توريق «السوق الحرة» من دون محاكاة.. وحش غريب يقوّض النظام المالي العالمي

تشرين- رصد:
كانت السياسة النقدية الفضفاضة جداً هي واحدة من المتهمين، والقواعد المحاسبية السيئة متهمة أيضاً، لكن بعض الأبحاث الجديدة الصادمة تؤكد على قضيتين تمّ تجاهلهما إلى حدٍّ كبيرٍ حتى الآن، دور الوكالات العالمية مثل نظام بنوك قروض المنازل، ودور الضمانات في النظام المالي، كلاهما يستحق نقاشاً أكثر بكثير، إذا أردنا تجنب صدمة أخرى من نوع صدمة انهيار المصارف كـ«سيليكون فالي بنك»
يمكن القول: إنّ “بنوك قروض المنازل ” واحدة من أغرب سمات التمويل وأقلها شهرة، تقدم الخدمات للمؤسسات والحكومات، وتعمل بشكل مشترك على جمع ديون رخيصة للغاية لتقديم القروض، وتمّ إطلاقها في البداية لمساعدة بنوك الادخار الصغيرة، دعم أسواق الرهن العقاري، وتمّ توسيع نطاق اختصاصاتها في الثمانينيات ليشمل البنوك التجارية الرئيسة أيضاً خلال الأزمة المالية لعام 2008، وأنقذت «بنوك قروض المنازل» خلسة مؤسسات كثيرة عبر تقديم القروض عندما أغلقت الأسواق التجارية، بسبب انهيار قطاع الرهن العقاري.
كان دورها المجهول مهماً جداً في ذلك الوقت لدرجة اتهام المنظمين بأنهم ارتكبوا خطأً فادحاً بالسماح لمموليهم باستيراد ابتكار أميركي، والمتمثل في توريق “السوق الحرة”من دون محاكاة مؤسسات الدولة التي دعمتها بهدوء.
بعد أزمة 2008، تقلّص إقراض “بنوك قروض المنازل»، لكن منذ عامين عاد بهدوء إلى النشاط المفرط مرة أخرى بين أيلول 2021 وآذار 2023، وتضخم دفتر قروضها من 344 مليار دولار إلى أكثر من تريليون دولار.
كانت تلك الزيادة أكثر تطرفاً من التي حدثت في 2008، لكنها مرت من دون أن يلاحظها أحد إلى حدٍّ كبير، لأنّ تفاصيل قروض “بنوك قروض المنازل» لم يتم نشرها حينها، وبالعودة إلى الوراء هناك نقطتان لافتتان حول هذا الأمر، الطفرة بدأت قبل وقت طويل من تكشّف المشكلات في «سيليكون فالي بنك» على نطاق واسع، وتظهر البيانات الآن أنّ البنوك الثلاثة التي انهارت منذ آذار 2023 – سيليكون فالي بنك، وسيجنيتشر، وفيرست ريبابليك – كانت من كبار المقترضين من “بنوك قروض المنازل “.
كان ذلك على الأرجح بسبب ارتفاع تكاليف تمويل تلك البنوك، وتناقص ودائعها، “لذلك فإنّ قروض بنوك قروض المنازل كانت حاسمة في الحفاظ على صمود البنوك، مع إنها كانت تعاني نقصاً في رأس المال، حيث إنّ سلف مجموعة بنوك قروض المنازل الفيدرالية لهذه البنوك سمحت بتأخير بيع الأصول أو زيادة رأس المال”، وبالتالي استمرت “بالمخاطرة من أجل البقاء على خلفية سوء تسعير التمويل الذي كانت ترعاه “.
لكن النقطة الأساسية هي أنّ مساعدة الاحتياطي الفيدرالي لا يتم توظيفها إلّا في أوقات الأزمات الظاهرة، في حين أنّ دعم “بنوك قروض المنازل ” يكون سرياً وطويل الأجل، لذلك يمكن أن يقوض انضباط السوق عن طريق إخفاء التوتر في البنوك، كما بيّنت قصة سيليكون فالي بنك.
يستنتج فريق البحث من هذا أنّ الوقت قد حان لإصلاح “بنوك قروض المنازل “، مع إنّ هذا الوحش الغريب ينبغي عليه الآن إمّا العودة إلى مهمته الأصلية (المحدودة)، وتشديد معايير الإقراض بشكل كبير أو إلغاء الأمر.
مع ذلك، إذا أراد المنظمون ضخ قدر أكبر من انضباط السوق في النظام، ينبغي عليهم أن يفعلوا ذلك، فعليهم أيضاً النظر في مسألة ثانية: الضمانات.
أثيرت هذه النقطة في جزء منفصل من التحليل الجديد من اقتصاديين في بنك التسويات الدولية، يشير الجزء إلى تفاصيل أخرى غير معروفة للتمويل الحديث، وهي أنّ استخدام الضمانات لدعم الصفقات قد انهار.
يركز فريق بنك التسويات الدولية في المقام الأول على هذا الاتجاه في أسواق رأس المال، لكنه ينطبق أيضاً على البنوك من الناحية النظرية، هذا ينبغي أن يجعل التمويل أكثر أماناً، لكن كما يؤكد الاقتصاديون في بنك التسويات الدولية، يمكن للضمانات أيضاً أن “تقلل من الحوافز لفحص المقترضين ومراقبتهم (…) وتزيد الاستدانة الكلية”.
علاوة على ذلك، إذا كانت الضمانات ورقة مالية مثل سندات الخزانة، فإنّها “تزيد من مخاطر السيولة” و”قد تؤدي صدمة معاكسة لقيمة الأوراق الحكومية المستخدمة كضمان إلى ديناميكيات مزعزعة للاستقرار”. حدث هذا أيضاً في «سيليكون فالي بنك» جزئياً، لأنّ الهيئات التنظيمية شجعت البنوك على الاحتفاظ بسندات الخزانة في الأعوام الأخيرة.
بينما يمكن لشبكة أمان أن تساعد الجهات الفاعلة الفردية على المدى القصير، فإنّها يمكن أن توجد مخاطر إجمالية أكثر، وليس أقل، على المدى الطويل عبر تقويض انضباط السوق.
تجب مناقشة هذا الأمر عاجلاً، لأسباب ليس أقلها أنّ “الارتفاع الحالي في سلف بنوك قروض المنازل المقدمة إلى بنوك أخرى كثيرة، قد يؤدي إلى حدوث تشوهات مشابهة، وللقصة بقية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار