قمة «بريكس».. التوسع والعملة المشتركة والنهوض بإفريقيا.. الغرب غير مدعو.. حضور عربي مهم والسعودية قد تكون أول المنضمين
تشرين – مها سلطان:
تحت عنوان «بريكس وإفريقيا.. شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة بشكل متبادل» بدأت اليوم في جوهانسبرغ، عاصمة جنوب إفريقيا القمة الـ15 لمجموعة بريكس والتي تستمر ثلاثة أيام.
67 دولة تمت دعوتها إلى القمة، ليس من بينها أي دولة غربية، ومن المؤكد أن القمة ستشهد حضور 40 دولة على الأقل «إلى جانب قادة الدول الأعضاء الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، فيما يشارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر تقنية الفيديو «كونفرانس» إلى جانب 20 ممثلاً لمنظمات دولية.
وحسب بوابة «News24» المحلية الجنوب إفريقية فقد تم توجيه 70 دعوة إلى زعماء دول العالم الجنوبي، لكن لم يتم إرسال أي دعوات إلى الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا.
وكانت روسيا قد أبلغت جنوب إفريقيا – التي تسلمت رئاسة «بريكس» من الصين بداية هذا العام- بأنها ترفض حضور قادة الدول غير الصديقة من أمثال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أثار جدلاً واسعاً خلال الفترة الماضية بعد طلبه دعوة من جنوب إفريقيا للمشاركة في القمة.
*** ***
عربياً.. هناك 8 دول عربية تحضر القمة وهي في الوقت نفسه تتطلع لأن تكون هذه القمة بوابتها لعضوية بريكس «الجزائر، مصر، السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين، المغرب، وفلسطين» أربع من هذه الدول تبدو الأقرب «الجزائر، مصر، السعودية، الإمارات» فيما التوقعات في أغلبيتها تشير إلى أن الجزائر والسعودية هما الأوفر حظاً من ضمن 23 دولة تقدمت بطلبات انضمام وذلك في إطار توسعة المجموعة التي سبق أن أجرت توسعاً واحداً فقط منذ تأسيسها عام 2009 وهذا التوسع كان في عام 2010 لمصلحة انضمام جنوب إفريقيا التي تستضيف اليوم قمة بريكس بنسختها الـ15.
**** ****
لا شك في أن ملف توسعة «بريكس» يشكل ملفاً بارزاً على جدول الأعمال، لكنه ليس الوحيد، وفعلياً فإن جدول الأعمال متخم بالكثير من الملفات البارزة والمفصلية التي تجعل هذه القمة الأهم منذ التأسيس ليس على مستوى الدول الأعضاء فقط، أو على مستوى الدول التي تطلب الانضمام، بل على المستوى العالمي باعتبار أن مجموعة بريكس بات يُنظر إليها كبديل فعلي وحقيقي عن المنظومة الغربية الرأسمالية التي تتزعمها الولايات المتحدة وتتسلط فيها على كل العالم.. وهو بديل يتطلع إليه نصف العالم على الأقل «في جنوب الكرة الأرضية ودول أخرى» ليكون البديل القائم على أساس التعددية والشراكة المتكافئة، بمعنى البديل الذي ينهض بالدول والاقتصادات الناشئة وليس نهبها ومحاصرتها وإسقاطها.. والبديل الذي يتعامل مع الدول الغنية والقوية على قاعدة الندية والاحترام وليس على قاعدة العدوان والعقوبات.
وإذا ما خرجت قمة بريكس بالقرارات المتوقعة، وأبرزها التوسعة وإقرار عملة موحدة، فإن من شأن ذلك أن يكتب بداية تاريخ عالمي جديد على المستويين الجيوسياسي والجيواقتصادي.
*** ****
إذاً، هذه القمة ستناقش بشكل أساسي التوسع في عضوية بريكس، وفي هذا الإطار تحضر أهم الدول عربياً لناحية أنها دول نفطية أولاً، ولناحية أنها أبرز حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ونحن هنا نتحدث بشكل خاص عن السعودية والإمارات، والسعودية بدرجة أكبر وأخطر بالنسبة للولايات المتحدة باعتبارها الطرف الرئيسي في معادلة الدولار وتسيده كعملة عالمية مسيطرة، فإذا ما قررت إسقاط هذه المعادلة بالانسحاب أو على الأقل لمصلحة سلة عملات، أو عملة بريكس الموحدة في حال تم إقرارها (ويتوقع أن تكون إلكترونية) للتعامل بها إلى جانب الدولار فهذا سيشكل مقتلاً للولايات المتحدة وهيمنتها الاقتصادية، لكنه بلا شك سينعكس فوائد مضاعفة على السعودية لناحية تعدد الخيارات والمنافع الاقتصادية بعيداً عن التسلط والتحكم اللذين لا يقتصران فقط على الوضع الاقتصادي بل السياسي والعسكري.. كما سينعكس ذلك على مجموعة بريكس لتتحول فعلياً إلى قوة قادرة على إسقاط المنظومة الرأسمالية الغربية، سياسياً واقتصادياً.
*** ***
طبعاً ملف التوسعة يصب حتماً في خدمة العملة الموحدة، وهو الملف الثاني البارز على جدول أعمال القمة، حيث سيعيد تكتل بريكس إحياء فكرة تقليص هيمنة الدولار على مدفوعات التجارة العالمية، ويقترح أعضاء «بريكس» زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة البينية وإنشاء نظام دفع مشترك. وبالفعل بدأ العديد من دول «بريكس» بتسوية صفقات تجارية ثنائية بالعملات المحلية.
وحسب أنيل سوكلال سفير جنوب إفريقيا لدى بريكس، فإن المجموعة ستناقش تعميق استخدام العملات المحلية فى التجارة بين الدول الأعضاء، وهى خطوة تلقى ترحيباً من المؤسسات الاقتصادية العربية.
وقال سوكلال، فى مقابلة مع وكالة «بلومبرغ» الأميركية: إن المحادثات ستركز على قضايا من بينها إنشاء نظام مدفوعات مشترك، مؤكداً أنه من المرجح تشكيل لجنة فنية لبدء النظر في إصدار عملة مشتركة محتملة.
وأكد سوكلال أنه لا توجد خطط لمناقشة استبدال الدولار كعملة عالمية بحكم الأمر الواقع. وقال: لا يوجد بند في جدول أعمال بريكس يتعلق بالتخلى عن الدولار، بريكس لا تدعو إلى ذلك، وسيظل الدولار عملة عالمية رئيسية، هذه حقيقة واقعة.
لكن مثل هذه التصريحات لا تطمئن الولايات المتحدة الأميركية إذا ما أخذنا بالاعتبار قاعدة «يُبنى على الشيء مقتضاه» وهذا «المقتضى» لن يطول حتى تتخذ بريكس خطوة التخلي عن الدولار، أو أن الدولار سيسقط من تلقاء نفسه عندما يتحول ليكون ضمن سلة عملات.
ومع ارتفاع التجارة البينية 56% (422 مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية) وبلوغ الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس نحو 26 تريليون دولار، أي أكثر من ربع الناتج الإجمالي العالمي، بدأ التفكير جدياً بتعزيز دور بنك التنمية الجديد من خلال توسيع مصادر تمويله. البنك الذي أسسته «بريكس» في 2015 كبديل لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تقلص دوره بسبب العقوبات الغربية على روسيا التي كانت تمثل أحد مصادر التمويل.
إضافة إلى هذين الملفين سيكون الأمن الغذائي ملفاً رئيسياً أيضاً على خلفية سلسلة إجراءات اتخذتها عدة دول وانعكس عالمياً على أسعار الغذاء وارتفاعها بصورة جنونية (القيود التي فرضتها الهند على تصدير الأرز لحماية سوقها المحلية، وصفقة الحبوب التي انسحبت منها روسيا مطالبة برفع العقوبات عنها على خلفية حرب أوكرانيا).
*** ****
إفريقياً.. هذه القمة هي الأهم في تاريخ القارة، خصوصاً أنها تأتي في مرحلة صحوة شاملة تعيشها الدول الإفريقية في مسار تغيير واقعها، والانعتاق من أتون الفقر والضعف بفعل استمرار الهيمنة الاستعمارية الغربية على دولها، ولها في جنوب إفريقيا خير مثال على أن الضعف والفقر ليسا قدراً محتوماً، وأن لديها من الإمكانيات الهائلة ما يجعلها في مواقع متقدمة على خريطة القوة العالمية.
وكان رئيس جنوب إفريقيا قد دعا في مقابلة أجراها مع القناة الإفريقية المستقلة «إيه. أي . تي» إلى استثمار مناخ التنافس الدولي لتعظيم مكاسب إفريقيا، وذلك من خلال بناء شراكة استثمارية بين دول القارة وبريكس.
وقال: إن القمة ستركز على دعم اهتمام دول بريكس بإفريقيا وقضاياها التنموية وكذلك تلك المتعلقة بالاستثمارات وهو ما يحتاج إلى مناخ مستقر على المستوى الوطنى في بلدان القارة.
*** *** ***
غربياً.. لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تشيح بنظرها ولو لدقيقة واحدة عن هذه القمة وستبقى في وضعية المتأهب طوال أيام القمة الثلاثة، مترقبة قراراتها من دون أن يكون لديها القدرة على التدخل، أو التسلل إلى الكواليس. وكان أعضاء بريكس واضحين منذ البداية لناحية أنه لن يحضر القمة إلا من كان صديقاً، ولنعيد التذكير هنا بمحاولة واشنطن الفاشلة لإرسال ماكرون إلى القمة، ليكون عينها (ولسانها).. كل ذلك يأتي وسط البيئة التشاؤمية جداً التي توسعها وسائل الإعلام الغربية، مؤكدة أن زمن أميركا ولّى، أو في طريقه إلى ذلك، وأن أي شيء لن ينفع.. لقد فات الأوان.