الأب الغني والأب الفقير
لم يكن لدي متسع من الوقت لأقرأ الكتاب الشائق “الأب الفقير والأب الغني” تأليف روبرت تي كيوساكي, لكن التساؤلات التي طرحها من الصعب تجاهلها والمرور عليها من دون تأمل !, يقول الكاتب ” هل مللت من وظيفتك ومن رئيسك الذي يثقلك بالمهام؟ هل شعرت بأن ما تستحقه من مال لقاء وظيفتك لا يكفي، ولا يتوفر، وبأنك كلما زاد مرتبك الوظيفي زادت ديونك ومصاريفك؟ هل سمعت بعبودية القرن الحادي والعشرين؟ وهل تعرف أنك مازلت فقيراً إلى أبعد حد؟
ترى هل فاتنا القطار معشر “الموظفين”، ربما سيقلب روبرت كيوساكي جميع موازينك في كتابه : الأب الغني والأب الفقير فما يعلّمه الأغنياء لأبنائهم ولا يعلّمه آباء الطبقة الوسطى جعل المشهد يبدو وكأن البعض يولدون ليكونوا فقراء، والآخرين تم اختيارهم ليكونوا أثرياء!..كلام غير منطقي ولا يمكن أن يقبله عقل، ومن هنا كانت الدراسات الكثيرة التي تشرح كيف لطالب متميز ومتحمس أن يصبح من الأثرياء وكيف لطالب آخر على سبيل المثال أيضاً لا يقل عن الأول ذكاءً ومعرفةً أن يعيش أسيراً في قيود الفقر..؟! والسؤال: لماذا نجح الأول وفشل الثاني؟
يقول خبراء المال أن من مبادئ الثراء المدهشة أنه لن ينمو دخلك إلّا بقدر ما تعمل، والأفكار تؤدي إلى المشاعر، والمشاعر تؤدي إلى الأفعال والأفعال تؤدي إلى النتائج، وأن العقل الباطن عندما يضطر إلى أن يختار بين المشاعر المتأصلة والمنطق فإن المشاعر هي التي تفوز دائماً..
فالأغنياء يعجبون بالأغنياء والناجحين، أما الفقراء فلا يبالون بهم ولا يشكلون لهم قيمة، والأغنياء على استعداد لترويج أنفسهم وقيمهم أما الفقراء فيفكرون بطريقة مختلفة تجاه البيع والترويج، والأغنياء يبحثون عن حلول لمشكلاتهم أما الفقراء فقد يتجمد البعض منهم ويشعر بالعجز عندما تواجهه مشكلة صغيرة أو كبيرة، والأغنياء يختارون الحصول على مرتباتهم بناءً على النتائج، أما الفقراء فبناءً على الوقت، والأغنياء يفكرون في كلا الأمرين، أما الفقراء فإما هذا أو ذاك، والأغنياء يتصرفون على الرغم من الخوف أما الفقراء فيتركون الخوف يوقفهم، والأغنياء يستمرون في التعلم والنمو أما الفقراء فيظنون أنهم يتعلمون ما يحتاجونه بالفعل ولا حاجة لجرعات جديدة من التعلم لأنها مضيعة للمال.
أمور كثيرة لاحظها الخبراء وقد نتفق معهم في بعضها وقد نختلف.. لكن لا بدّ من إضافة نقاط مهمة جديدة لتكون هذه القواعد قابلة للتطبيق في مجتمعنا؛ أولها أنّ علينا أن ندعم أصحاب المبادرات بأفكار جديدة لأنهم الأغنياء بحق.. ونقترح تخصيص وزارة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة تتولى كامل خطوات تبني المشاريع الصغيرة من الإعداد والتخطيط الجيد للمشروع إلى التمويل، وفي المقدمة تأمين التراخيص والموافقات التي تشكل غالباً الحائط السد في إنجاز المشروع فعلياً, وربما نحتاج وزارة للاستثمار لترعى مشاريع الشباب ومشاريع تمكين المرأة، علماً أن التمويل وحده رغم أهميته غير كافٍ مثل الطائرة التي تحتاج جناحي التدريب من جهة ومنح التسهيلات والرخص من جهة ثانية, ولاشك في أن تحديث القوانين ولحظ مواد لتأمين التمويل اللازم وضمان المخاطر والتأمين على المشاريع وتخصيص مراكز التدريب بما ينشط دور الشباب وفاعليتهم في إعادة هيكلة الاقتصاد السوري ويفتح أمامهم أسواقاً جديدة وهذه تكون بوابة الثراء التي تتيح الفرص لأبنائنا، وهذا ما يسهم في خفض معدل الفقر. ولا بدّ من التأكيد على موضوع التسهيلات بالحصول على التراخيص اللازمة فهي الهيكل الذي يسهم في إنجاز مشروع ناجح، وهو حالياً الحلقة المفقودة في هيئة تنمية المشاريع, وربما حان الوقت لتقوم هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالكف عن دورها الأب الفقير الذي يوزع المصروف على أولاده وزبائنه وأن تكون المعلم والأب الغني الذي يمد زبائنه بالأفكار والمهارات والتمويل وبالمعدات والمواد التي يحتاجها صاحب المشروع الصغير للبدء بعمله..
لا أحد يختار الفقر أو يحبه، والسوريون مبدعون لكن لا بدّ للغريق الفقير من طوق نجاة تقدمه الحكومة على طبق التسهيلات والتراخيص أولاً، ثم تساعده الهيئات الأخرى عبر التمويل وتوفير المهارة والمتابعة والتأمين لصنع مركبه الخاص، وبذلك نكون قد بدأنا أولى الخطوات في تعليم الشباب استراتيجية الثراء.