اللغة العربية على صفحات التواصل الاجتماعي في ثقافي بانياس
تشرين – ثناء عليان:
تحت عنوان “اللغة العربية على صفحات التواصل الاجتماعي” ألقت الدكتورة ريان عبد المجيد جلول عضو الهيئة التدريسية في جامعة تشرين محاضرة في المركز الثقافي في بانياس أكدت أن هذا العنوان يندرج في إطار علم اللسانيات، وهو من علم اللغة الاجتماعية يتوجه منه لدراسة التعدد اللغوي وتنوع المستويات اللغوية، ولاسيما بين الفصيحة والعامية ولغة الثقافة ولغة الشعب، لافته إلى أنه مع التفوق التكنولوجي المعاصر يتقوى الاتصال بين فئات المجتمع على اختلاف مستوياتهم ويتنوع توظيف اللغة بين المكتوبة منها والمنطوقة داخل الوطن العربي وخارجه، وكل ذلك له تأثيره الضدي أي الإيجابي والسلبي بخصوص تفعيل اللغة العربية على شبكات التواصل الاجتماعي، وقد أثبتت إحصائيات حديثة أن اللغة العربية من أسرع اللغات نمواً على شبكة الإنترنت.
الكفاءة اللغوية
وبينت جلول أن مصطلح الكفاءة اللغوية يندرج في إطار علم اللسانيات الحديث أيضاً، ويقصد به المخزون أو الرصيد اللغوي الذي يجمع بين أبناء اللغة الواحدة، في الوقت نفسه يميز بين فئة وأخرى، وهنا تأتي اللغة العربية بوصفها لغة السياسة الرسمية والإعلام والثقافة والخطاب الديني ولغة العلم والأدب، وكلها أصبحت معتمدة على شبكه الإنترنت ولكل منها مواقعها الخاصة التي تمثل رافداً للّغة العربية، تستقبل المشاركات والتعليقات بلغة حرة وفق ما يسمى حرية التعبير فتتكاثف اللغة العامية.
انعدام الرقابة
ويعد الإنترنت جسر اتصال بين الثقافة وتكنولوجيا المعلومات ولكنه للأسف – حسب جلول – تحول في مجتمعنا إلى عامل تفريغ أكثر منه وسيله للإبداع والمعرفة، وهنا يأتي التدرج إلى المستوى الثقافي الحر، حيث يعبّر كل شخص عما يشاء وكيفما شاء، فتكثر الأخطاء اللغوية والإملائية من قبل أشخاص يدّعون أنهم شعراء أو أدباء ويطلقون أسماء على صفحاتهم كالشاعر فلان والأديب فلان، ومع مرور الوقت يزداد عددهم من دون أن يكون قد عرض نتاجهم على أحد النقاد، مع انعدام وجود رقابة مؤسساتية أو مدقق لغوي وتكثر اللغة الركيكة والمضمون السطحي الخالي من البيان والبلاغة.
ومع تدني المستوى الفكري أو الثقافي تؤكد جلول أن هناك فئات من المجتمع ليس لديها ما تدلي به سوى الحديث عن أمورها الشخصية، وهنا تتحول العلاقات الاجتماعية من أرض الواقع إلى العالم الافتراضي ويتدنى المستوى إلى الإسفاف بلغة التحاور والتواصل، إذ لا نرى أمامنا إلا حشداً هائلاً من الصفحات، وكماً هائلاً من المفردات وكلها تنعكس سلباً على العربية بدلاً من أن تكون رافداً لها، وتتحول اللغة العامية في المحيط الكلامي للأسف من لغة محكية الى لغة مكتوبة.
الازدواج اللغوي
وأشارت جلول إلى ظاهرة الازدواج اللغوي في تمكين اللهجات العامية كلغة مكتوبة معتمدة بين أبناء المجتمع الواحد، وهي بنظرها لم تكن حرية تعبير أكثر منها عائقاً وقيداً لهم، ظهر نتاجه في إثبات تلك الكتابات العامية على دفاتر الامتحان من قبل طلاب الجامعات الذين وقعوا في شرك العامية وأصبحوا عاجزين عن الانفكاك عنها والتمييز بين ما يجوز وما لا يجوز فأدرج العامية.
تعدد اللهجات
ومع تعدد اللهجات ترى جلول أنه أصبح من الصعب التواصل مع أبناء الوطن العربي “العراقي والسوري والمصري والأردني والخليجي وغيرهم” لأن لكل لهجته ومفرداته، مؤكدةً أن تمكين اللهجات يعد تفريقاً وتمزيقاً سيقود إلى هدم ما يربط بين العرب، كما أن الدمج بين اللغتين العربية والأجنبية يهدد اللغة ويمحو خصوصيتها بل ويشكّل خطراً على لغة الضاد، فعبارة “إن شاء الله” هي عبارة فصيحة تماماً ولكنها تكتب بحروف أجنبية، وهذا الأمر شائع خارج القطر السوري أكثر من داخله، كما أن هناك كلمات أجنبية تكتب بأحرف عربية مثل (باي و أوك).
تحديات الحفاظ على اللغة
وعن التحديات تواجه اللغة العربية سيطرة الثقافة الغربية على شباب اليوم، وضعف الانتماء لديهم، وسيادة التبعية الفكرية، وازدياد الفجوة بين العربية وأبنائها، بل إن ظاهرة الإقبال على تلك الوسائل أثرت سلباً في البنية الثقافية للمواطن العربي حتى أضحت عاملاً من عوامل الغزو الثقافي.
وطالبت جلول بالعمل على الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في تكوين الشخصية اللغوية الناضجة، وتمكين القدرات التعبيرية بين شرائح المجتمع وتوجيههم إلى أساليب التخاطب القويم والكتابة السليمة، وأن يكون هناك ضبط مؤسساتي للغة المواقع الرسمية سواء على مستوى الإرسال أو الاستقبال بما يضمن للمشارك التقيد بلغة عربية فصيحة بحيث لا يتسنى له المشاركة أو التعبير بغيرها، ودعت إلى تغليب اللغة الفصحى على العامية، ونوعية المعلومات على كميتها، والمجال العلمي والثقافي على المجال الاجتماعي، لافتة إلى دور الشباب في الحفاظ على لغتنا وترسيخ صمودها أمام تحديات اليوم، مؤكدة على وحده اللغة والتمسك بها لأنها تمثل الهوية والانتماء.