السوريّون وقلعتهم!!
مؤثّرٌ جداً ما كتبه مؤخراً على صفحته الشخصية الموسيقيّ السوري «آري جان»، فقد ذكر: «وأخيراً اجتمعت مع مها حموي بعد ما سجلنا (رفاق الدرب) عن بعد، كان الأمل بعد نجاح الأغنية أن يكون لقاؤنا الأول على المسرح في بلدنا، نسمعكم إياها (لايڤ)، ورغم كلِّ محاولاتنا للتواصل مع الأوركسترا السورية، ومهرجان ليالي القلعة، ومديرية المسارح والموسيقا، وشركات تعمل حفلات في الشام، ما قدرت للأسف حقق هذه الرغبة، أو لاقي إجابات عن كيف أو شو الطريقة لتعمل حفلة ببلدك، وللأسف في عالم «ندقلها» ماعاد ردت علينا.. فباسمي واسم مها وفرقتي الموسيقية أعتذر من الناس الذين يطلبون مني أعمل حفلة في سورية..»
وهو الأمرالذي يدفعنا للتساؤل..لماذا على السوريّ أن يلاقي كلَّ هذا الغبن في طريقه كيفما ولّى وجهه، لكنْ هنا، فإنّ «ظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً» بما لا يُقارن بـ«مضاضات» الآخرين.
أذكر ما تقدّم لأشير للفعالية الغنائية «المهمّة» ولا شكّ التي أقيمت مؤخراً في قلعة دمشق، ويبدو أن هذه الفعالية أمست تقليداً سنوياً تُقيمها المؤسسة المشرفة عليها.. وقد أثارت الكثير من الجدل ليس أوله «محنة» المطرب التونسي صابر الرباعي الذي اتهم بـ«التطبيع» مع العدو الإسرائيلي، مع أنّ الرجل «انفلق» وهو يوضّح حكاية الصورة التي تظهرهُ مع رجل شرطة قيل إنه «إسرائيلي»، وهو يصرّ على أن من ظهر في الصورة قدّم نفسه على المعبر الحدودي على أنه فلسطيني، واسمه «هادي».. غير أن شواغل هذا المقال ليس هذا السجال الذي أتخمَ جدلاً.. شاغلنا هنا، أو بالأصح سؤالنا: أين المطربون السوريون من المشاركة في هذه الفعالية التي استقطبت المطربين من شرق العالم العربي ومغربه، ولم تلحظ «مطرباً سوريّاً» واحداً وتدعوه للمشاركة؟!!
سؤال، تبدو إجابته مُحيّرة لتجاهل المطرب السوري حتى في وطنه و«قلعته»، وهو ما يطرح عشرات الأسئلة!! هذا التجاهل الذي ذكّرني بما كانت تفعله إحدى الشاعرات «المدعومات» سابقاً، «المعارِضة الشرسة اليوم من خارج الحدود» في محافظة طرطوس التي ورثت عن أبيها «مهرجاناً شعريّاً» كانت تُقيمه برعاية المحافظ، وبدعمٍ لا محدود من مختلف الفعاليات الاقتصادية في المحافظة؛ إذ كانت تأتي بالشعراء والشاعرات من مختلف بلدان العالم، لكنها تتجاهل الشعراء السوريين، وتحديداً «شعراء» محافظة طرطوس.
في كتابه الضخم، الأقرب إلى الموسوعة والصادر عن الهيئة العامة للكتاب (الموسيقا في سورية – أعلام وتاريخ) يتحدث الباحث الموسيقي صميم الشريف عن مسألة مهمة جداً ، وهي «نزوح» المطرب السوري خارج وطنه، وهذا الأمر يعود إلى بداية القرن الماضي، وربما قبل ذلك، وكان البعض من هؤلاء الذين أطلقوا مواهبهم خارج سورية، قد أجاد وأبدع، ولفت الانتباه إليه، أكثر من مطربي البلد المضيف نفسه، في حين عاد آخرون مكسوري الخاطر.. في المقابل، يفرد الباحث صفحات لمطربين آثروا البقاء في سورية، وتحمّلوا الصلف والعنت والجهل والتخلف الذي وقف حائلاً دون تقدم مسيرة الفن السوري حتى منتصف القرن الماضي، هذه الفترة التي كانت لاتزال تعشش في تلافيفها ظلامية العهد العثماني وجاهليته من «أحمد أبو خليل القباني» الذي وجد ذاته في الرحيل إلى مصر، وكان سبقه إليها شاكر الحلبي عام 1840ولن ينتهي الأمر –على ما يبدو- عند المشرفين على مهرجان قلعة دمشق!!