المخرج دانيال الخطيب: من المعيب أن نعدّ المسرح فناً وافداً ونحن أصحاب أقدم المسارح الأثرية

حوار: ديما الخطيب:

بين الطموح والواقع، تأرجحت أحلام الفنانين الشباب على اتساع أحلامهم وضيق ظروفهم المادية والحياتية، فابتعدت عنهم سنوات واقتربت منهم دقائق، منهم من استبدلها بالسفر، ومنهم من احتفظ بها في إطار قلبه بانتظار تحسن الواقع.. وكأي شاب سوري كان حلم الممثل والمخرج المسرحي دانيال الخطيب ومازال أن يصبح مخرجاً سينمائياً، لكنه بعد نيله الشهادة الثانوية بحث وعرف بأن لا معهد للسينما هنا في سورية، ولم يكن أمامه في مجال الفنون الأدائية سوى التمثيل المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي تقدم له ثلاث مرات حتى تمّ قبوله، متمنياً لو أنه حظي بوجود قسم للإخراج المسرحي آنذاك.. “تشرين” التقت دانيال الخطيب في هذا الحوار:

بين الإخراج المسرحي والسينمائي، أين يجد دانيال الخطيب مركز قوته وبهجته؟ يجيب: اكتشفت بعد تخرجي من المعهد العالي أمراً شديد الغرابة، وهو أن سورية هي البلد الوحيد في العالم الذي لا يلتقي فيه خطّا الإخراج المسرحي والسينمائي مهما حاولا، علماً أن معظم المخرجين السينمائيين العظماء خرجوا من خلفية مسرحية، مثل “ايليا كازان” قديماً الذي أخرج مسرحية “عربة ترام تدعى الرغبة” للكاتب “تينيسي وليامز” ولاحقاً حولها نفسها إلى فيلم سينمائي، وحديثاً المخرج “سام مينديز” الذي أنجز فيلم “”hours كما صنع التحفة السينمائية “1917” وهو في الأساس مخرج مسرحي، فهو إذاً أمر طبيعي ومنتشر ومعروف أن المخرج المسرحي يستطيع أن يشتغل سينما، ولكنه غير موجود في بلدنا، ويضيف: للإخراج السينمائي تفاصيل تقنية اختصاصية يستطيع المخرج الإحاطة بها بكل سهولة إذا ما قورنت بالإخراج المسرحي، فلماذا يحرّم على من يبدأ مشواره بالإخراج المسرحي الاقتراب من السينما!

طموحنا محدود بالإمكانات

لم يُحقق صاحب المحترف المسرحي المنزلي الأول في سورية من أحلامه الفنية سوا 7%! فما هي العوائق التي تقف بين الشباب السوري المبدع وتحقيق طموحاته ؟ يجيب: اشتغل ضمن المتاح وضمن الإمكانات، لا انتظر أحداً ليتصل بي ويطلب مني المشاركة في مسلسل أو عمل، بل أخلق العمل طوال الوقت، ولكن ضمن أُطر ضيقة جداً وإمكانات مادية متواضعة، فأصنع شيئاً من لا شيء، وهذه هي صيغة حياتي العملية منذ أن كنت طالباً، ومنذ أن أسست فرقة المسرح الجامعي في طرطوس، وحتى ضمن الإخراج المسرحي أنجزت تسع مسرحيات متكاملة، سبع منها اشتغلتها مجاراةً لإمكاناتي الموجودة كالنقص في الكادر البشري مثلاً.

ضحالة النص المحلّي

وعن سؤالنا حول إشكالية ضحالة النص المسرحي المحلي وما إن كان أحد أسباب ثبات وتأرجح وربما تراجع المسرح السوري، يرى صاحب مبادرة “نزرع الفرح” لتعليم المسرح للأطفال في المناطق والقرى السورية المختلفة أن هذا الطرح عقيم أساساً، وما نسميه “الإشكالية” ليس سوى مصطلح لغوي متكرر سمعناه من هنا وهناك، وأردف: مشكلتنا تكمن في سلبية طرح أفكارنا، نحن للأسف في المنطقة العربية نعاني حالة عقم فكري يتلخص بطرح السلبي والإضاءة عليه بدل تمجيد الإيجابي، ويتجسد انعكاس هذا العقم الثقافي في الفن، أنا مثلاً اشتغلت تسع مسرحيات، اثنتان منها مقتبستان من أعمالٍ مسرحية أجنبية، واثنتان لـ”عزيز نيسين” وهو كاتب تركي تشعر وأنت تقرأ له أنه يكتب عن حارتنا، وببعض التعديلات الصغيرة يصبح نصّه ابن منطقتنا ويتحدث عن أوجاعنا، وأنا اشتغلت مسرحياتي بهذه اللغة الثقافية، ليست المنطوقة وإنما اللغة كسلوك وفعل مسرحي ولغة تحاور، كما اشتغلت مسرحية بطريقة الارتجال بُنيت مع الفريق المتدرّب، وأُخرى بنص مقتبس عن نص لسعد الله ونوس ومسرحية لـممدوح عدوان، وأخرى لطلال الحلبي، والأخيرة لكاتب خريج المعهد العالي هو مضر الحجي، خمسة من تسعة لكتاب سوريين، فكيف استطعت -كمخرج- تحقيق هذه المعادلة باشتغال خمسة نصوص سوريّة من أصل تسعة!.

فقدان التدوين

ويرى الخطيب أن المشكلة بدأت بفقدان التدوين، وبرأيه من المعيب أن نعدّ المسرح فناً وافداً ونحن أصحاب أقدم المسارح الأثرية كمسرح بصرى ومسرح تدمر ومسرح حلب الأثري والمدرج الروماني في جبلة وغيره، نحنا لدينا مسارح قديمة جداً، والمسرح بدأ في سورية على يد أبي خليل القباني، وقبله بأعوام مارون النقاش في لبنان، لكن انقطعت سلسلة التجربة المسرحية بسبب عدم وصول التدوين، على عكس الإغريق الذين وصلنا تدوينهم ولم يضيعه الزمن بعد 2500 سنة، لنطلع على ما صنع “اسخيليوس” وما كتب “سوفوكليس” وما نظر له ارسطو، لربما السبب أن الحروب التي تعرضت لها منطقتنا كانت أكثر شراسة وأطول زمناً، وربما سقط التدوين على يد المغول في دجلة، أو ربما لم نستطع الحفاظ على تراثنا الأدبي والفني بسبب عدم وجود المدينة بشكلها المستقر، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويضيف الخطيب: هذا إلى جانب سيف الرقيب المنتظر بين السطور ليحذرنا من أيّ جملة أو فكرة قد نحاسب عليها لاحقاً، للأسف مبدعونا دائماًعلى قيد الخوف، وليس لدينا حرية مطلقة في الكتابة، ما دفع الكثيرين للاتجاه نحو المسرح الحركي، فأنا حسب معرفتي، المدينة والمسرح والديمقراطية خلقوا معاً، وحين نفقد أحد عناصر المسرح فإننا سنخرج بمسرح أعرج، كل هذه الدوامة لها علاقة بالعقم الفكري والثقافي الذي نعيشه، وبمعنى أدق نفتقد الوضوح، فليس واضحاً لدينا ما هو المسموح وما الممنوع من العرض على مسارحنا وفي أفلامنا السينمائية، ثم إن الكاتب يحتاج ألا يكون له همّ سوى الكتابة، فمن هو الكاتب المتعيش من إبداعه في بلدنا اليوم؟ الإشكالية إذاً ليست باستيراد نص أجنبي، بل إنها أعمق من هذا بكثير، فهي سلسلة متصلة من الإشكاليات التي خلقت هوة في الثقافة والترجمة والتدوين وغيرها، سببت ضآلة في عدد النصوص، ولكن عند البحث الحقيقي سنجد الكثير من النصوص السورية، ويقول: الأمر الآخر المتفق عليه بين جميع الفنانين والكتاب هو “لا جديد تحت الشمس” فمثلاً لو أحضرنا “عطيل”  من التراجيديات الأربعة الكبرى المعروفة لشكسبير واشتغلناها بروح وحسّ ولغة سورية، نستطيع أن نقول عنها مسرحية سورية، بشرط أن نضيف إليها تفاصيل في “الدرامتورجية” تجعلها بالنسبة للمتلقي أكثر ملامسة لحياته اليومية، ليس مهماً إذاً تعريب المكان والأسماء في المسرحية بل المهم هو إيصال الفكرة وتحقيق التأثير، فالنص المسرحي الخالد يمكن إسقاطه على أي زمانٍ ومكان.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار