ملف «تشرين».. من مجمع للإخفاق إلى مسارات واعدة للتفوق.. إصلاح منظومة التعليم المهني لم يعد خياراً ترفيهياً بل حالة مصيرية على طريقة “نكون أو لا ….”

تشرين – ميليا اسبر:

أن يصبح المتفوّقون هم طلبة التعليم المهني، هو المتغير النوعي المنتظر إن كنا حقاً نريد لهذا التعليم ” الإستراتيجي” أن ينهض وأن نؤسس عبره لمنظومة كوادر بشرية قادرة على النهوض باستحقاقات التنمية، وردم الفجوة التي تعانيها البلاد وهي فجوة تقنيّة وتقانية بكل أبعادها.
المتفوّقون هم الطلبة المفترضون للتعليم المهني إن كنا نرغب بإصلاح خلل مزمن، لا من لم تسعفهم حظوظهم و إمكاناتهم لحصاد ما يجب من علامات في شهادة التعليم الأساسي، فندفع بهم إلى حواف الفشل والإخفاق، أي نزيد إخفاقاتهم إخفاقاً.
تغيير الصورة النمطيّة السائدة حول القبول في التعليم المهني أصبح ضرورة ملحة، ولاسيما في الوقت الراهن، تزامناً مع التقدم التقني والثورة الصناعية المتقدمة، والحاجة الماسة لتطوير التعليم المهني، والأهم أن تنتهي قاعدة أن المعدلات العالية حكر على التعليم العام ( أدبي – علمي)، بينما من يحصل من الطلاب على معدّل منخفض يدخل التعليم المهني. من هنا يجب أن تعمل كل الجهات، ابتداءً من الطالب نفسه وانتهاء بوزارة التربية، على قلب المعادلة وتشجيع الطلاب على التسجيل فيه بعد نجاحهم في شهادة التعليم الأساسي بهدف دخولهم مبكراً في سوق العمل، لا أن يكون حسب معدل علاماتهم، كل ذلك من أجل تغيير النظرة السلبية لهذا النوع من التعليم، علماً أن البلد في الظروف الراهنة أحوج ما تكون للتعليم المهني لما له من دور مهم في النهوض باقتصادها وتحريك سوق العمل.

الطلبة تفوقوا على وزارتهم

يوافقنا مدير الثانوية الصناعية في بانياس علاء أحمد، الرأي ويشير إلى أن التعليم المهني بحاجة ماسة لقدرات عقلية، وذلك بسبب التقدم التقني الكبير والثورة الصناعية المتقدمة، وخاصة في مجال السيارات الكهربائية والروبوتات.
لذلك يجب استقطاب الطلاب المتفوقين في التعليم الأساسي وتغيير الصورة النمطية التي كانت سائدة حول القبول في التعليم المهني، من هنا يجب دعم التعليم المهني ورصد إمكانيات هائلة لتطويره .

تشجيع التعليم المهني أصبح ضرورة ملحّة تزامناً مع التقدم التقني

ويُلفت أحمد إلى أن المدرسة الصناعية في بانياس كانت السباقة لتشجيع فكرة التعليم المهني، وبدأت العمل من ثلاث سنوات على هذا الموضوع، وقد كانت النتائج مرضية جداً، فهناك عشرات الطلاب يحصلون على علامات متقوفة سنوياً، تؤهلهم دخول فروع هندسات ومعاهد تقنية، ومن الطلاب من حاز على المرتبة الأولى على مستوى القطر، مبيناً أنه في الآونة الأخيرة لوحظ إقبال كبير على التعليم المهني، وتقدم للتسجيل بالمدرسة من حصل في التعليم الأساسي على علامات مرتفعة تصل إلى 2900 درجة تقريباً في ثانوية بانياس الصناعية، وهذا مؤشر واضح على الاتجاه نحو التعليم المهني..
أي ما يمكن فهمه من كلام مدير الثانوية الصناعية في بانياس، أن الطلاب سبقوا وزارة التربية في تصويب خلل كبير أحسوا به ولم تكترث له وزارة التربية وبالتالي كل الجهات ذات الصلة في صلب المنظومة التنفيذية.

ربما لم يأتِ هذا المتغير من فراغ، إذ يتحدث أحمد عن تجربة المدرسة في التشجيع للتوجه نحو التعليم المهني في بانياس، حيث قامت بحملة إعلانية وترويجية حول أهمية التعليم المهني منذ عامين وأكثر، كانت النتيجة الأوائل على مستوى القطر نظرياً وعملياً، إضافة إلى وجود خطوات داعمة من “التربية” في هذا المجال، من خلال إصدار القانون 38 بتحويل الثانويات المهنية لمراكز إنتاج وهذا عامل تحفيزي مادي للطلاب والمعلمين..

صعوبات

الصعوبات التي تواجه التعليم المهني- حسب أحمد – كثيرة، تبدأ بالقبول، مثلاً تحديد علامة القبول بالتعليم العام تكون مرتفعة، فيلزم جميع الطلاب أصحاب العلامات المنخفضة بالمهني دون رغبة من الطالب، وأيضاً بسبب حالة الحرب هناك شح في المواد ومستلزمات التدريب، وهذه الأخيرة تحدٍّ كبير من تحديات تحويل التعليم المهني إلى مؤسسات تلمذة حقيقية لا غرف صفيّة لتجميع الطلاب على سبيل رفع العتب، فينفرون وينفّرون المجتمع من مآلات لا يحسد عليها من ينتهي به المطاف فيها.
ناهيك بانقطاع التيار الكهربائي، الذي يحول دون إجراء التدريب الكامل للطالب، إضافة إلى خوف الطالب من دخوله في سوق العمل بسبب عدم قدرته على افتتاح ورشته الخاصة.

البلاد حالياً بأمس الحاجة للتعليم المهني.. والطالب المتفوق ليس بالضرورة أن يكون طبيباً

وأوضح أن أهم الأفكار لتطوير التعليم هي زيادة معدلات القبول المهني في الجامعات وكذلك إعطاء قروض تشجيعية للطلاب بدخولهم سوق العمل؛ إضافة إلى زيادة رواتب الطلاب أثناء الدراسة مع ضرورة إجراء دورات تدريبية مستمرة ودورية لمعلمي الحرف وخاصة على التقنيات الحديثة.
الطب والهندسة
لأساتذة الجامعة وأصحاب الاختصاص وجهة نظرهم الخاصة حول التعليم المهني، وكيف يمكن التشجيع عليه، ولاسيما في الوقت الراهن، علماً أن ثقافة الأهل في المجتمع السوري لا تزال تتصرف بذهنية جامدة ، وهي أنه يجب أن يصبح ولدهم المتفوق طبيباً أو مهندساً حصراً.
الأستاذ في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية الدكتور جمال العمر أشار إلى أنّه في معظم الدول ومنذ مرحلة التعليم الأساسي ودخول الطالب المدرسة يتابع تعليمه حسب ميوله، وتتم تنمية وتشجيع هذه الميول، وليس بالضرورة أن يتابع دراسته الجامعية في الطب أو الهندسة، وحتى الاختصاصات الجامعية الأخرى، موضحاً أن ثقافة الأهالي في بلدنا هي أن الابن يجب أن يصبح في المستقبل طبيباً أو مهندساً، مؤكداً أن التعليم المهني ضروري جداً في جميع المجالات، ولاسيما في المجال الصناعي، حيث إن البلاد حالياً بأمس الحاجة إلى التعليم الفني أكثر من خريجي الجامعة، وتحديداً في شركات القطاع العام، علماً أن المخجل حالياً أن الفرق بين راتب حامل شهادة الدكتوراه وشهادة الابتدائي لا يتجاوز ٣٥ ألف ليرة، وذلك لعدم وجود سلسلة رواتب صحيحة تعتمد الشهادة والخبرة، منوهاً بضرورة نشر ثقافة وتشجيع التعليم المهني، وخاصة الثانويات والمعاهد الصناعية، وكذلك الصحية والنفطية وغيرها.

المتفوّقون هم الطلبة المفترضون للتعليم المهني إن كنا نرغب بإصلاح خلل مزمن

وكشف أنه خلال خبرته في التعليم وجد أن الأوائل من المعاهد الذين يتابعون دراستهم الجامعية لا يجدون صعوبة في متابعة تحصيلهم العلمي في الجامعة إلّا في بعض المواد كالرياضات مثلاً.

مقترحات
واقترح د . العمر لتشجيع طلاب الثانويات المهنية والمعاهد للدراسة فيها، ومن ثم متابعة دراستهم، زيادة أعداد الطلاب الذين يتم قبولهم في الجامعة سواء من الثانويات المهنية أو المعاهد، على سبيل المثال العشرة الأوائل أو أكثر من الثانويات أو المعاهد. وليس الأول فقط، علماً أن هذا الموضوع طرح سابقاً ولم يلقَ أذناً مصغية، بالإضافة إلى قبول عدد أكبر في الكلية التطبيقية، وأيضاً افتتاح دوام مسائي حصراً في بعض الكليات، يتم قبول عدد أكبر لهؤلاء الطلاب.

زيادة التخصصات
بدوره دكتور المعلوماتية في جامعة دمشق عمار جوخدار بيّن أنه لا بأس بزيادة عدد التخصصات في المرحلة الثانوية، من مجرد علمي وأدبي لأكثر من ذلك. كأن يكون هناك أدبي وهندسي وإداري وطبي وغيره، وفقاً لما سيراه المسؤولون عن وضع خطة الانتقال.

طلاب متفوقون بدؤوا باختيار التعليم المهني وسبقوا وزارة التربية في استشراف أبعاد عملية للمستقبل

لافتاً إلى أنه بجب أن يكون من حق الجميع التقدم للمفاضلات المتعلقة باختصاصهم، وليس المتفوقين فقط، كما هو حال الثانويات المهنية حالياً والتي تعده منذ البداية ليدخل معاهد متوسطة في أفضل الأحوال.

إدارة التغيير
وكشف د. جوخدار أن إدارة التغيير هي جزء مهم من أي عملية تغيير، ولا يجوز نهائياً من وجهة نظر إدارية الربط بين الثانويات المهنية والتخصصات في المرحلة الثانوية (حتى لو أننا حوّلنا الثانويات المهنية لاختصاصات) فهذا سيبقي الطلاب المتفوقين بعيدين عنها لأسباب نفسية، لكونها في فترة من الفترات ارتبط اسمها بغير المتفوقين، مشيراً إلى أنّ حصر الهندسات بالبكلوريات الهندسية والطبيات بالبكلوريات الطبية سيلزم الطلاب الدخول إليها، إذا كانوا يرغبون بدراسة الفرع المناسب ولكن يجب تجنب مصطلح بكلوريا مهنية بل ثانوية باختصاص هندسي أو طبي أو غيره، منوهاً بأنه يمكن العمل على الاستفادة من مواقع وكوادر الثانويات المهنية ولكن لتحويلها لثانويات اختصاصية تعمل وفق هيكليات ونظم إدارية جديدة.

وختم د. جوخدار بأن فكرة التخصص بعد الإعدادي قد تكون جيدة ولكن خلطها مع مفهوم الثانويات المهنية سيؤدي إلى ممانعة تغيير على العديد من المستويات.
هي آراء وتجار عرضناها على عجالة، تؤكد أن منظومة التعليم المهني الراهنة غي جاذبة ومنفرة، ولا يكفي أن نبدع في الترغيب والدعوة لدخول هذا المضمار، إذ لابد من إجراءات عملية تعيد هيكلة منظومة التعليم المهني، وتبدأ المعالجة من المدخلات كي نحظى بمخرجات جيدة تليق بالاستحقاقات الملحة في هذا البلد التواق إلى التطور بالفعل.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. مسيرةٌ حافلة بالتناقضات والعثرات يقودها خريجون متعثرون.. التعليم المهني يضع قطاع الأعمال أمام اختبار حقيقي.. فهل سيكسب الرهان؟؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار