سورية وتوسع «بريكس».. حديث الاقتصاد يغلبه الحديث عن ” ديكتاتورية” الجغرافيا.. ومن قال إننا لا نملك فرصة للانضمام؟
تشرين – مها سلطان
منذ بدأ تكتل «بريكس» يتحدث جدياً عن مشروعه التوسعي، وكان ذلك منذ عام 2017، أي بعد سبعة أعوام على التوسع الوحيد الذي أجراه في عام 2010 وضم إليه جنوب إفريقيا.. منذ ذلك التاريخ تركزت الأنظار باتجاه هذا التكتل وخصوصاً أن العديد من الدول أعلنت رغبتها بالانضمام إليه، إذ يكفي أن تكون روسيا والصين في صدارة أي تكتل دولي حتى تتطلع العديد من الدول إلى أن تكون جزءاً منه، بما فيها تلك التي تدور في الفلك الغربي.
احتاج حديث التوسع ذاك إلى سبع سنوات تقريباً ليدخل حيز الفعل والتنفيذ، ولتكون قمة «بريكس» في العاصمة الإفريقية جوهانسبورغ في آب الماضي فاتحة التوسع بالموافقة على انضمام ست دول، ثلاث منها عربية «السعودية، الإمارات، مصر…. إيران، إثيوبيا، الأرجنتين».. وعليه فقي القمة المقبلة التي ستستضيفها العاصمة الروسية موسكو سيكون الحضور بـ11 دولة بدلاً من خمس دول هي المؤسسة «روسيا، الصين، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا».. علماً أن الدول التي طلبت الانضمام تجاوزت الـ20، استناداً إلى قاعدة أنه يحق لجميع الدول الانضمام، وليس بالضرورة أن تكون قوة اقتصادية، فهناك الكثير من العوامل والمقومات التي تلعب في بعض الأحيان دوراً أهم من المسائل الاقتصادية، رغم أهميتها ورغم ما تقدمه الدول ذات الاقتصادات المتقدمة لتكتل «بريكس» من قوة وسيطرة ونفوذ.
ولأن هذه القاعدة قائمة نشاهد ذلك الاصطفاف الدولي طلباً لعضوية تكتل «بريكس» الذي يُمثل في الوقت الحالي قوة عدالة ومساواة عالمية على قاعدة علاقات اقتصادية وفق معادلة «رابح – رابح» ووفق تكامل من نوع ما في حال لم تكن الدولة المنضمة قوة اقتصادية.
* *
وفق ذلك أبدت سورية رغبتها بالانضمام إلى «بريكس»، وصرحت علناً بذلك على لسان وزير المالية السوري كنعان ياغي في 15 حزيران الماضي، وذلك على هامش مشاركته ممثلاً لسورية في منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي الذي انعقد في روسيا.
.. ومنذ ذلك الوقت ما زال الحديث قائماً حول سورية وانضمامها إلى «بريكس»، وما إذا كانت تملك المقومات لذلك وهي التي ما تزال «في حالة حرب» واقتصادها يعاني بشدة بسبب الحصار والعقوبات.. وتالياً ما إذا كان تكتل «بريكس» يمكنه فعلياً أن يوافق أو على الأقل يُعطي إشارة من نوع ما بإمكانية الموافقة، وخصوصاً أن سورية تمثل هنا «حالة خاصة» إذ لم يسبق أن تقدمت دولة «في حالة حرب» بطلب انضمام إلى «بريكس»، فكيف إذا كانت هذه الحرب مفروضة من القوى العظمى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وفق أجنداتها الاستعمارية لإعادة تشكيل المنطقة، وتدوير أطماعها وفق خرائط جغرافية، اقتصادية جديدة.
هنا لا يجب أن ننسى أن روسيا التي تتشارك مع الصين زعامة «بريكس»، هي حليف أساسي لسورية، في ميدان الحرب وفي السياسية والتعاون الاقتصادي، وأن إيران التي انضمت إلى بريكس هي أيضاً حليف لسورية في الميدان والسياسة والاقتصاد.. وأن سورية جغرافياً تقع في نقطة بارزة من مشروع «الحزام والطريق» الذي تمدُّ الصين أركانه في المنطقة «والعالم».
عندما تحدثت سورية عن رغبتها بالانضمام إلى «بريكس»، كان هناك فريق واسع ممن استغرب هذه الرغبة، وبعضهم سخر، وهناك من تحدث عن «طوباوية» الرغبة، فكيف لدولة تعيش وضعاً «متهالكاً» كسورية أن «تحلم» بالانضمام إلى بريكس؟
.. وفي هذا القول غباء شديد، وكأن الدولة السورية لا تعلم كل ذلك، أو أنها تتحدث فقط من باب التمظهر بمظهر القوة والتماسك كما يدعي هؤلاء، أما فعلياً فليس من أحد يدرك ما يملكه من نقاط قوة كما هي الدولة السورية، ولو لم تكن كذلك لما كان لها أن تدق «باب بريكس».
لا شك أن الاقتصاد ركن أساسي في مسألة الانضمام، ولكن ماذا عن الجغرافيا.. الاقتصادية والسياسية؟.. إنها «دكتاتورية الجغرافيا» المصطلح الذي بات يفسر كل النظريات والتطورات والأحداث التي تبدو في ظاهرها غير منطقية وغير مفهومة.
لطالما امتلكت سورية موقعاً جيوسياسياً يجعلها حليفاً مثالياً، وصلة وصل بين القارات، وقد يكون تكتل بريكس مهتماً بموقع سورية بالدرجة الأولى، ثم المسائل الاقتصادية تأتي لاحقاً أو كتحصيل حاصل للتحالف الجيوسياسي، ألا يدخل مشروع «الحزام والطريق» الصيني في هذا الإطار، ألا تحتاج الصين لسورية ليكتمل هذا المشروع.. وتالياً ليكتمل هذا المشروع ألا تحتاج الصين لترخي بكامل ثقلها مع الحلفاء الآخرين في سبيل انتهاء الحرب الإرهابية على سورية، وعودة الاستقرار والأمن إليها؟.. الحديث نفسه يمكن إسقاطه على روسيا وإيران.
هذا يعني وعلى قاعدة «رابح – رابح» أن مسألة انضمام سورية إلى التكتل ستضمن المصالح الجيوسياسية للجانبين على قاعدة الاستثمار أو لنقل الاستغلال المتبادل، ما دامت المصلحة النهائية تقتضي ذلك.
ولا نعتقد أن أحداً يغيب عن باله أن الحرب على سورية هي في حقيقتها صراع على موقعها الجيوسياسي، وعلى الموارد الاقتصادية الهائلة التي تتوافر فيها.
لا شك أن مسألة عضوية سورية ستثير جدلاً كبيراً إذا ما وضعت على طاولة البحث، وهذا أمر طبيعي ومفهوم، ولنذكر هنا أن «بريكس» نفسها ممثلة بروسيا والصين لطالما وقفت إلى جانب سورية في المحافل الدولية، وضغطت عبر العديد من «الفيتوهات» المشتركة لمنع توسيع حالة العدوان والحرب الإرهابية على سورية.. ولنذكر أيضاً بالجهود الروسية الكبيرة في سبيل استعادة العلاقات السورية – العربية إلى سابق عهدها، وكيف أن هذه الجهود كانت أحد العوامل المهمة جداً التي ساهمت في استعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية وهو الأمر الذي لاقى ترحيباً بارزاً من دول «بريكس» في قمتها الأخيرة والتي ضمنت بيانها الختامي دعماً لسيادة سورية واستقرارها ووحدتها وسلامة أراضيها.
ومن يدري، قد تفتح «بريكس» باب الانضمام أمام سورية، عبر بنك التنمية التابع للتكتل، من خلال الانضمام إليه أولاً لأن شروطه أسهل بكثير ولا يخضع للعقوبات الغربية، ولطالما دعت روسيا دول «بريكس» للمساهمة في عملية إعادة الإعمار في سورية والتي بدورها تخضع للعقوبات الغربية.
بكل الأحوال، من الآن وحتى قمة «بريكس» المقبلة في روسيا والتي ستعقد في مدينة قازان في تشرين الأول 2024 تحت شعار «تعزيز التعددية من أجل تنمية وأمن عالميين عادلين».. من الآن وحتى هذه القمة قد تتغير أمور كثيرة، وقد نشهد انطلاق مسارات جديدة، إذ إنه وفق فريق واسع من المراقبين ستكون سورية «والمنطقة عموماً» في المرحلة المقبلة في حالة تركيز دولي قد يفضي إلى تحولات ميدانية مهمة.. لننتظر ونرَ.