مجالسة الفقراء والدراويش
لا يليق بالورد إلّا الطيب والعطر وهو جزاء موفور لكل من يقترب منه ! ولا يليق بصاحب الخلق الحسن إلّا الاحترام والمحبة لكل من يتعامل معه. إنه قانون الحياة الذي يطلق عليه علماء الاجتماع اسم الفلسفة. وعندما تدقق في الحياة تجد أن”الفلسفة الأخلاقية” مُتطلب حقيقي لك تحتاجها للإتقان وللوصول إلى القمة، كما يحتاجها المجتمع اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ظل ما نعيشه من مرحلة تحديثية وتطويرية جديدة، تتطلب من الإنسان مجموعة من القيم والرؤى الإبداعية وأن يتسلم المواقع الأمامية في المجتمع من يشكلون عاملَ القدوة في ممارستهم الحياتية، فالقيم موضع احترام من قبل الجميع , وهي التي يلتقي حولها الناس جماعات وهي التي تدفعهم للعمل معاً بغية الوصول إلى أهداف مشتركة كمسؤوليات متعددة المستويات بدءاً من المسؤولية الذاتية والمسؤولية الأخلاقية في الولاء للمُثل العليا والمسؤولية المهنية والمسؤولية العامة وصولاً إلى المسؤولية الوطنية والمسؤولية الدولية كمضمون لأي مشروع تحديثي وتطويري ننشده في المستقبل القريب، وكما قال عالم علم الاجتماع لورنس كراوس: “إن العقل المنفتح حقاً يعني أن نجبر خيالنا ليتناسب مع الأدلة الواقعية وليس العكس”، وإشكاليات الواقع كلها تقول إنّ المستقبل لأصحاب الضمائر والإخلاص ممن يقال عنهم الفقراء والدراويش.
وبفلسفة بسيطة؛ تشكّل الأخلاق العناصر الفاعلة الأساسية في توجيه أنشطة الإنسان المختلفة وتحكم كل تصرف من تصرفاته، فقيم الأخلاق عند إنسان ما تجعل منه كريماً أو بخيلاً أو مبذّراً وشجاعاً أو جباناً أو متهوّراً… الخ. لذلك تحتاج الأخلاق إلى اطّلاع واسع ثقافي واجتماعي حتى يستطيع الإنسان، على ضوء هذا الاطّلاع ، تلمّس طريق الخير تمهيداً للسير فيه.
لهذا السبب كانت الأخلاق جزءاً أساسياً في التشريع السماوي، وفي الأفكار الوضعية، حيث لا تخلو فلسفة أو كتابات وأبحاث أي مشتغل في الفلسفة والعلوم الإنسانية، من حيّز يظهر فيه الاهتمام بالأخلاق سواء بدراسة بعض الظواهر الخلقية وإظهار محاسنها والحضّ على التزامها أو بصياغة فلسفة خلقية جديدة ترسم ما ينبغي أن تكون عليه أخلاق الفرد والمجتمع.
ولكن يجب أن نأخذ في الحسبان موضوع إمكانية التطوير والتغيير وهذا يقوم على أساس أنه قد يستطيع المستنير( الإداري ) من أبناء مجتمع ما أن يستكشف سلبيات فلسفة أخلاقية تسود مجتمعه أو مؤسسته أو بيته فيرسم طريقاً جديداً لتحقيق ما ينبغي أن يحصل لاستبدالها بما هو أفضل ومثل هذا الشخص يرتفع إلى مرتبة المصلح الاجتماعي. وهذا الأخير يحتاج أساساً إلى الإحاطة التامة بكل شؤون مجتمعه وإلى الفهم العميق والدقيق لكل ألوان الثقافة والأنشطة الاجتماعية التي تسود المجتمع موضوع الإصلاح.