“جود بالموجود”
لم أعتد يوماً أن أبدأ كتابة زاويتي بالسؤال، أو طرح عبارات الاستفسار ، قبل الدخول في توصيف الحدث أو المشكلة التي أنوي الكتابة عنها ، لكن هذه المرة خالفت القاعدة لأن ثمة سؤالاً قضّ مضجعي، وحيرة أقلقتني كثيراً تجاه ما يحدث في أسواقنا المحلية من حالات غش وسرقة واعتداء على المال العام وغير ذلك كثير من سيمفونية هذه القصص، والسؤال بشأن ذلك: ما الذي بقي من أمور حياتنا لم يتعرض للغش والتدليس والسرقة والاعتداء على المال العام ، من قبل ضعاف النفوس، ومن يجبر بخاطرهم من أصحاب القرار والفعل..؟!
سؤال يختصر الكثير من القول واستغراب ملايين المواطنين تجاه ما يحدث في السوق والاستغراب الأكبر ما الذي تفعله الجهات الرقابية على اختلافها وتنوعها وتعدد أجهزتها وحتى مفاعيلها على أرض الواقع؟
ما تفعله “سوالف وقصص” رقابية على مبدأ ” جود بالموجود” والمصادفة تلعب دورها في كثير من الأحيان في ضبط المخالفات والمعالجة، إذ يكاد لا يمر يوم إلّا ونسمع عن هذه القصص ومعالجات وفق القانون، ومصادرات وإحالات الى القضاء، وتغريمات بعشرات ملايين الليرات، وسوالف أخرى تحاكي الواقع لكن بمفاعيل دون المستوى المطلوب، أو حتى تكون عامل ردع في السوق، بدليل ما يحدث من تكرار لأفعال الغش والسرقة والاعتداء على المال العام، إذ رغم صرامة القانون وقوة بنوده وشدة تطبيقه، فإننا نسمع يومياً المخالفات نفسها تتكرر، فتارة في رغيف الخبز والدقيق التمويني ، وتارة في المحروقات، وأخرى بالغاز، من دون أن ننسى أخطرها وهو الغش في الغذاء والتلاعب بصحة المواطنين!
أمام ذلك ثمة أسئلة كثيرة ، واستفسارات تحمل الكثير من إشارات التعجب بشأن ما يحدث، ما دامت الرقابة تضبط وتقمع وتغرِّم وتضع في السجن، وتطلق الأحكام ، “وتعرّي” أهل التجار ومن يدور في فلكهم في عمليات الغش والسرقة، واستهداف المواطن في لقمة عيشه. ماذا نستفيد من كل ذلك ما دامت المخالفات هي ذاتها، والمشكلات تتكرر، والمعالجات لا تثمر سوى بعض التغريمات وبقليل من الملايين ، تجاه المليارات من قيمة البضاعة ، وإحالات “الموجوداً” لم تقمع بعض أهل التجارة ولم تمنعهم من الغوص مجدداً في أعمال الغش.
إذاً، لدينا مشكلة وثمة حلقة مفقودة في كل ما يحدث ، سواء لجهة تطبيق القانون، أو لجهة فاعليته ومنع أعمال الغش وارتكاب المخالفات، أو لجهة الثقافة الرقابية وغياب ثقافة العمل النظيفة التي تتصف بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية، قبل المسؤولية المادية، بدليل لا يمضي يوم إلّا وتسجل فيه مئات المخالفات من قبل حماية المستهلك، لكنها تتكرر باستمرار، وكأن كل مفاعيلها تذهب مع تغريم بسيط يقابله فساد أكبر، ورقابة تحاكي حالها “الجود بالموجود “، وهذه حقيقة ما يحصل في الأسواق!؟
Issa.samy68@gmail.com