حرائق متواصلة وخسائر هائلة .. وأحاديث عن إجراءات للحدّ منها ..!!
ميليا إسبر
يتكرر حدوث الحرائق سنوياً وفي مختلف المحافظات، ونتيجتها خسارة الكثير من الغابات، وكذلك أشجار مثمرة ومحاصيل إستراتيجية، يأتي في مقدمتها القمح، من دون إيجاد حلول لمنع تكرار ذلك، علماً أن الكثير من الحرائق يكون مصدرها بشرياً سواء بقصد أو بغيره، الأمر الذي يعود بتأثيرات سلبية على البيئة والاقتصاد معاً.
199 حريقاً
مدير مديرية الحراج في وزارة الزراعة المهندس باسم سلوم أشار في حديث لـ”تشرين” إلى أنّ إجمالي الحرائق (الزراعية والحراجية) التي حصلت هذا العام حتى تاريخ 5 حزيران الجاري بلغ /199/ حريقاً بمساحة إجمالية 1394 هكتاراً، وأنّ المديرية وضعت خطة لمواجهة الحرائق والتخفيف منها، من خلال تعزيز إجراءات الإنذار المبكر والاعتماد على منصة الحرائق في تحديد الأماكن الأكثر حساسية لحدوث الحرائق، كما تم تشكيل لجان محلية في كل وحدة إدارية برئاسة وعضوية عضو المكتب التنفيذي بالوحدة الإدارية والوحدات الإرشادية والمعنيين والفنيين، إضافة إلى التنسيق مع اتحاد الفلاحين بهدف توجيههم لإزالة الوقود الطبيعي الموجود ضمن الأراضي الزراعية وإتلافه بالطرق التي تضمن السلامة لمحاصيلهم وللغابات المجاورة، لافتاً أنه تم التنسيق مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة بما يخص مكبات القمامة والعمل على إزالتها الفورية داخل المواقع الحراجية، وأيضاً التنسيق مع وزارة الدفاع بخصوص وضع طائرة اليوشين والحوامات بالخدمة والجاهزية، وكذلك الإشراف على خطة شق الطرق الحراجية بمسافة 5505 كم وترميمها بمسافة 2725 كم وخطوط النار المقررة لهذا العام، وإعداد خطة متكاملة لإدارة مكافحة الحرائق وعلى مستوى محافظات القطر.
أسباب نشوب الحرائق
ذكر سلوم أنه وفق الإحصائيات التي تجرى سنوياً هناك 50 % من الحرائق منشؤها زراعي بسبب إشعال النار لحرق المخلفات الزراعية، وأيضاً الإهمال ورمي أعقاب السجائر، وكذلك حدوث ماس كهربائي وأيضاً العوامل الجوية والشرارة الناتجة عن الصواعق، مؤكداً وجود حرائق متعمّدة (التعديات على الحراج- التفحيم- الزحف العمراني) وأعمال إر*ها*بية (القذ*ائف الصا*روخية- الأ*لغام- إطلاق الشهب النارية)، مشيراً إلى وجود متابعة لأعمال لجنة منصة الحرائق بالتعاون مع وزارة الاتصالات والهيئة العامة للاستشعار عن بعد ومديرية الأرصاد الجوية للعمل على إصدار خرائط التنبؤ للمواقع الحساسة لحرائق الغابات والتي من خلالها نستطيع حشد الطاقات وتوظيف الإمكانات للمواقع الأشد حساسية للتدخل السريع والتقليص قدر الإمكان من المساحة المحروقة، مع وجود خطة لتوسيع أعمال المنصة للعمل على تأسيس نظام إنذار مبكر باستخدام تقنية التقاطع بين موقع وزاوية النار للإيعاز لغرف العمليات لإعطاء الإحداثيات من أجل انتشار فرق الإطفاء والآليات.
آثار الحرائق
بدوره وزير الزراعة الأسبق والخبير الأممي الدكتور نور الدين منى يقول: لحرائق الغابات آثار، منها انجراف التربة- انجرافات صخرية- انهيارات طينية وكل ذلك يؤثر في المساقط المائية ومجاري المياه في الطبيعة، وكذلك فإنّ زيادة الانبعاث الحراري وارتفاع معدّل غاز ثاني أوكسيد الكربون والغازات الدفيئة يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة والاحتباس الحراري والتأثير في طبقة الأوزون، إضافة إلى انخفاض الخصوبة في الأراضي المحروقة (الغابات أو البوادي..) حيث تصبح فيها معدلات تآكل أعلى وهذا يتطلب من المزارعين إعادة تسميد التربة، ما يرتب عليهم تكاليف مادية إضافية (بسبب ارتفاع ثمن الأسمدة وعدم توفرها) اعتماد أنظمة التكامل الزراعي بما أنّ معظم الحرائق تحدث نتيجة الجهل في إدارة بقايا الأراضي الزراعية أو الغابات فلا بدّ من التسريع في عمليات التحريج الصناعي (يقلل من آثار الحرائق ولكنه ليس حلاً).
وكذلك اعتماد أنظمة التكامل الزراعي النباتي والحيواني لأن استعادة الأراضي المحروقة عافيتها تحتاج لزمن يختلف حسب المنطقة التي نشبت فيها الحرائق، وهذا الزمن يبدأ من عام في مناطق المحاصيل الموسمية ثم يزداد في مناطق الأشجار المثمرة، ليبلغ النسبة الأعلى في المناطق الحراجية والغابات (التي قد تمتد سنوات) وهذا يؤثر بشكل كبير ومباشر في النشاط الاقتصادي، حسبما قاله د. منى، ما يوجب على الحكومات اتباع إستراتيجيات إدارة أكثر شمولية في مجابهة الحرائق التي تؤثر بشكل عام في الوضع المعيشي للمواطن من جرّاء احتراق بساتين الأشجار المثمرة وكذلك النباتات الطبية والتي تشكل سبل وموارد معيشة للمواطنين، كما تؤثر في النظم الإيكولوجية ونظام التنوع الحيوي (تسبب هجرة الطيور وانقراض أنواع من الحيوانات والقضاء على كائنات حيّة جراثيم وفطريات..)، وأيضاً المناطق السياحية الجميلة التي تتأثر وتؤثر بشكل مباشر في واردات السياحة التي تعد جزءاً مهماً من الدخل الوطني، ولاسيما في المناطق الجبلية والحراجية التي تتمتع بمناخ مميز.
خسائر اقتصادية وبشرية
وأضاف د. منى: حدوث الحرائق في الصيف والخريف يؤدي إلى خسائر بشرية وكذلك اقتصادية بسبب عمليات الإطفاء وتكاليفها المرتفعة، وإعادة تركيب التربة في الأراضي المحروقة وتسميدها، حيث إنّ فقدان المحاصيل الموسمية والحقلية ومنتجات الأشجار المثمرة يعني فقدان المزارعين مصدر رزقهم، منوهاً بأنّ خسارة مساحات من البوادي ستؤدي إلى نقص تعداد المواشي (نقص قطعان الأغنام) وتالياً ارتفاع أسعار الأعلاف واللحوم، علماً أنّ تكرار حدوث الحرائق يساهم في زيادة التصحّر والاحتباس الحراري والخلل في التوازن البيئي وخسائر بشرية واقتصادية.
تعميم المبادرات الأهلية
من جهته الخبير التنموي أكرم عفيف أشار إلى زيادة عدد الحرائق في الفترة نفسها من كل سنة بسبب زيادة رقعة المساحات اليابسة، ولاسيما في منطقة الغاب، وخاصة أنّ أغلب الفلاحين في تلك المنطقة لم يزرعوا محاصيل صيفية بسبب تكاليف إنتاجها المرتفعة، لذلك فإنّ أكثر الأراضي مزروع بالقمح، والأخير عندما يجف تكون فيه نسبة قش ناعم سهل الاشتعال بشكل كبير، لافتاً إلى أهمية المبادرات الأهلية في المساهمة في الحد من الحرائق، فعلى سبيل المثال هناك مبادرة أهلية في قرينة العوينة التابعة لمنطقة الغاب والتي توجد فيها نسبة أراض كبيرة مزروعة بالقمح، هذه المبادرة لمتطوعين، كل مختص باستخدام آلة معينة –جرار- مقطورة.. هؤلاء موجودون بجهوزية تامة مع أرقام هواتفهم في حال حدوث أي حريق فإنهم يستطيعون الوصول إلى مكان الحريق، مؤكداً ضرورة تعميم مبادرات كهذه على امتداد الجغرافيا السورية بهدف الحدّ من الآثار الناجمة عن نشوب الحرائق.