ليلى نصير
قد تكون تأخرت ليلى نصير زمنياً، لتُسجّل ريادتها النسوية، في مسار الحركة التشكيلية السورية، التي مضى على بدايتها المعاصرة اليوم، ما يُقارب مئة سنة، غير أنّ من سبقنها من النساء في تسجيل بدايات المشهد التشكيلي السوري، لسنّ أكثر من اثنتين، لتكون هي ثالثتهن، ولو بعد حين.
فالفنانة «منوّر موره لي» ولدت سنة 1912 في استانبول، وأقامت في سورية، ومارست شغلها الفني كهاوية حيث تدربت على أيدي فنانين عرب وأجانب، كانوا يقيمون في سورية، وقدمت الكثير من اللوحات المائية والزيتية بأسلوبٍ انطباعي، واستمدت مواضيعها من البيئة المحلية.. لتأتي بعدها الفنانة لميس ضاشوالي، المولودة في مدينة حلب سنة 1935، حيث درست الفن في دمشق، واهتمت في لوحاتها بالطبيعة والمرأة، بأسلوبٍ ذهب بها صوب الرومانسية المتشحة بالشاعرية، حيث شاركت في المعارض الجماعية لوزارة الثقافة.
فيما كانت الفنانة ليلى نصير من أولى الحاضرات في العمل التشكيلي، ولها قصب السبق فيما أطلق عليه المؤصلون للحركة التشكيلية السورية ب”المرحلة الثالثة”، حيث امتازت أعمالها التصويرية بالطابع التعبيري الذي يجمع بين التشخيص والتجريد، وهي من القلائل اللواتي احترفن الفنون الجميلة من خارج مدينة دمشق والمدن الكبرى، ومن سرب النساء اللواتي خضن في حقول الألوان، وكُنّ سدنة الجمال السوري على مدى أكثر من نصف قرن.
كانت ولادة ليلى نصير في اللاذقية سنة 1941، وقد غادرت دنيانا منذ أيام قليلة، تخرّجت في كلية الفنون الجميلة في القاهرة عام 1963 لكن مدرستها الحقيقية كانت بين حكايات الناس، وكما تذكر دائماً: “تخرجت من رحم بيئة ريفية بسيطة”.. ففي الوقت الذي هرب فيه الكثير من الفنانين، صوب الطبيعة والأزهار، أو باتجاه لوحة تراثية إسلامية ومتواليات زخرفية حروفية.. في هذا الوقت كان ثمة امرأة تعود بميلادها لجيل الأربعينات من القرن العشرين، تشتغل وبكل المشاغل والشواغل والهموم الإنسانية لتجسدها بكل جماليات وملامح الملحمية في التعبيرية السورية.. تلك المرأة التي خوّضت ملونة هموم الإنسان السوري بكلِّ امتداداته الإنسانية ومحملةً على تنويعات من الرموز الميثولوجية من الأرض العتيقة، تلك هي الفنانة ليلى نصير، التي تجاوزت في «حداثتها» التشكيلية الأجيال النسوية التي جاءت بعدها بأطوار بعيدة، ورغم أنها ابنة للريف السوري بكل تنوّعه من حوران إلى ريف اللاذقية، وأرياف لبنان، غير أن كل ذلك المدى البصري اللوني لم يُغرها لتجسده في لوحتها، وإنما أخذت منه مؤونةً، وزادةً لونية، ليتكامل في داخلها مفهوم اللون والحركة والفراغ والضوء.
ليلى نصير – التي يطول الحديث في تجربتها الغنية- كانت دائماً تذهب صوب الأماكن المفزعة والمخيفة وغير «الجميلة» لتصنع الجمال، أو ليكون محرضها على إنتاج الجمال – كما يُفترض بغايات اللوحة، فالجمال بنظرها أن تتواصل مع المشاهد من حولك، وأن ترصد هذه المشاهد بلوحات تُعبّر فيها عما يجري لأنها كفنانة عندما تطرح هذه المواضيع، وبشكلٍ إنساني جميل، تشدُّ المتفرج إلى التعاطف معها، وتُحرضه على الوصول للأسباب، وبعد ذلك للاحتجاج لوجود مثل هذه الحالات.