فنونٌ بمرتبة شهودٍ
يُمكن تسميتها “وثائق عن كورونا”، ليس لأنها أرّخت فقط لوباءٍ عالمي، تشعّبت آثاره، بل لأنها ستؤول فعلاً إلى مراجع وقواميس، تحكي عن عزلةٍ إجبارية، خضع لها ملايين العاجزين عن فهم ما حدث من دون سابق إنذار، فكانت الأفلام والرسوم والقصص والأغنيات، فنوناً بمرتبة شهود، يُعتمد عليها في قراءة زمنٍ قاسٍ، عُدّ الجميع فيه مشروعات مرضى، سواء أصيبوا أم لا، إضافة إلى تغييراتٍ مُفاجئة وصارمة، دخلت حياتنا وفرضت نفسها في مختلف التفاصيل، حتى أصبحت زيارة الأهل والأماكن المُفضلة، جرماً، يعاقب عليه القانون، وعبئاً يجب التخلص منه، بينما فَقْدُ الأصدقاء والأقارب، جزءٌ من فاجعةٍ أكبر، والتواصل مرهونٌ بالشاشات وحدها.
تحوّل الفنون الخاصة بالوباء إلى وثائق، على ما فيه من أهمية، تُوازي وتتفوّق أيضاً، على ما جاءت به الإحصائيات والبيانات عالمياً، في فهم كل ما حصل، يُحيلها بطبيعة الحال، إلى مَنسيات، لا تُذكر سوى في استحضار زمنٍ مُحدد، فما كان مُضحكاً أو مُؤلماً في الكلام والصور عن الكمامة، لم يعد له صدىً بيننا، وما قدمه رسامو الكاريكاتير وأصحاب الأفلام القصيرة، والمصوّرة بالموبايل، عن التداعيات النفسية والاجتماعية لتلك الأيام، فقدَ قدرته على كسب التعاطف أو الإدهاش، كما في القصائد والمسلسلات التي اهتمّت بحدثٍ ما، تراجع حضورها في الذاكرة الجمعية، ليصبح لها طابع المواسم والمناسبات.
ما سبق، ينسحب بشكلٍ آخر، على مضامين فنية، ارتبطت بأمكنةٍ وأشخاصٍ ومواقف وأحداث، ثم جرى عليها فعل الزمن، من دون أن يعني هذا انتقاصاً من قيمتها، لكنه يفتح الباب أيضاً، للكلام عن قدرتها على تجاوز الآني نحو ما هو أكثر رحابة وديمومة، ولعلّ هذا يأتي من مزيجٍ، يتداخل فيه العام والخاص، وتبرز فيه قدراتٌ مختلفة، تفك ارتباطه بالمناسبة التي أنتجته، وتنقله من الراهن إلى غير المحدود، فالقصيدة مثلاً ليست خبراً عاجلاً، والأغنية ليست صيحة نطلقها خوفاً أو ابتهاجاً، والقصة ليست حديثاً عابراً مع مجهولٍ ما في الطريق، على أنّنا لا ننكر عليها إخلاصها لزمانها ومكانها، ولا نحمّل صانعيها، ما تحمله طبيعة الحياة، من بحثٍ دائمٍ عن الاختلاف والتجديد، لا بدّ من أن يُفضي إلى نسيانٍ في المقابل.