالت تسطر البطولات.. المعركة مستمرة و«طوفان الأقصى» كما حرب تشرين التحريرية أغرق العدو الإسرائيلي في شبر ماء وهو الذي كان يتبجح قبل أيام وهو يتذكر هزيمته الكبرى في حرب تشرين التحريرية 1973، بأنه لن يتورع عن «استخدام كامل القوة» ضد كل من يطلق رصاصة واحدة باتجاه الكيان الإسرائيلي، وقلنا أنه يستطيع أن يستخدم كامل القوة لكنه أبدأً لا يستطيع أن يتفادى هزيمة أخرى مذلة، ولن تستطيع الولايات المتحدة الأميركية انتشاله منها كما فعلت في عام 1973.
التكتيك والدقة والتوقيت والبسالة، وعنصر المباغتة، والبث المباشر الذي تعتمده المقاومة الفلسطينية في توثيق بطولاتها وانتصاراتها، حشر العدو الإسرائيلي في أضيق زاوية، لتتوالى اعترافاته، وليُعلن عن أنه بمواجهة «حرب كبرى» وأن العديد من المواقع العسكرية والاستيطانية باتت تحت سيطرة المقاومة.. أكثر من ذلك، تحوّل الكيان إلى مستوطنات أشباح، لا يجرؤ مستوطن واحد على الخروج من الملاجئ.. المطارات والطرق وكل ما يمت للحياة بصلة في حالة إغلاق شامل.
كل ما استطاع العدو الإسرائيلي التصريح به بمواجهة هذه «الحرب الكبرى» التي انطلقت صباح هذا اليوم، أنه خلال ساعات سيستعيد زمام السيطرة، من دون أن يكون قادراً على الإجابة عن سؤال: أين الجيش الإسرائيلي، أو أن يرد على مستوطنيه الذين كانوا يفرون بالمئات وهم يصيحون غاضبين متحدثين كيف أن «جيشهم» خذلهم وأنه هرب قبلهم.
لن يستطيع العدو الإسرائيلي استعادة السيطرة بعد بضع ساعات، ولا أيام ولا أسابيع، وحتى لو فعل، فهو لن يستعيد «هيبته التي جرفها «طوفان الأقصى». تستطيع الولايات المتحدة التدخل، ولكن ليس عسكرياً بالمطلق، هي ستفعل كما فعلت في حرب تشرين التحريرية، ستهروّل إلى التفاوض من جهة، وممارسة الضغوط من جهة ثانية، وقد تنجح (على الإغلب لن تنجح) ولكنها لن تستطيع بالمقابل أن تنكر بأن النهاية اقتربت، وأن هذا الكيان «أوهن من بيت العنكبوت».
ربما ما يُعول عليه العدو الإسرائيلي اليوم، أكثر مما كان عليه في حرب تشرين التحريرية، أن الأميركي مُجبر على التدخل لمصلحته، فهو على مرمى عين، وتواجده في المنطقة (سورية) مرتبط بنتائج هذه «الحرب الكبرى» على الكيان الإسرائيلي، فإذا ما انتصرت المقاومة – ولو جزئياً- فهذا يعني بداية العد التنازلي لتواجده. (وإذ نقول جزئياً فلئن المخاوف والخشية دائماً قائمة عندما يتم الالتفاف سياسياً وتكون الضغوط السياسية من أهل البيت تماماً كما كان الحال في حرب تشرين التحريرية) ومع ذلك فإن العدو الإسرائيلي وإن نجا هذه المرة فلن يكون حاله كما قبلها. المقاومة الفلسطينية رسمت مساراً تاريخياً مستقبلياً لا يمكن الرجوع عنه.
وإذ نربط بين المقاومة الفلسطينية اليوم وحرب تشرين التحريرية فإن فيها الكثير جداً من هذه الحرب وليس فقط بسبب التزامن، العدو الإسرائيلي نفسه فعل ذلك، وكل الإعلام في المنطقة وعالمياً فعل ذلك.
اليوم أكثر ما تخشاه إسرائيل (ومعها أميركا نفسها) أن تتوسع الحرب «داخلاً وخارجاً» والحديث هنا لقادة المقاومة، هو تهديد أطلقته، وهي قادرة على المضي به حتى النهاية.. والمقصود هنا في الداخل الفلسطيني (داخل الكيان) والمقصود بالخارج هو محور المقاومة. أكثر ما يخشاه العدو الإسرائيلي أن تُفتح عليه جبهة الشمال أيضاً، حيث المقاومة اللبنانية تترقب التوقيت واللحظة.
يكاد يمضى هذا اليوم دون أن يستطيع العدو الإسرائيلي اتخاذ خطوة واحدة على الأرض، أو الإجماع على قرار واحد.. متى وكيف وأين، وهل ينتظر الأميركي؟
إذاً.. مرة أخرى، الانتصار هو إرادة وقرار. المقاومة (ومحورها) تثبت مجدداً أنها تمتلك القوة والقرار وإرادة التنفيذ والقدرة على الانتصار وسحق العدو.

ما تفعله المقاومة الفلسطينية هو تذكير مُدمر للعدو الإسرائيلي بأنه أضعف من أن يواجه طرفاً واحداً في محور المقاومة، فكيف سيكون حاله إذا ما اجتمع محور المقاومة كاملاً.. وهو تذكير للمحتل الأميركي أيضاً (وحلف العملاء والمتآمرين والمؤتمرين بأمره) أنه إلى زوال، وأن المسألة مسألة وقت فقط، وعندما تقول غزة فلسطين كلمتها الأخيرة.. يكون لكل حادث حديث.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار