أول ما خوّض الأديب يوسف المحمود بالشّعر الذي كان يشهد نهضة في ثلاثينيات القرن الماضي، وله “سوقه” ولاسيما في شعر المراثي، والذي تزامن مع دخول صحيفة “صوت الحق” لأول مرة لقريته – كفر شاغر- في منطقة الدريكيش..
في المفترق الآخر وبسبب تعسف الانتداب الفرنسي، ومصادرة مواسم الحرير، الموسم الرئيس لتلك القرى، يصبح المحمود صحفياً لأول مرة من خلال مجلتي “الصباح” الدمشقية و”العرفان” التي تصدر في صيدا.. وهنا ولأول مرة أيضاً تدخل أخبار الضيع والريف وشجونه صحافة دمشق، ولاسيما عندما اشتغل مراسلاً من ضيعته سنة1964 لصالح صحيفة “اليقظة” الدمشقية..!!
يتذكر يوسف المحمود أنه كتب الشعر خلال دراسته الثانوية، وما دونها، وهو من النوع الساخر ـ الهجاء ـ كان ينشره من خلال ملحق الدنيا، فكتب خمسين قصيدة جمعها في مخطوط بعنوان:”تي.تي..تي.تي” وبعد الجامعة وجد أن الشعر قد غادرهُ ولم يلتق به بعد ذلك فاتجه لكتابة القصة والرواية.. وأول كتابة قصصية كانت “المفسدون في الأرض” ومعظم قصصها نشرها في مجلة “النقاد” التي كان يحررها سعيد الجزائري، وبعد ذلك كانت مجموعة “البيت الذي لم يُجدد”، ومن ثمّ، كانت مجموعته التالية “سلامات أيها السعداء”.. غير أن المطبوع الوحيد ليوسف المحمود روايته ذائعة الصيت “مفترق المطر”، والتي كانت بالأساس قصة قصيرة من ست صفحات، كتبها سنة 1956، وعندما راح يُعيد كتابتها بعد ثلاث سنوات امتدت القصة لتصبح /250/ صفحة، كان عنوانها في البداية “الديكتاتور الصغير”.. تؤرخ لواقع النصف الأول من القرن العشرين مرحلة المدى المهجري والسفر والعودة و”اللاعودة” خارج البلاد..
ويرحل يوسف المحمود منذ بضع سنين دون أن ينتبه لغيابه أحد، وتبقى “مفترق المطر” المطبوع الوحيد له. وهي كما أباح لي مرةً لها اثنتا عشرة شقيقة مخطوطة، محفوظة في أدراجه لم ترَ نور الطباعة إلى اليوم، حيث يقوم أفراد عائلته بنفض الغبار عنها كلَّ حين.. يوسف المحمود الذي قضى سنوات عمره المهنية يكتب العمود الشهير الساخر في صحيفة الثورة “إلى من يهمه الأمر”.. فهل وصلت الرسالة إلى من يهمهم الأمر..؟!!
هامش:
وأنت
الجميلةُ كالوهم،
الرشيقة كحزمة قمح..
تذكري إنّ الحبَّ يا صديقتي،
متقلب الأمزجة،
وصعب المران..
فلا تتركيه يبتعدُ عنكِ،
هو تماماً كالحظ
لا يعودُ أدراجه
إلّا نادراً..
باغتيه:
عندما يطلب ساقيةً
امنحيه النهر..
وعندما يطلب زهرةً
دليه إلى البستان..
وتذكري:
إنّ في لمسة الأصابع
حياة كاملة..