استدراج للوقوع بالفخ.. الزيادة في الاقتراض تدفع الدول النامية للغرق في الرمال المتحركة

تشرين- يسرى المصري:
وكأنه استدراج للوقوع بالفخ.. فما أن تبدأ الدول بالحصول على قرضها الأول حتى تفاجأ بتدخل ناعم في كل ملفاتها الاقتصادية ومع كل قرض جديد يتضح أن الأموال التي تحصل عليها تلك الدول لم تكن طوق نجاة وإنما الغرق في الرمال المتحركة.
وهكذا مع تدهور الوضع الاقتصادي العالمي وارتفاع معدلات التضخم وتوقعات تراجع معدلات النمو في عديد من البلدان خلال السنوات التالية لجائحة كورونا، تجددت التحذيرات من تعثر كثير من الدول النامية عن سداد المديونيات المستحقة عليها.
تلك الدول التي سقطت في دوامة الاقتراض من المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والدائنين من القطاع الخاص، بهدف سد عجز ميزان مدفوعاتها، ارتفع عددها لقرابة 46 دولة خلفت ديوناً عامة بلغت 782 مليار دولار في عام 2020 من أصل 54 دولة، وفقاً لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، فيما بلغ الدين الكلي العالمي إلى 303 تريليونات دولار بنهاية عام 2021 بحسب تقارير معهد التمويل الدولي “IIF”.
التحذير الأحدث، أطلقه رئيس إدارة أفريقيا في صندوق النقد الدولي أبي سيلاسي خلال الشهر الحالي، على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، مطالباً بزيادة الدعم الدولي لمساعدة البلدان في التغلب على أزمة التمويل، لافتاً إلى أن عدداً من البلدان الأفريقية الأخرى مثل مصر وتونس معرضة لخطر التخلف عن السداد، فيما تحتل خمس دول عربية قائمة الأكثر عرضة للتعثر.
ووفقاً للبنك الدولي، فإن 46 في المئة من مدفوعات الديون عالمياً هي لمقرضين من القطاع الخاص، باستثناء الصين، ونحو 30 في المئة للمؤسسات متعددة الأطراف، و12 في المئة للحكومات الأخرى و12 في المئة للمؤسسات الصينية العامة والخاصة.

بداية السقوط: سداد الدين بالدين

يؤكد المحلل الاقتصادي أنس نغنغ أن الدول التي تسقط في دائرة الاستدانة هي من ترتكب الخطأ الجوهري الأول الذي يكون سبباً في دخولها دوامة الاقتراض ثم العجز عن السداد، موضحاً أن القروض التي يمنحها صندوق النقد الدولي لأي دولة يكون الهدف منها إجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد ليكون قادراً على الإنتاج وسداد القروض، وأن ما يحدث في الواقع الفعلي هو قيام الدول المقترضة باستخدام تلك الأموال في سداد ديون أخرى، أو ضخها في مشروعات غير إنتاجية لن تسفر عن جلب عوائد دولاريه لتبدأ رحلة السقوط في فخ الديون التي تحول كل إيرادات الدولة لسداد ديونها.

ويرى نغنغ أن توجيه أموال القروض لخلق مصادر إيرادات جديدة بالدولار مثل التصنيع أو السياحة أو التعدين هو أول الحلول، بجانب إمكان استخدام أدوات الدين مثل السندات في تحويل الديون قصيرة الأجل لديون طويلة الأجل بشكل يخفف العبء عن ميزان المدفوعات في السنوات القريبة، وبهدف توزيع الديون على فترات أطول بالتزامن مع البحث عن زيادة مصادر الدخل بالعملات الأجنبية، أو زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتوفير العملة الأجنبية، مع ترشيد الإنفاق، سواء في الاستيراد واستبداله بمنتجات محلية أو الوقف الفوري للمشروعات غير الضرورية.

ويكشف تقرير صادر عن منظمة “Debt Justice” مطلع الشهر الحالي، أن 91 دولة على مستوى العالم ستنفق في المتوسط 16.3 في المئة من إيراداتها على الديون الخارجية هذا العام، بزيادة تقارب 150 في المئة عن 2011 وهو أعلى معدل يسجل في 25 سنة.

وستكون مساعدة تلك الدول على الخروج من أزمات الديون مسألة أساسية على جدول أعمال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي التي تعقد في مراكش بالمغرب الأسبوع المقبل حسب “وكالات”، وفيما يلي نظرة على البلدان التي تواجه صعوبات حالياً.
مصر
لدى أكبر اقتصاد في شمال إفريقيا ديون 100 مليار دولار، معظمها مقوم بالدولار، والتي يتعين عليها سدادها على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتنفق الحكومة أكثر من 40 في المئة من إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون فقط، وتصل الاحتياجات التمويلية في 2024 إلى 24 مليار دولار.
ولدى القاهرة برنامج مع صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، وخفضت قيمة الجنيه 50 في المئة منذ شباط 2022، لكن خطة للخصخصة بقيمة ملياري دولار ما زالت تسير ببطء، وحادت الحكومة الشهر الماضي عن خطة الصندوق بقولها إنها ستبقي أسعار الكهرباء المدعومة من دون تغيير حتى كانون الثاني.
ويقول محللون: إن الانتخابات الرئاسية المقررة في كانون الأول المقبل تقلل فرص تطبيق أي إصلاحات، كما أن تقديم دول الخليج الغنية للدعم أمر أساسي في ضمان الوفاء بالاحتياجات التمويلية لمصر.
تونس
تواجه الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، التي مرت بالكثير من الصعاب منذ ثورة 2011، أزمة اقتصادية شاملة، وأغلب ديونها داخلية لكن موعد استحقاق سندات دولية بقيمة 500 مليون دولار يحل هذا الشهر. وقالت وكالات تصنيف ائتماني: إن تونس ربما تتخلف عن السداد.
وانتقد الرئيس قيس سعيد الشروط المطلوبة للحصول على 1.9 مليار دولار من صندوق النقد ووصفها بأنها إملاءات لن يخضع لها، كما رفض 127 مليوناً من الاتحاد الأوروبي وقال إن المبلغ قليل جداً.
وساهم الموسم السياحي في تضييق عجز المعاملات الجارية، وتعهدت السعودية بتقديم قرض ميسر بـ400 مليون دولار ومنحة بـ100 مليون دولار، لكن المواطنين ما زالوا يعانون من نقص بالمواد الغذائية والأدوية المستوردة.
لبنان
تخلف لبنان عن سداد ديونه منذ 2020 ولا يوجد سوى القليل من الدلائل على أن مشكلاته في سبيلها للحل قريباً، ورحب صندوق النقد الشهر الماضي بتغييرات طبّقها مصرف لبنان المركزي شملت الإلغاء التدريجي للعمل بمنصة صرف مثيرة للجدل والحد من التمويل النقدي للحكومة.
لكن الصندوق قال: إن المزيد من الإصلاحات الأعمق مطلوب في ظل النظرة المستقبلية “الصعبة وغير المستقرة” للبلاد، وحذر الصندوق من أن استمرار الوضع الراهن قد يدفع الدّين العام ليصل إلى 457 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي بحلول عام 2027.
إثيوبيا
سددت الجائحة ضربات قوية لاقتصاد إثيوبيا وزادت من وطأة حرب أهلية استمرت عامين منذ تشرين الثاني 2020 مع خسارة البلاد إمكانية الإعفاء من الرسوم الجمركية في أمريكا بسبب اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
وطلبت إثيوبيا إعادة هيكلة للديون أوائل 2021، بموجب إطار العمل المشترك لمجموعة العشرين الذي تأسس في الجائحة لتسريع العمليات، وفي آب سمحت الصين بتعليق جزئي لمدفوعات الديون، وعدلت «موديز» نظرتها المستقبلية لإثيوبيا من سلبية إلى مستقرة بناء على توقعات بتحقيق تقدم سريع بموجب تلك الآلية.
غانا
تخلفت غانا عن سداد معظم ديونها الخارجية في نهاية 2022، وهي الدولة الرابعة التي تسعى إلى إعادة العمل بموجب الإطار المشترك في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها في جيل.
وكان تقدمها سريعاً نسبياَ فيما يتعلق بإعادة هيكلة الديون الداخلية و30 مليار دولار من الديون الخارجية وتمكنت من الحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد بقيمة 3 مليارات دولار في أيار.
وقال وزير المالية إنه يتوقع أيضاً التوصل إلى اتفاق مع حاملي السندات بحلول نهاية العام، ورغم ذلك نزل محتجون إلى شوارع أكرا مؤخراً اعتراضاً على ارتفاع تكلفة المعيشة والبطالة والصعوبات الاقتصادية.
كينيا
يقول البنك الدولي: إن الدّين العام للدولة الواقعة في شرق إفريقيا يبلغ 67.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعرضها لأزمة ديون محتدمة، ورشدت حكومة الرئيس وليام روتو الإنفاق واقترحت مجموعة من الزيادات الضريبية، الأمر الذي خفف بعض المخاوف بشأن تخلف وشيك عن السداد، لكن ارتفاع أسعار النفط أذكى التضخم وفقدت العملة أكثر من 16 في المئة مقابل الدولار هذا العام ما أثار الشكوك حول القدرة على المضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات، وعلى كينيا سداد ملياري دولار من السندات الدولية العام المقبل، ولذلك تجري محادثات مع بنك التنمية الإفريقي والبنك الدولي لدعم الموازنة.
باكستان

تحتاج باكستان إلى 22 مليار دولار لخدمة الدّين الخارجي ودفع الفواتير الأخرى لـ 2024، وتتولى حكومة تسيير أعمال المسؤولية حتى الانتخابات التي ستجرى في كانون الثاني، وقد وصلت معدلات التضخم والفائدة إلى مستويات تاريخية، كما تبذل البلاد جهوداً مضنية لإعادة الإعمار بعد فيضانات مدمرة شهدتها العام الماضي.
وتوصلت في حزيران إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة مع صندوق النقد يتعلق بخطة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار، وتلا ذلك تعهد السعودية والإمارات بضخ نقدي بملياري دولار ومليار دولار على التوالي.
ويقول مراقبون: إن الاحتياطيات وصلت بنهاية أيلول إلى ما يكفي حتى إجراء الانتخابات، لكن هناك شكوكاً حول المدة التي ستتمكن فيها باكستان من تفادي التخلف عن السداد من دون الحصول على الكثير من الدعم.
زامبيا اللمسات النهائية على مذكرة ديون بنهاية العام.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار