ملف «تشرين».. اتفاقيات اقتصادية تصب في ميدان العمل العربي المشترك.. خبراء يعوّلون على الثقة بالمنتج السوري.. فهل سنشهد انفتاحاً تجارياً يوازي الانفتاح السياسي؟

تشرين- بارعة جمعة:
لكل فعل رد فعل، هي قوانين الفيزياء الطبيعية التي تحكم مسار الحياة البشرية، فيما لقوانين السياسة والاقتصاد المسار ذاته لو اقترن بالعمل الجاد ضمن أفق التطلعات المشتركة لكل من الدول العربية التي عانت طويلاً من عقوبات وقوانين حدت من قدرتها على التداول المشروع لها ضمن اتفاقيات العمل العربي المشترك والفعّال للخروج من بوتقة الصراع والعقوبات الاقتصادية الجائرة، فهل ما زلنا نملك أوراق قوّتنا الاقتصادية التي تسمح بالتبادل المشروط بنسب محددة.. أم إننا بتنا الأحوج لردم الفجوة الكبيرة بين قوانين العمل وواقع السوق العربية المشتركة؟!

إعفاءات ضريبية
تقوم فكرة العمل العربي المشترك على تبادل المنفعة والتعامل بالمثل، قواعد نظمها علم الاقتصاد القائم بشكل رئيس على ضمان الفائدة والربح للأطراف كلها وبأقل التكاليف، والتي يدخل في تكوينها كل المواد المستوردة من بلدان عدة عربية وأجنبية المنشأ، جاءت ضمن إطار اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى، التي تم توقيعها عام 2000، لإعفاء المستوردات العربية إلى الدول العربية من الرسوم الجمركية على أن يتم ذلك تدريجياً وفق تأكيدات الدكتور في علم الاقتصاد عابد فضلية لماهية الاتفاقية، وهو ما حدث فعلاً، حيث وصلت الرسوم الجمركية عام 2005 إلى صفر في المئة شرط أن تكون البضاعة ذات منشأ عربي، أي ألا تقل نسبة القيمة المضافة محلياً إلى إجمالي قيمة السلعة عن 40%.

تقوم فكرة العمل العربي المشترك على التعامل بالمثل وتبادل المنفعة والربحية

اليوم ما تشهده حركة التجارة العربية هو استيراد بعض السلع الكهربائية، من الصين مثلاً، شبه كاملة الصنع، ومن ثم إضافة بعض مواد التغليف والتعبئة والمفاتيح والأزرار في منطقة جبل علي في الإمارات على سبيل المثال، ويكتب عليها (صُنع في الإمارات) ومن ثم تدخل إلى سورية بصفر جمارك، وبالمقابل لا يتم وضع (صُنع في سورية) من جهاتنا الرقابية، إلا بعد أن تدخل عدة جهات وتشكل عدة لجان وتفرض العديد من التكاليف والمتطلبات وتناقش عدة اعتراضات، وفق تأكيدات الدكتور فضلية، لنجد أننا في النتيجة نحن الخاسرون، ولدينا غالباً عجز في ميزاننا التجاري مع الدول العربية في إطار التبادل بناء على أحكام هذه الاتفاقية، التي تعد عربياً من أهم منجزات مجلس التعاون الاقتصادي العربي، وفق فضلية، ومن منشطات بعض أنواع الصادرات إلى الدول العربية الأخرى.
مزايا تتراوح بأهميتها بين دولة وأخرى حسب طبيعة المنتجات المتبادلة، والأهم من كل ذلك ما يتعلق بحجم الاستثمار العربي في الدول العربية الأخرى، وهنا ستكون سورية وفق توصيف فضلية حتماً إحدى الدول المستفيدة من ذلك، وذلك بالتوازي مع سيرورة واتجاه التوافق في المحور السياسي العربي- العربي، باعتبار أن الجدوى الاقتصادية والربحية للاستثمار في سورية هي اليوم أكبر من جدوى الاستثمار في أي دولة أخرى، نظراً للوضع الاقتصادي المتعب بعد الحرب والزلزال.

د. فضلية: صعوبات العمل العربي المشترك على المستوى التجاري تكمن في البنية التشريعية للتجارة الخارجية لكل دولة

«معظمها موضوعية، من مبدأ حماية الإنتاج الوطني، ومن زاوية المصالح المتبادلة بين الدول عموماً»، حسب توصيف الدكتور فضلية لصعوبات العمل العربي المشترك، التي لا بد من أنها موجودة، وتكمن هذه الصعوبات في البنية التشريعية للتجارة الخارجية لكل دولة، التي قد تتناسب مع مصالح دولة عربية أو غير عربية أخرى، ولا تتناسب مع مصالح الدول الأخرى، وهذا يتبلور في الاتفاقيات التجارية الدولية، الثنائية والمتعددة، إلا أن هذه المعوقات، برأي فضلية، تكون أو ستكون أقل من الدول التي تشكل التحالفات والتعاقدات الاقتصادية فيما بينها وينطبق هذا بالتأكيد على جميع الدول العربية، لكون العقد الذي يجمعها سياسياً وقومياً أبعد من اقتصادي، شرط أن يتوفر التوافق على المستوى السياسي.
القيمة المُضافة
12% أو أقل بقليل، هي نسبة التبادل التجاري العربي لعام 2023 حسب التقرير الاقتصادي العربي وفق رواية الدكتور في علم الاقتصاد حيّان سلمان، لتبقى التساؤلات الأكثر حضوراً في قمة جدة الـ 32 هي حول كيفية زيادة التبادل التجاري!

د. سلمان: اشتراطات الجامعة العربية تنص على ألّا تقل نسبة القيمة المُضافة بأي سلعة عربية عن 40%

صعوبات ومنغّصات تواجه هذا التبادل، منها تشابه السلع المُنتجة من الممكن تجاوزها بتوزيع المزايا النسبية وتحويلها إلى مزايا تنافسية برأيه، لتبقى شهادة المنشأ أي التلاعب بمكونات السلعة الأكثر صعوبة، حيث إن اشتراطات الجامعة العربية تنص على ألّا تقل نسبة القيمة المُضافة بأي سلعة عربية عن 40%، التي تتكون من مكونات السلعة كلها والتي تحوي ثمانية عناصر هي: (كل الأجور والمرتّبات والتعويضات، استهلاك الأصول الثابتة والإيجارات والأرض والمستودعات وغيرها، تكلفة التمويل بتقديم القروض، أسعار المواد الخام والوسيطة) ونفقات أخرى كالبريد والهاتف والكهرباء والماء ومصروفات عموميّة وإداريّة.
وفي عملية حسابية لقيمة هذه العناصر ومن ثم نسبها لقيمة السلعة على باب المعمل، تظهر لدينا القيمة المُضافة، السلعة بوساطة الصناعة، وهو أمر يتم في كل الدول العربية وليس سورية فقط وفق تأكيدات الدكتور سلمان.

مزايا تشجيعية
للعمل ضمن هذا الأسلوب مزايا إيجابية، بتشجيع الكثير من الصناعات الوطنية وعودة عجلة التنمية الاقتصادية وزيادة إنتاج السلع وانسيابها بين الأسواق، والذي استدعى إيجاد أسلوب المراقبة عبر القيمة المضافة.

الصيرفي: بدأنا مرحلة نفض غبار الحرب دبلوماسياً بتفعيل اتفاقيات الشحن مباشرة إلى سورية

للشركات العالمية توصيف آخر قدمه الدكتور سلمان عبر التمييز بين نوعين من الشركات، الأول: تسوّق ضمن دولة واحدة وترتبط عملية التسويق لديها بتكلفة السلعة ومدى منافستها في السوق داخل الدولة، والثاني: عبر قيام الشركة بالتصدير إلى دولة أخرى باسم الدولة التي تعمل فيها الشركة وفق مبدأ القيمة المُضافة، شرط تقديم الوثائق المطلوبة من اسم السلعة والمُصدّر ووثيقة من غرفة التجارة، عدد الطرود والأسعار والتكلفة ونسبة كل مادة من المواد الأولية المستخدمة، والتي يطلق عليها وثائق شهادة المنشأ، تمنح مزايا تفضيلية لتبادل السلع بتخفيض الرسوم الجمركية والتعرفة التي قد تصل إلى صفر في المئة، تُعطى ضمن منطقة واحدة، في حين لا يمكن لأي شركة تعمل باسمها الاستفادة من هذه المزايا على الإطلاق.

صعوبات الشحن
واجه قطاع التبادل التجاري الكثير من العقبات في سنوات الحرب، جعلت من بعض نشاطاته خارج الاتفاقيات العربية المشتركة، والذي مردّه، وفق تأكيدات عضو اتحاد المصدرين والمستوردين العرب، ورئيس مجلس إدارة الجمعية السورية للشحن والإمداد الوطني رياض الصيرفي، إلى عقوبات «قيصر » التي التزمت بها بعض الدول العربية، واليوم بدأنا مرحلة نفض غبار الحرب دبلوماسياً، بتفعيل اتفاقيات الشحن مباشرة إلى سورية، بدلاً من الوقوع في متاهات استقدام البضائع من بلد المنشأ لبلد آخر عبر صيغة الترانزيت، والذي أوجد بدوره بلد المصدر الذي خرج من الاتفاقية ذاتها، لنجد في الوقت ذاته بعض الشركات تلجأ لتسجيل شركات أجنبية باسم شهادات عربية لتجاوز موضوع الرسوم الجمركية آنذاك، وهو واقع فرض نفسه في عملية التبادل التجاري وقتها.

قبّاني: اتحاد المصدّرين والمستوردين العرب طالب بتفعيل الاتفاقية والمعاملة بالمثل بين الدول العربية وطالب الصناعيين والتجار بإعادة حصة المنتج السوري في الأسواق العربية

وأمام ما شهدته المنطقة من انفراجات سياسية، طالب المصدرون بتفعيل الاتفاقية والمعاملة بالمثل بين الدول العربية وفق تأكيدات أمين سر اتحاد المصدرين و المستوردين العرب عماد قباني لـ”تشرين”، مطالباً التجار والصناعيين بإعادة حصة المنتج السوري في الأسواق الخارجية، وذلك بعد المبادرات الأخيرة للمشاركة في معارض في دول عربية، واصفاً المبادرة بالجيّدة لجهة تفعيل الاتفاقية المنصوص عليها لتوفير التكاليف بالتخفيضات الجمركية، في حين أن بعض المواد لا تدخل ضمنها كالحديد والسيراميك، لوجود معامل خاصة بها في سورية، داعياً الجميع لدعم الصناعة المحلية لكون الاتجاه اليوم حول سورية اقتصادياً والثقة بالمنتج السوري، ولاسيّما الغذاء موجود لدى كل الدول، وهو ما تفرضه الأدبيات التجارية لكسب الزبون، في حين يحتاج الأمر، برأي قبّاني، وقتاً لإثبات إيجابية العمل، أمام روزنامة من المعارض تبشر بالخير للتعاون العربي المشترك.

اقرأ أيضاً:

 

ملف «تشرين».. قبل الانفتاح على منظومة الاقتصاد العربي.. دعم التصدير وجذب الاستثمارات بوابة واسعة لتحقيق الانفراج في كل القطاعات

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار